الاستشفاء بالعسل في السنة النبوية

الأغتسال المتكرر حماية للجسم من الأمراض

كتبه الدكتور عبدالعزيز بن سعد الدغيثر في 24 / 12 / 1446هـ

 
بسم الله الرحمن الرحيم

 

مما أنعم الله على المسلمين مشروعية الوضوء المتكرر خلال اليوم الواحد، ومشروعية الغسل المتكرر خلال الأيام، وقد عرف عن الشعوب التي لم تنعم بهداية الإسلام عدم العناية بالنظافة المائية.

إن عدم الاغتسال لفترة طويلة — سواء بسبب الإهمال أو العجز — يؤدي إلى عدة أمراض ومشاكل جلدية خطيرة، تتدرج من أعراض بسيطة إلى حالات التهابية مزمنة وعدوى جلدية، وقد تتفاقم لتشمل مشكلات صحية أوسع. إليك أبرز الأمراض والمضاعفات الجلدية الناتجة عن عدم الاغتسال:

1)    التهاب الجلد التهيّجي (Irritant Dermatitis)، وذلك نتيجة تراكم العرق، الدهون، الغبار، والفضلات الجلدية، والذي يسبب احمرار الجلد وحكة مزعجة، مما قد يؤدي إلى ظهور قشور أو تشققات

2)    التهابات فطرية (Fungal Infections)، وخصوا في الأماكن الرطبة والدافئة مثل الإبط، الفخذ، بين الأصابع وهي بيئة خصبة للفطريات، وتؤدي إلى أمراض جلدية منها :

o       التينيا (سعفة الجسم، القدم، الفخذ)

o       الكانديدا (عدوى فطرية شائعة في ثنيات الجلد)، وأعراضها: بقع حمراء، قشور، رائحة كريهة، حكة شديدة

3)     التهابات بكتيرية، نتيجة تراكم البكتيريا على الجلد بسبب العرق والأوساخ، وتؤدي إلى الدمامل والخراجات، والتهاب بصيلات الشعر (Folliculitis)، إضافة إلى القوباء (Impetigo) عند الأطفال

4)    السماك أو الجلد القاسي (Keratoderma)، بحيث تتراكم الخلايا الميتة وتؤدي إلى خشونة شديدة في الجلد، وطبقات متصلبة يصعب تنظيفها لاحقًا

5)    الجلد المتّسخ أو “Dermatitis Neglecta”، وهي حالة معروفة طبيًا تحدث عند عدم غسل الجلد لفترة طويلة، وتؤدي إلى ظهور بقع داكنة ملتصقة بالجلد، وتزول بالغسل والتقشير الجيد وليس بالأدوية.

6)    الرائحة الكريهة والتعرق الزائد المتراكم الذي يتخمر بفعل البكتيريا، منتجًا رائحة كريهة جدًا، مما يسبب إحراجًا اجتماعيًا وقد يؤدي لعزلة نفسية

7)    حب الشباب والبثور، لأن تراكم الدهون والخلايا الميتة يسدّ المسام، كما يؤدي إلى بثور في الظهر، الوجه، الصدر

8)    نقل الأمراض، حيث عدم الاستحمام لفترات طويلة يُسهل انتقال الفطريات أو البكتيريا للآخرين خاصة في بيئات مزدحمة (مدارس، مساكن جماعية، سجون)

وينصح الاتجاه للطبيب المختص إذا ظهرت الأعراض التالية بعد فترة طويلة من عدم الاغتسال:

·        حكة شديدة لا تزول

·        بثور تنزف أو تتقرّح

·        رائحة قوية جدًا لا تزول بالغسل السريع

·        بقع جلدية سوداء أو متقشرة

·        ارتفاع حرارة موضعي أو عام

ونستعرض في هذا البحث كيف أن المسلم يتطهر بالماء وضوءا واغتسالا بحيث يبقى جلده نظيفا باستمرار.

مشروعية الاغتسال عند الدخول في الإسلام:

يشرع الاغتسال فوراً للداخل في الإسلام، وعلى القول بوجوب الاغتسال، فإنه يجب أن يغتسل فوراً، ويحرم تأخيره. لأدلة منها: حديث قيس بن عاصم رضي الله عنه:" أنه أسلم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر" رواه أبو داود (355)، والترمذي (605)، والنسائي (188)، وصححه الألباني. والفاء في قوله (فأمره) للتعقيب، ودخولها على الأمر بالاغتسال يقتضي الفورية. انظر: "شرح سنن أبي داود لابن رسلان" (5/ 124)، وفي "المجموع للنووي" (2/154): "ويحرم تحريماً شديداً تأخيره للاغتسال".

مشروعية الاغتسال بعد الاحتلام

دليل ذلك حديث أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: " جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، هَلْ عَلَى المَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  نَعَمْ ، إِذَا رَأَتِ المَاءَ  رواه البخاري (282)، ومسلم (313)..

وروى أحمد (26195) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا قَالَ : ( يَغْتَسِلُ ) ، وَعَنْ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ وَلَا يَرَى بَلَلًا ، قَالَ : ( لَا غُسْلَ عَلَيْهِ ) ، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ : هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ تَرَى ذَلِكَ شَيْءٌ ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ، إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ)" والحديث حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.

مشروعية الاغتسال إذا خرج المني دفقا بلذة

دليل ذلك حديث أبي سعيد الخدريّ أنّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّمَا المَاءُ مِنَ المَاءِ). رواه مسلم (343).  وهذا الماء يخرج من الرجل دفقاً، ويخرج من المرأة بغير دفق، وكلاهما يكون معه لذة، ويعقبه فتور في البدن.

وفي حديث عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، فَجَعَلْتُ أَغْتَسِلُ حَتَّى تَشَقَّقَ ظَهْرِي، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ ذُكِرَ لَهُ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   لَا تَفْعَلْ إِذَا رَأَيْتَ الْمَذْيَ فَاغْسِلْ ذَكَرَكَ، وَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، فَإِذَا فَضَخْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ رواه أبو داود (206)، والنسائي (193)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1 / 162).

مشروعية اغتسال الزوجين بعد الجماع

ودليل ذلك حديث أَبي هرَيرَة رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا جَلَس بَيْن شُعَبِها الْأَربَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغَسْلُ) رواه البخاري (291) ومسلم (348) وزاد (وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ).

مشروعية اغتسال المرأة بعد الطهر من الحيض والنفاس:

ودليل ذلك قوله تعالى :  وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ  "

قال في شرح "منتهى الإرادات" (1/ 52): "(و) يشترط (لغسل حيض أو نفاس فراغهما) أي: انقطاع حيض أو نفاس، لمنافاة وجودهما الغسل لهما" انتهى.

وقال في "كشاف القناع" (1/ 146) في موجبات الغسل: "(الخامس خروج حيض) لقوله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت أبي حبيش: وإذا ذهبت فاغتسلي وصلي متفق عليه. وأمر به أم حبيبة، وسهلة بنت سهيل، وحمنة، وغيرهن. يؤيده قوله تعالى: فإذا تطهرن فأتوهن [البقرة: 222] أي: إذا اغتسلن، فمنع الزوج من وطئها قبل غسلها، فدل على وجوبه عليها. وإنما وجب بالخروج ، إناطة للحكم بسببه، والانقطاع شرط لصحته" انتهى.

مشروعية الاغتسال لحضور مجامع الناس في الجمعة والعيد ونحوها

فقد ورد التأكيد على الاغتسال لصلاة الجمعة في حديث أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: - حَقٌّ لِلَّهِ علَى كُلِّ مُسْلِمٍ أنْ يَغْتَسِلَ في كُلِّ سَبْعَةِ أيَّامٍ، يَغْسِلُ رَأْسَهُ وجَسَدَهُ. رواه أخرجه البخاري (897)، ومسلم (849).

روى البيهقي (6124) عَنْ زَاذَانَ قَالَ: " سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ الْغُسْلِ، قَالَ: اغْتَسِلْ كُلَّ يَوْمٍ إِنْ شِئْتَ، فَقَالَ: لَا، الْغُسْلُ الَّذِي هُوَ الْغُسْلُ، قَالَ: يَوْمَ الْجُمُعَة ِ، وَيَوْمَ عَرَفَة َ، وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَيَوْمَ الْفِطْرِ وصححه الألباني في "الإرواء" (1/177).

مشروعية الاغتسال لبعض العبادات كالإحرام ودعاء عرفة والطواف

كما أن النبي صلى الله عليه وسلم ( تَجَرَّدَ لإِهلالِهِ وَاغتَسَلَ ) رواه الترمذي (830) ، ونص الفقهاء على استحباب الغسل لطوافي الزيارة والوداع ، وفي ليلة القدر ، وكان ابن عمر إذا دخل مكة اغتسل ، ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله . رواه البخاري (1478) ومسلم (1259)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ فِي الْحَجِّ إلَّا ثَلَاثَةُ أَغْسَالٍ: غُسْلُ الْإِحْرَامِ، وَالْغُسْلُ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ، وَالْغُسْلُ يَوْمَ عَرَفَةَ". انتهى من "مجموع الفتاوى" (26/ 132).

مشروعية اغتسال من غسل ميتا

لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن غَسَّلَ مَيتًا فَلْيَغتَسِلْ ) رواه أحمد (2/454) وأبو داود (3161) والترمذي (993) وقال حديث حسن 

صفة الغسل الأفضل:

وصفة الغسل وردت في عدة أحاديث، منها

1)    حديث ميموتة قالت: وَضَعَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وضُوءًا لِجَنَابَةٍ، فأكْفَأَ بيَمِينِهِ علَى شِمَالِهِ مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ بالأرْضِ أوِ الحَائِطِ، مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ، وغَسَلَ وجْهَهُ وذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ أفَاضَ علَى رَأْسِهِ المَاءَ، ثُمَّ غَسَلَ جَسَدَهُ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ قالَتْ: فأتَيْتُهُ بخِرْقَةٍ فَلَمْ يُرِدْهَا، فَجَعَلَ يَنْفُضُ بيَدِهِ. رواه البخاري برقم 274

2)    وفي حديث عائشة قالت: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا أرادَ أنْ يَغتَسِلَ منَ الجَنابةِ بدَأَ بكَفَّيْه فغَسَلَهما، ثم غسَلَ مَرافِغَه ، وأفاضَ عليه الماءَ، فإذا أَنْقاهما أَهْوى بهما إلى حائطٍ، ثم يَستَقبِلُ الوُضوءَ، ويُفيضُ الماءَ على رأسِه. رواه أبو داوود برقم 243، والمرافغ هي الأرفاغ: المغابن من الآباط وأصول الفخذين.

3)     حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، إِذَا اغتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيهِ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ، ثُمَّ اغتَسَلَ ، ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعرَهُ ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّه قَد أَروَى بَشرَتَهُ ، أَفَاضَ عَلَيهِ المَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ ) رواه البخاري (248) ومسلم (316) .، وروى البخاري (258)، ومسلم (318) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:  كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الْحِلَابِ فَأَخَذَ بِكَفِّهِ، بَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ، فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ . والحلاب: إناء يحلب فيه، ويقال له المِحْلَب أيضا، بكسر الميم، قال الخطابي: هو إناء يسع قدر حلبة ناقة.

اللهم طهّر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة إنك تعلم خائنة الأعين وما تُخْفِي الصدور، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.