صيد الفوائد saaid.org
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







تبجيل المبتدع

عبدالعزيز بن سعد الدغيثر

 
بسم الله الرحمن الرحيم


كنت في حوار مع أخ في مشروعية زيارة وتبجيل رؤوس المبتدعة المعروفين بحسن الخلق ولطف التعامل، وترحمهم على الإمام ابن تيمية رحمه الله، وعدم تكفير أهل السنة من أهل الحديث وترك وصمهم بأنهم حشوية مجسمة مثل ما هو عليه غلاة المبتدعة.
فقلت له: هو مبتدع جهمي مؤدب فقط ولكنه يظل جهميا.
وفرق بين عالم باللغة أو بالأصول أو الفقه ودرس عقيدة مبتدعة وليس له تعليم ولا تأليف في نصرة البدعة، وبين من يحمل لواء التأليف والتدريس والنشر للبدعة والتفاخر باتباع رؤوس المبتدعة مثل ابن فورك والرازي وإبراهيم اللقاني ت: 1041 هـ صاحب منظومة جوهرة التوحيد.

كما يفرق أهل العلم بين مداراة المبدتع الذي له سلطة على السني مثل دكتور الجامعة أو له ولاية أو منصب وتحتاج لمداراته، وبين من لا حاجة ولا ضرورة لتبجيله وتعظيمه.

والأصل في التعامل مع المبتدعة ومجالسة أهل البدع قوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ). قال ابن جرير: (وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع من المبتدعة والفسقة عند خوضهم في باطلهم).
وقال القرطبي - رحمه الله -: ((استدل مالك - رحمه الله - من هذه الآية على معاداة القدرية وترك مجالستهم، قال أشهب عن مالك: لا تجالس القدرية وعادهم في الله لقوله - تعالى -: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله))) [التفسير 17/308].
وقال البيهقي وهو يتحدث عن الشافعي:
\"وكان الشافعي - رضي الله عنه - شديداً على أهل الإلحاد وأهل البدع مجاهراً ببغضهم وهجرهم\"مناقب الشافعي (1/469).
وقال الإمام أحمد - رحمه الله -: \"إذا سلّم الرجل على المبتدع فهو يحبه\"، (طبقات الحنابلة (1/196)) فيدل أنه لا يجوز محبة أهل البدع.

وقال ابن المبارك - رحمه الله -: ((اللهم لا تجعل لصاحب بدعة عندي يداً فيحبه قلبي)) [رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/140].

وقال أحمد بن حنبل:(أهل البدع لا ينبغي لأحد أن يجالسهم ولا يخالطهم ولا يأنس بهم). وقال أيضاً في رسالته إلى مسدد: (ولا تشاور صاحب بدعة في دينك ولا ترافقه في سفرك).

و قال سفيان الثوري: (من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثلاث: إما أن يكون فتنة لغيره وإما أن يقع في قلبه شيء فيزل به فيدخله الله النار وإما أن يقول: والله ما أبالي ما تكلموا وإني واثق بنفسي فمن أمن الله على دينه طرفة عين سلبه إياه).

وقد تواتر كلام علماءأهل السنة والجماعة من أهل الحديث على التحذير من مجالسة المبتدعة، وزجرهم بهجرهم ، فمن ذلك قول أبي عثمان الصابوني: (ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه ولا يحبونهم ولا يصحبونهم ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم). وقال: واتفقـوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم، وإخزائهم، وإبعادهم، وإقصائهم، والتباعد منهم، ومن مصاحبتهم، ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله - عز وجل - بمجانبتهم ومهاجرتهم.\"عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص: 123:

وقال الإمام البغوي - رحمه الله -:
((وفيه دليل (أي حديث كعب بن مالك) على أن هجران أهل البدع على التأبيد، وكان رسول - صلى الله عليه وسلم - خاف على كعب وأصحابه النفاق حين تخلفوا عن الخروج معه فأمر بهجرانهم إلى أن أنزل الله توبتهم، وعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - براءتهم، وقد مضت الصحابة والتّابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم.)) شرح السنة (1/226-227).
وقال ابن قدامة: (وكان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع والنظر في كتبهم والاستماع لكلامهم).
ويوضح عالم المقاصد الإمام الشاطبي عن مفاسد توقير رؤوس البدعة فيقول رحمه الله تعالى :
" فإن توقير صاحب البدعة مظنة لمفسدتين تعودان بالهدم على الإسلام :
أحدهما: التفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير ، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس ، وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره ، فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دون اتباع أهل السنة على سنتهم .
والثانية: أنه إذا وقر من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرض له على انشاء الابتداع في كل شيء .
وعلى كل حال ؛ فتحيا البدع ، وتموت السنن ، وهو هدم الإسلام بعينه " انتهى من " الاعتصام " ( 1 / 202 ) .

وأما هجره فهو مبني على المصلحة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومن كان متبدعا ظاهر البدعة وجب الإنكار عليه، ومن الإنكار المشروع أن يهجر حتى يتوب، ومن الهجر امتناع أهل الدين من الصلاة عليه، لينزجر من يتشبه بطريقته ويدعو إليه، وقد أمر بمثل هذا مالك بن أنس وأحمد بن حنبل وغيرهما من الأئمة. انتهى وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : فإذا لم يكن في هجرانه انزجار أحد ، ولا انتهاء أحد ؛ بل بطلان كثير من الحسنات المأمور بها : لم تكن هجرة مأمورا بها ، كما ذكره أحمد عن أهل خراسان إذ ذاك : أنهم لم يكونوا يقوون بالجهمية. فإذا عجزوا عن إظهار العداوة لهم سقط الأمر بفعل هذه الحسنة ، وكان مداراتهم فيه دفع الضرر عن المؤمن الضعيف ، ولعله أن يكون فيه تأليف الفاجر القوي .
وكذلك لما كثر القدر في أهل البصرة [أي : بدعة نقي القدر] ، فلو ترك رواية الحديث عنهم ، لا ندرس العلم والسنن والآثار المحفوظة فيهم .
فإذا تعذر إقامة الواجبات ، من العلم والجهاد وغير ذلك ، إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب = كان تحصيل مصلحة الواجب ، مع مفسدة مرجوحة معه : خيرا من العكس .
ولهذا كان الكلام في هذه المسائل فيه تفصيل " . " مجموع الفتاوى " ( 28 / 212 ) .

ومن أعجب ما مر علي من آثار تبجيل المبتدع قصة قبلة على جبين مبتدع أضلت أمما! فقد قال أبو ذر الهروي: (. . . كنت ماشيا مع الدارقطني فلقينا القاضي أبا بكر (الباقلاني الأشعري) فالتزمه الدارقطني وقبل وجهه وعينيه، فلما افترقا قلت: من هذا؟ قال: هذا إمام المسلمين والذاب عن الدين القاضي أبو بكر بن الطيب.. .).
هذه القبلة السلفية على جبين إمام الأشعرية أضلت أبا ذر الهروي ( راوي صحيح البخاري) فتعلم على يد الباقلاني الأشعري ثم مكث الهروي بمكة يستقبل الطلبة من الأندلس والمغرب حتى انتشر مذهب الأشاعرة في متأخري المالكية. قال ابن كثير: (والمغاربة إنما أخذوا الأشعرية عن أبي ذر الهروي).
وليعلم أن رؤوس المبتدعة يحتقرون السني الذي يبجلهم، وقد لحظت هذا في عدة مواقف.

ولا يمكن أن يكون طالب العلم حنبليا في الفروع وهو يبجل دعاة البدعة لأن الحنابلة معروفون بالقوة في التمسك بالسنة ومفاصلة دعاة البدعة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 4/ 166.: ولهذا كانوا - يعني الحنابلة - أقل الطوائف تنازعًا وافتراقًا لكثرة؛ اعتصامهم بالسنة والآثار، لأن للإمام أحمد في باب أصول الدين من الأقوال المبينة لما تنازع فيه الناس ما ليس لغيره، وأقواله مؤيدة بالكتاب والسنة واتباع سبيل السلف الطيب. وقال شيخ الإسلام في الفتاوى 4/ 186.: والحنابلة اقتفوا أثر السلف، وساروا بسيرهم، ووقفوا بوقوفهم، بخلاف غيرهم.
ومواقف الحنابلة من دعاة البدعة مشهودة معهودة، ومفاصلتهم لأهل الضلال متناثرة في كتبهم المفردة، وفي تراجمهم في طبقات الحنابلة وذيله لابن رجب وفي كتب التاريخ وخصوصا زمن دولة بني العباس.
فمن يتمسك بمذهب أحمد في الفروع ويخالف طريقتهم في السلوك والمنهج ففي حنبليته رخاوة.

والبعض ممن من الله عليهم بالسنة واتباع السلف، يظهر التسامح مع دعاة البدعة حتى يظهر أنه منفتح (كيوت)، وهذا نقص في التمسك بالسنة.

والله المستعان.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.عبدالعزيز الدغيثر
  • بحوث علمية
  • مقالات حديثية
  • مقالات فقهية
  • مقالات لغوية
  • مقالات عقدية
  • مقالات أخرى
  • الصفحة الرئيسية