العناية بالقدمين في السنة النبوية

كتبه الدكتور عبدالعزيز بن سعد الدغيثر في 26 / 12 / 1446هـ

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الانتعال حماية للأقدام

يسبب كثرة الاحتفاء جفاف القدم وتشققاتها، وتشققات القدمين (وخاصة الكعبين المتشققة) تُعدّ من الحالات الشائعة في طب الأمراض الجلدية، لكنها ليست مرضًا بحد ذاته، بل عرضًا لحالة جلدية أو صحية. ويعالجها طبيب الأمراض الجلدية العام، ولا تتطلب غالبًا تخصصًا دقيقًا إلا في بعض الحالات.

وأكثر الأسباب شيوعا لتشققات القدمين:

1.     الجفاف وقلة الترطيب

2.     الوقوف الطويل أو المشي حافيًا

3.     زيادة الوزن – ضغط زائد على الكعب

4.     داء السكري – يؤدي لجفاف الجلد ومشاكل في الدورة الدموية

5.     الشيخوخة – يقل إفراز الزيوت الطبيعية من الجلد

6.     الجلد السميك أو القاسي (Hyperkeratosis)

7.     أمراض جلدية مزمنة مثل: الأكزيما (التهاب الجلد التأتبي)، والصدفية، والسماك الجلدي (Ichthyosis)

8.     القدم الرياضية (عدوى فطرية)

وقد ورد الأمر بالانتعال في صحيح مسلم (2096) عن جابر قال سَمِعْتُ النَّبيَّ ﷺ يقولُ في غَزْوَةٍ غَزَوْنَاهَا: اسْتَكْثِرُوا مِنَ النِّعَالِ؛ فإنَّ الرَّجُلَ لا يَزَالُ رَاكِبًا ما انْتَعَلَ.

وفي لفظ عند ابي داوود ٤١٣٣ عن جابر:

قال ﷺ: أكثروا من الانتعال فإن الرجل لا يزال راكبا ما انتعل.

كما ورد الأمر بدهن الجلد الجاف، كما في جامع الترمذي (1851) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ( كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".

الحناء حماية للقدمين

مما لحظته على كبار السن من سكان الجبال في جنوب الجزيرة العربية (السعودية واليمن) استعمال الحناء في الأقدام، والحناء في الأقدام يسكن الآلام، ويزيل الصدوع، وقد جربته فوجدته مزيلا لآلام باطن الأقدام. ‏وقد ثبت في السنة النبوية الحث على خضاب باطن الأقدام لإزالة الآلام، فقد ثبت عن سَلمى قالَت: "ما كانَ أحدٌ يشتكي إلى رسولِ اللَّهِ ﷺ وجعًا في رأسِهِ إلَّا قالَ: احتجم، ولا وجعًا في رجليهِ، إلَّا قالَ اخضِبهُما" ‏وفي رواية: "كان إذا اشتكى أحد رأسه قال: اذهب فاحتجم، وإذا اشتكى رجله قال: اذهب فاخضبها بالحناء" ‏الصحيحة (2059)..ما كانَ أحدٌ يَشتَكي إلى رسولِ اللَّهِ ﷺ وجعًا في رأسِهِ إلَّا قالَ: احتجِم، ولا وجعًا في رجليهِ، إلَّا قالَ اخضِبهُما رواه ابو داوود وحسنه الالباني في صحيح السنن 3858

وأما تزين الرجال بالحناء فإن خضاب اليدين والرجلين بالحناء من زينة النساء، وليس من زينة الرجال: فقد روى أبو داود (4166) والنسائي (5089) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَوْمَتْ امْرَأَةٌ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ بِيَدِهَا كِتَابٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَبَضَ النَّبِيُّ ﷺ يَدَهُ، فَقَالَ: (مَا أَدْرِي أَيَدُ رَجُلٍ أَمْ يَدُ امْرَأَةٍ ؟ قَالَتْ: بَلْ امْرَأَةٌ. قَالَ: لَوْ كُنْتِ امْرَأَةً لَغَيَّرْتِ أَظْفَارَكِ - يَعْنِي بِالْحِنَّاءِ).حسنه الألباني في "صحيح أبي داود". قال في "عون المعبود": " وَفِي الْحَدِيث شِدَّة اِسْتِحْبَاب الْخِضَاب بِالْحِنَّاءِ لِلنِّسَاءِ ".وروى أبو داود (4928) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُتِيَ بِمُخَنَّثٍ قَدْ خَضَّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (مَا بَالُ هَذَا ؟ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ ! فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِيَ إِلَى النَّقِيعِ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". وقال النووي ( إسناده فيه مجهول ) المجموع 1/294-295.قال الإمام النووي: [ أما خضاب اليدين والرجلين فمستحب للمتزوجة من النساء للأحاديث المشهورة فيه وهو حرام على الرجال إلا لحاجة التداوي ونحوه. وقد اعتبر ابن حجر المكي الهيتمي خضب الرجل ليديه وقدميه من كبائر الذنوب !!. الزواجر 1/348.

سنة الاحتفاء

تحتاج الأقدام للاحتفاء على الرمال النظيفة أو الحصباء الصغيرة، لمن لا يعاني من السمنة الشديدة أو مرض السكري، وفي الاحتفاء فوائد للأقدام منها:

               1.           تقوية عضلات القدمين والكاحلين:

               2.           تحسين التوازن، بحيث يُعزز الإحساس بالأرض من خلال ما يُعرف بـ “التغذية الراجعة الحسية” (sensory feedback)، مما يساعد على تحسين التوازن والتنسيق الحركي.

               3.           تحسين وضعية الجسم، فهو يساعد في توزيع الوزن بشكل طبيعي، وقد يقلل من آلام الظهر أو المفاصل الناتجة عن الحذاء غير المناسب.

               4.           تنشيط الدورة الدموية، لأن تحريك القدم بدون حذاء يزيد تدفق الدم للأنسجة والأعصاب.

وقد روى أبو داود في " السنن " (4160) ، وأحمد في " المسند " (23969) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ : " أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحَلَ إِلَى فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ بِمِصْرَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ .

فَقَالَ : أَمَا إِنِّي لَمْ آتِكَ زَائِرًا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ أَنَا وَأَنْتَ حَدِيثًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَكَ مِنْهُ عِلْمٌ . قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا.

قَالَ: فَمَا لِي أَرَاكَ شَعِثًا وَأَنْتَ أَمِيرُ الْأَرْضِ ؟

قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَانَا عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الإِرْفَاهِ .

قَالَ: فَمَا لِي لَا أَرَى عَلَيْكَ حِذَاء؟

قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَحْتَفِيَ أَحْيَانًا " ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 247): " (الْإِرْفَاهِ) : هُوَ كثْرةُ التَّدهُّن والتَّنَعُّم.

وَقِيلَ : التَّوسُّع فِي المَشْرَب والمَطْعَم، وَهُوَ مِنَ الرِّفْهِ: وِرْد الْإِبِلِ، وَذَاكَ أَنْ تَرِد الماءَ مَتَى شاءَت .

أرادَ : تَرْك التَّنَعُّم والدَّعة ولينِ الْعَيْشِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِيّ العَجم وأرْباب الدُّنيا " انتهى .

وقوله : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَحْتَفِيَ أَحْيَانًا "

أي : نمشى حفاة ، حينا بعد حين .

فذهب غير واحد من أهل العلم إلى أنه يستحب الاحتفاء أحيانا .

والحكمة من هذا: تعويد النفس على الخشونة ، وإبعادها عن الدعة ، وتطبيعها على الزهد ، واحتقار الدنيا .

وقال القاري رحمه الله : " ( نَحْتَفِيَ أَحْيَانًا ) أَيْ نَمْشِيَ حُفَاةً ؛ تَوَاضُعًا ، وَكَسْرًا لِلنَّفْسِ ، وَتَمَكُّنًا مِنْهُ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إِلَيْهِ ، وَلِذَلِكَ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ: (أَحْيَانًا) : أَيْ حِينًا بَعْدَ حِينٍ " . "مرقاة المفاتيح" (7/2827).

وقال ابن عبد القوي رحمه الله في "منظومته" :

وَسِرْ حَافِيًا أَوْ حَاذِيًا وَامْشِ وَارْكَبَنْ ** تَمَعْدَدْ وَاِخْشَوْشِنْ وَلَا تَتَعَوَّدِ

قال السفاريني رحمه الله : " (وَسِرْ) حَالَةَ كَوْنِك (حَافِيًا) بِلَا نَعْلٍ أَحْيَانًا، اقْتِدَاءً بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْ) سِرْ فِي حَالِ كَوْنِك (حَاذِيًا) أَيْ مُنْتَعِلًا " انتهى من "غذاء الألباب" (2/340).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" لبس النعال من السنة ، والاحتفاء من السنة أيضا، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كثرة الإرفاه ، وأمر بالاحتفاء أحيانا ، فالسنة أن الإنسان يلبس النعال لا بأس، لكن ينبغي أحيانا أن يمشي حافيا بين الناس ، ليظهر هذه السنة التي كان بعض الناس ينتقدها، إذا رأى شخصا يمشي حافيا قال: ما هذا؟ هذا من الجهال! وهذا غلط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كثرة الإرفاه ، ويأمر بالاحتفاء أحيانا " .  "شرح رياض الصالحين" (6/ 387) .

قال المناوي رحمه الله : " إن أمن تنجس قدميه ، ككونه في أرض رملية مثلا ولم يؤذه : فهو محبوب أحيانا - يعني المشي حافيا - بقصد هضم النفس وتأديبها، ولهذا ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي حافيا ومنتعلا، وكان الصحب يمشون حفاة ومنتعلين " .  "فيض القدير" (1/ 317) .

نسأل الله للجميع الهدى والسداد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.