الاستشفاء بالعسل في السنة النبوية

الاستشفاء بالعسل في السنة النبوية

كتبه الدكتور عبدالعزيز بن سعد الدغيثر في 21/12/1446هـ

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:

 يقول الله تعالى في سورة النحل " وَأَوْحَىَ رَبّكَ إِلَىَ النّحْلِ أَنِ اتّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشّجَرِ وَمِمّا يَعْرِشُونَ * ثُمّ كُلِي مِن كُلّ الثّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنّاسِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ " [النحل:68_69] والتنكير في قوله تعالى: ( فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ) يفيد أنه شفاء لبعض الأدواء لا كلها، ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف لبعض الأدواء غير العسل، ولو كان العسل شفاء لكل داء لاكتفي به.

وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ: الْعَسَل عِنْد الْأَطِبَّاء أَقْرَب إِلَى أَنْ يَكُون دَوَاء مِنْ كُلّ دَاء مِنْ الْحَبَّة السَّوْدَاء ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ مِنْ الْأَمْرَاض مَا لَوْ شَرِبَ صَاحِبه الْعَسَل لَتَأَذَّى بِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ فِي الْعَسَل " فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ " الْأَكْثَر الْأَغْلَب فَحَمْل الْحَبَّة السَّوْدَاء عَلَى ذَلِكَ أَوْلَى " .

وثبت عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الشفاء في ثلاث: شربة عسل وشرطة محجم وكية نار وأنا أنهى أمتي عن الكي"[1].  وفي حديث جابر قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لذعة نار يوافق الداء، وما أحب أن أكتوي»([2]).

وصح عن ابن مسعود رضي الله عنه: "عليكم بالشفائين القرآن والعسل"[3].

والعسل شفاء لأمراض البطن والنزلات المعوية ومقوٍّ للجهاز المناعي:

فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اسقه عسلا" فسقاه، ثم جاء فقال: إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اسقه عسلا"، فقال له ثلاث مرات ثم جاء الرابعة فقال: قد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" صدق الله وكذب بطن أخيك" فسقاه فبرأ[4].

وقوله:( يشتكي بطنه )، أي: من ألمٍ أصابه بسبب إسهال حصل له.

وقوله: ( صدق الله ) يعني في قوله تعالى: ( يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ) النحل/ 69.

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله –: " معنى ( كذب بطنه ) أي: لم يصلح لقبول الشفاء، بل زلَّ عنه، وقد اعترض بعض الملاحدة، فقال العسل مسهل فكيف يوصف لمن وقع به الإسهال ؟ والجواب: أن ذلك جهل من قائله، بل هو كقوله تعالى ( بل كذَّبوا بما لم يحيطوا بعلمه )، فقد اتفق الأطباء على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السنِّ، والعادة، والزمان، والغذاء المألوف، والتدبير، وقوة الطبيعة،....ولا شيء في ذلك مثل العسل، لا سيما إن مزج بالماء الحار، وإنما لم يفده في أول مرة: لأن الدواء يجب أن يكون له مقدار، وكمية، بحسب الداء، إن قصُر عنه: لم يدفعه بالكلية، وإن جاوزه أوهى القوة، وأحدث ضرراً آخر، فكأنه شرب منه أولاً مقداراً لا يفي بمقاومة الداء، فأمره بمعاودة سقيه، فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء: برأ بإذن الله تعالى.

وفي قوله صلى الله عليه وسلم ( وكذب بطن أخيك ): إشارة إلى أن هذا الدواء نافع، وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه، ولكن لكثرة المادة الفاسدة، فمِن ثمَّ أمره بمعاودة شرب العسل لاستفراغها، فكان كذلك، وبرأ بإذن الله " " فتح الباري " ( 10 / 169 ، 170 ).

ويمكن أخذ العسل مباشرة، ويمكن خلطه مع غيره، مثل التلبينة، وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن التلبينة مُجِمَّة لفؤاد المريض، تذهب ببعض الحزن"[5]، والتلبينة حساء من دقيق أو نخالة فيه عسل أو لبن، سميت تلبينة لأن لونها يميل للبياض ولشبهها باللبن في رقته[6].

كما يمكن خلطه بالسمن، ليخفف من مرارة السنا (السنامكي = العشرق)، ففي حديث عبدالله بن حرام رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" عليكم بالسنا والسَّنُّوت فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام"[7]، يعني الموت. واختلف في السنوت فقيل هو العسل المخلوط بالسمن[8].

ومن طريف ما يروى عند ابن أبي شيبة [٢٥٢٣٧]  عن علي قال: إذا اشتكى أحدكم شيئا فليسأل امرأته ثلاثة دراهم من صداقها، فيشتري به عسلا، فيشربه بماء السماء، فيجمع الله الهنيء المريء، والماء المبارك، والشفاء.

وفي رواية ابن أبي حاتم في التفسير [٤٧٧٩]  عن علي قال: إذا اشتكى أحدكم شيئا، فليسأل امرأته ثلاثة دراهم أو نحو ذلك فليبتع عسلا، ثم يأخذ ماء السماء، فيجتمع هنيئا مريئا شفاء مباركا. اهـ سند صالح لا بأس به.

هذا ما تيسر جمعه والحمد لله أولا وآخرا.


 

[1] رواه البخاري(5681).

([2]) البخاري (5/2152، 2157) (5359، 5375، 5377) ، مسلم (4/1729) (2205).

[3] رواه الحاكم 4/200 وابن أبي شيبة 7/445 بسند صحيح وصحح وقفه البيهقي وابن كثير وقال ابن حجر في الفتح 10/170: رجاله رجال الصحيح.

[4] رواه البخاري 10/139،168،ومسلم(2217)..

[5] أخرجه البخاري9/550،10/146 مع الفتح ومسلم (2216).

[6] ينظر الفتح 10/146.

[7] أخرجه ابن ماجه(3457) والحاكم 4/201 وصححه وتعقبه الذهبي بأن فيه عمرو بن بكر السكسكي متروك.

[8] اداب الشرعية 2/398.