|
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت ألحظ عند سفري للبلاد الأوروبية عدم
اهتمامهم بالنظافة الشخصية بعد قضاء الحاجة، ومظاهر ذلك واضحة في الآتي:
1)
عدم وجود شطافات المياه
ولا مناديل في المراحيض العمومية، بل ولا في الملحقة بالمطاعم والأسواق.
2)
تعودهم على البول في
المبالات وهم وقوف دون تنظيف.
3)
وجود الروائح الكريهة عند
اشتداد الحرارة بسبب عدم النظافة الشخصية.
وترك النظافة الشخصية بالماء بعد قضاء
الحاجة له أضرار منها
1. التهيج الجلدي والالتهابات، حيث إن
تَراكم بقايا البول أو البراز يسبب تهيجًا في الجلد حول المنطقة الحساسة،
مما قد يُسبب حكة شديدة واحمرارًا وربما تشقق الجلد.
2. العدوى البكتيرية، وخصوصًا في
المنطقة الشرجية، حيث تتكاثر البكتيريا بسرعة، مما قد تؤدي إلى:
o
التهابات جلدية (التهاب
الجريبات، الدمامل)
o
الناسور الشرجي
o
التهاب المجاري البولية
3. التهابات المسالك البولية (UTI)،
وخصوصًا عند النساء، بسبب قرب مجرى البول من فتحة الشرج، وعدم النظافة يسمح
للبكتيريا بالانتقال بسهولة، ومن أعراضها: حرقة في البول، ألم أسفل البطن،
تغير في لون البول
4. التهابات مهبلية عند النساء، وذلك
نتيجة انتقال البراز (أو آثاره) إلى المنطقة الأمامية، وهذه الالتهابات
تؤدي إلى حكة، إفرازات غير طبيعية، ورائحة كريهة
5. الرائحة الكريهة والحرج الاجتماعي،
حيث تتراكم الفضلات وتنتج رائحة قوية مزعجة، خاصة مع التعرق في شدة الحرارة
والرطوبة، وتنتقل للملابس الداخلية.
6. البواسير وتفاقمها، فإن عدم النظافة
قد يسبب التهاب البواسير أو جرحها عند الاحتكاك، مما يزيد الحكة وتنظف
المنطقة بسبب ذلك.
وتنظيف مكان الخارج بالماء أفضل من
المناديل، لأن المناديل لا تزيل كل الأوساخ، وقد تترك بقايا، كما أن الماء
يطهر وينعش ويقلل البكتيريا.
وبالنظر لما شرعه لنا النبي صلى الله
عليه وسلم عند قضاء الحاجة، نجد فيه الطهر والنظافة، وما فيه حماية من
الأمراض الجلدية والفطرية، فمن ذلك:
1)
اليد اليمنى تستعمل للأكل
والمصافحة، وتسلم الأشياء وفتح الأبواب، ويفترض أن تبقى نظيفة بعيدة عن
الأوساخ، فقد روت حفصة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ
لأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَوُضُوئِهِ وَثِيَابِهِ وَأَخْذِهِ وَعَطَائِهِ
وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ. رواه الإمام أحمد وهو في صحيح
الجامع 4912.
وبذلك تظهر حكمة قوله صلى الله عليه
وسلم: إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلا يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلا
يَسْتَنْجِي بِيَمِينِهِ وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ. رواه البخاري
150، كما تظهر حكمة منع تنظيف المنطقة المتسخة باليد اليمنى، فقد قال صلى
الله عليه وسلم: إِذَا تَمَسَّحَ أَحَدُكُمْ فَلا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ.
رواه البخاري 5199 .
وتكون اليسرى للتنظيف، لحديث أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِذَا اسْتَطَابَ أَحَدُكُمْ فَلا يَسْتَطِبْ بِيَمِينِهِ،
لِيَسْتَنْجِ بِشِمَالِهِ. رواه ابن ماجة 308 وهو في صحيح الجامع 322.
2)
الحرص على تنظيف آثار
البول والغائط، فقد قال صلى الله عليه وسلم: أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ
مِنْ الْبَوْلِ. رواه ابن ماجة 342 وهو في صحيح الجامع 1202. وفي حديث
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا
لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا هَذَا فَكَانَ لا
يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ.
رواه البخاري 5592.
وفي رواية لمسلم ( لا يَسْتَنْزِهُ عَنْ
الْبَوْلِ أَوْ مِنْ الْبَوْلِ ) .
وفي رواية للنسائي (2068) ( لا
يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ ) وصححها الألباني في "صحيح النسائي".
قال النووي : " وأما قول النبي صلى الله
عليه وسلم : ( لا يستتر من بوله ) فروى ثلاث روايات : ( يستتر ) بتائين , و
( يستنزه ) بالزاي والهاء , و ( يستبرئ ) بالباء والهمزة ، وكلها صحيحة ,
ومعناها : لا يتجنبه ويتحرز منه . "شرح مسلم" (3/201)
والمقصود: أن من لا يتنظف بعد البول
فإنه معرض للعذاب، وصلاته لا تصح لو صلى، وهذا يبين قذارة الغربيين، ومن
تبعهم من المسلمين الذين يضعون المبولات في المطارات والحمامات العامة
والفنادق دون توفير ماء للتنظيف ولا مناديل.
3)
البعد عن البول قائما
لغير حاجة، لأن البول جالسا أنظف وأطهر وأبعد عن ارتداد البول على الجسم،
ولأنه استر له وأحفظ له من أن يصيبه شيء من رِشَاشِ بَوْلِه
.وهو الأفضل والأقرب
للهدي النبوي، قالت عائشة رضي الله عنها : " مَن حدّثكم أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يَبُول قائما فلا تصَدِّقوه ، ما كان يبول إلا قاعداً ) رواه
الترمذي ( الطهارة/12) وقال هو أصح شيء في هذا الباب وصححه الألباني في
صحيح سنن الترمذي برقم 11.
قال ابن قدامة رحمه الله : " ويستحب أن
يبول قاعدا ; لئلا يترشش عليه , قال ابن مسعود من الجفاء أن تبول وأنت قائم
. وكان سعد بن إبراهيم لا يجيز شهادة من بال قائما , قالت عائشة : من حدثكم
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه , ما كان يبول
إلا قاعدا . قال الترمذي : هذا أصح شيء في الباب . "المغني" (1/ 108).
4)
البعد عن البول في المياه
الراكدة، مثل ما يفعله الغربيون في المسابح العامة، لما سح عن أَبي
هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ
الَّذِي لاَ يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ رواه البخاري (238)، ومسلم
(282). وعَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ " رواه
مسلم (281). وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي
مُسْتَحَمِّهِ رواه أبو داود (27)، والترمذي (21)، والنسائي (36)، وابن
ماجه (304). وعَنْ حُمَيْدٍ الْحِمْيَرِيِّ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، قَالَ: "لَقِيتُ رَجُلًا صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَحِبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: "نَهَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمْتَشِطَ
أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ يَبُولَ فِي مُغْتَسَلِهِ " رواه أبو داود
(28) والنسائي (238).
قال النووي رحمه الله تعالى:
" فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (لَا
يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ)
...
البول فيه منهي عنه سواء أراد الاغتسال
فيه أو منه أم لا والله أعلم.
وأما الدائم فهو الراكد وقوله صلى الله
عليه وسلم: (الَّذِي لاَ يَجْرِي) تفسير للدائم وإيضاح لمعناه ...
وإن كان الماء كثيرا راكدا، فقال
أصحابنا: يكره ولا يحرم. ولو قيل: يحرم لم يكن بعيدا؛ فإن النهي يقتضي
التحريم، على المختار عند المحققين والأكثرين من أهل الأصول.
وفيه من المعنى: أنه يُقَذِّره، وربما
أدى إلى تنجيسه بالإجماع لتغيره، أو إلى تنجيسه عند أبي حنيفة ومن وافقه في
أن الغدير الذي يتحرك بتحرك طرفه الآخر ينجس بوقوع نجس فيه " انتهى من "شرح
صحيح مسلم (3 / 188).
5)
البعد عن البول في مكان
الاستحمام، لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي
مُسْتَحَمِّهِ ، فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ ). رواه الترمذي
(21) ، والنسائي (36) ، وأبو داود (27) ، وصححه ابن القطان في " بيان الوهم
والإيهام" (5/606) ، والمنذري في " الترغيب والترهيب " (1/111) ، وحسنه
النووي في "خلاصة الأحكام" (1/156) ، وصححه العراقي ، والشيخ مقبل الوادعي
في " الصحيح المسند" (903).
والبول في مكان الاستحمام مكروه، ففي "
الموسوعة الفقهية" (43/ 154) : " نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى كَرَاهَةِ الْبَوْل فِي مَكَانِ الاِسْتِحْمَامِ "
انتهى .
6)
البعد عن البول في ظل
الأِشجار وطرق الناس وأماكن جلوسهم، لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ،
قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الَّذِي
يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ رواه مسلم (269).
ومن قذارة المجتمع الغربي عدم تقذرهم من
كلابهم وهي تقضي الحاجة في ممرات الحدائق وفي أماكن المشي قرب الشواطئ،
وبولها تحت الأشجار وقرب عواميد الإضاءة، وقد كنا أثناء ممارسة المشي بعد
الفجر في حديقة الندى بالرياض نجد بعض شباب وبنات المسلمين ممسكين بحبل وهم
يشمون كلابهم، وقد تقضي الكلاب حاجتها عند عواميد الإضاءة وتحت الأشجار،
فينبري أحد الإخوة ويتصل بالجهات الأمنية بعد تحذير أولئك الشباب المربين
للكلاب، فيذهبون بلا عودة.
7)
أن يستخدم الماء في
التنظيف، فإن الاستنجاء بالماء أفضل ، لما رواه مسلم (271) والنسائي (45)
واللفظ له عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ أَحْمِلُ أَنَا
وَغُلامٌ مَعِي نَحْوِي إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ ، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ .
ومعنى: ( إِدَاوَة ) إِنَاء صَغِير مِنْ جِلْد .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني"
(1/206) : " وإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل ; لما روينا من
الحديث ; ولأنه يطهر المحل , ويزيل العين والأثر , وهو أبلغ في التنظيف .
وإن اقتصر على الحجر أجزأه , بغير خلاف بين أهل العلم ; لما ذكرنا من
الأخبار ; ولإجماع الصحابة رضي الله عنهم " اهـ.
8)
لا بأس من استعمال
المناديل للتنظيف، ففي صحيح البخاري (159) ومسلم (237) عن أبي هريرة رضي
الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من توضأ فليستنثر ، ومن
استجمر فليوتر )
ونقل ابن
القيم رحمه الله في "إغاثة اللهفان" (1/151) إجماع المسلمين على جواز
الاستجمار بالأحجار في زمن الشتاء والصيف .
9)
ويشترط في الاستجمار بالأحجار ونحوها : أن يمسح ثلاث مسحات
فأكثر حتى ينقي المحل ، وذلك لما رواه مسلم (262) عن سلمان الفارسي رضي
الله عنه قال : ( نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستنجي بأقل من ثلاثة
أحجار ) .
نسأل الله أن يطهر قلوبنا وأبداننا،
لنصل لمحبة الله تعالى القائل: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" ،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.