بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فقد حصلت مباحثة حول ما اعتاده أهل مكة
من عقد النكاح في المسجد، ومدى مشروعية ذلك فكتبت خلاصة في المسألة.
استحب الفقهاء عقد النكاح في المسجد ؛
للبركة، ولإشهاره ، كما في " الموسوعة الفقهية " ( 37 / 214 ) .
واستدل الفقهاء بما يأتي:
الدليل
الأول: ورود الأمر بعقد النكاح في المسجد
فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت :
قال رسول الله ﷺ: ( أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه
بالدفوف ) ، أخرجه الترمذي، في أبواب النكاح، باب ما جاء في إعلان النكاح:
(٢/ ٣٩٠)، (حديث: ١٠٨٩)، من طريق عيسى بن ميمون الأنصاري، عن القاسم بن
محمد، عن عائشة به، وقال: غريب حسن، لكنه أشار إلى ضعف إسناده، فقال بعد
ذلك: «وعيسى ابن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث»، وكذا ضعف إسناده الحافظ
ابن حجر، فقال: «سنده ضعيف» كما في «فتح الباري» (٩/ ٢٢٦)، وأخرجه البيهقي
في السنن الكبرى برقم ١٤٨١٤ وقال: عيسى بن ميمون ضعيف.
قال عبد القادر الأرنؤوط:"حديث حسن
بشواهده"( جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير(11/439))، وضعفه ابن
حجر ، والألباني في الإرواء ( 1993 ).
قال الملا علي القاري في "مرقاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (5/ 2072، ط. دار الفكر): [قوله: (واجعلوه في
المساجد) وهو: إما لأنه أدعى إلى الإعلان، أو لحصول بركة المكان] اهـ..
الدليل
الثاني: ثبوت ذلك من فعله ﷺ،
فقد ثبتت مشروعية عقد النكاح في المسجد
بما رواه الشيخان في "صحيحيهما" عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما قال:
جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ،
جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقَامَ
رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ
لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا.. قال: «اذْهَبْ، فَقَدْ مُلِّكْتَهَا
بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ».
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/
206، ط. دار المعرفة): [وفي رواية سفيان الثوري عند الإسماعيلي: "جاءت
امرأة إلى النبي ﷺ وهو في المسجد"، فأفاد تعيين المكان الذي وقعت فيه
القصة] اهـ. فهذه الرواية تدل على أن النبي ﷺ أجرى عقد الزواج في المسجد
وأعلنه.
الدليل
الثالث: إقراره ﷺ لعقد النكاح في المسجد
ففي المصنف بَابُ النِّكَاحِ فِي
الْمَسْجِدِ، روى عبدالرزاق برقم ١٠٤٤٨ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،
وَإِبْرَاهِيمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صالِحٍ، مَوْلَى التوْأَمَةِ قَالَ:
رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جمَاعَةً فِي الْمسْجِدِ، فقَالَ: «مَا هَذَا؟»
قَالُوا: نِكَاحٌ قالَ: «هذَا النِّكَاحُ لَيْسَ بِالسفاح». وهو حديث مرسل.
بيان نصوص فقهاء المذاهب الأربعة في
استحباب عقد النكاح في المسجد:
أولا: المذهب
الحنفي:
قال الكمال بن الهمام الحنفي في "فتح
القدير" (3/ 189، ط. دار الفكر): [ويستحب مباشرة عقد النكاح في المسجد؛
لأنه عبادة، وكونه في يوم الجمعة] اهـ.
وقال في مجمع الأنهر (1/317) : " ويستحب
مباشرة عقد النكاح في المسجد ، وكونه في يوم الجمعة ، واختلفوا في كراهة
الزفاف فيه ، والمختار: لا يكره إذا لم يشتمل على مفسدة دينية ".
ثانيا:
المذهب المالكي
ففي "منح الجليل شرح مختصر خليل" (8/
86، ط. دار الفكر): [(و) جاز (عقد نكاح) بمسجدٍ، واستحسنه جماعة] اهـ.
وقال الخرشي في شرح خليل (7/71) : "
يعني أنه يجوز عقد النكاح أي : مجرد إيجاب وقبول ، بل هو مستحب".
ثالثا:
المذهب الشافعي
قال ابن الصلاح في "شرح مشكل الوسيط"
(3/ 561، ط. دار كنوز إشبيليا): [يستحب أن يكون العقد في مسجد] اهـ.
وجاء في "مغني المحتاج" (4/ 207، ط. دار
الكتب العلمية): [ويسن أن يتزوج في شوال، وأن يدخل فيه، وأن يعقد في
المسجد، وأن يكون مع جمع، وأن يكون أول النهار] اهـ.
رابعا:
المذهب الحنبلي
قال البهوتي في "كشاف القناع عن متن
الإقناع" (2/ 368، ط. دار الكتب العلمية): [ويباح فيه عقد النكاح، بل يستحب
كما ذكره بعض الأصحاب] اهـ.
وذكر الاستحباب شيخ الإسلام ابن تيمية
في مجموع الفتاوى (٣٢/ ١٨).
وقد تظافرت عبارات شراح الحديث عند
كلامهم على الحديث الأول الذي رواه الترمذي على مشروعية عقد النكاح في
المسجد، ولم أجد من استنكر ذلك.
والحمد لله أولا وآخرا.
في
15/10/1446هـ
|