فقه يوم عاشوراء

pdf

كتبه: عبدالعزيز بن سعد الدغيثر في الثالث من محرم سنة 1447هـ

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وصلى الله وسلم على محمد رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فإن الله تعالى فضل بعض الأيام على بعض، قال تعالى:" وربك يخلق ما يشاء ويختار"، وقد فضل اليوم العاشر من شهر الله المحرم بفضل عظيم، وشرع لنا نبيه الكريم عليه الصلاة والتسليم أن نصومه تقربا إلى الله تعالى.

واسم (عاشوراء) اسم إسلامي لا يُعرف في الجاهلية كما في كشاف القناع.

وفيما يأتي أهم أحكام صوم يوم عاشوراء باختصار.
 

سنة مداومة صيام عاشوراء:

قال ابْنِ عَبَّاسٍ : مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عاشوراء وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ . " رواه البخاري 1867

‏وقال ﷺ : وصيام يوم عاشوراء احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" مسلم 1162.
 

قصة صوم عاشوراء:

كان رسول الله ﷺ وصحابته يصومون عاشوراء في مكة وجوبا، ثم نسخ الوجوب وبقي الاستحباب، فقد قال ابن مسعود في صحيح مسلم: " لما فُرض رمضان تُرك عاشوراء " فتح 4/ 247 أي تُرك وجوبه أما استحبابه فباقٍ.

وصح عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. رواه البخاري (1794) ومسلم (1125) – واللفظ له -.

وعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَهُ وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. رواه مسلم (1126). وفي رواية: عند مسلم (1126): "ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: ذَاكَ يَوْمٌ كَانَ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَظْهَرَ اللهُ فِيهِ مُوسَى، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَأَمَرَ بِصَوْمِهِ رواه البخاري (3943)، ومسلم (1130).

‎وفي رواية للبخاري: ( هذا يوم صالح ) في رواية مسلم هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرّق فرعون وقومه.

‎وفي رواية للبخاري: ( فصامه موسى ) زاد مسلم في روايته شكراً لله تعالى فنحن نصومه.

‎وفي رواية للبخاري ونحن نصومه تعظيما له.

‎قوله: ( وأمر بصيامه ) وفي رواية للبخاري أيضا: فقال لأصحابه أنتم أحق بموسى منهم فصوموا.

وعن أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا [ وفي رواية مسلم " كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود تتخذه عيدا " وفي رواية له أيضا: " كان أهل خيبر (اليهود).. يتخذونه عيدا ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم " ] قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصُومُوهُ أَنْتُمْ." رواه البخاري.
 

يوم نجاة موسى عند اليهود المعاصرين:

في سفر الخروج ٢٣/١٥ أن خروج بني إسرائيل من مصر تزامن مع عيد الفصح ويبدأ في ١٥ نيسان لمدة ٧ أيام. مع أن السنة القمرية سابقا هي المستخدمة عند اليهود ثم غيروها كما غيروا غيرها.

‏ولذا فاليهود لا يحتفلون حاليا قي عاشوراء وأبدلوه بالتاريخ الشمسي.

‏ موسوعة اليهود للمسيري ٢/ ٨٦.

وفي "فيض الباري على صحيح البخاري" (3/ 373): أن الحساب -عند اليهود- في الأصل بحسب كتبهم السماوية كان قمريا، وإنما هم حولوه إلى الشمسي. وقد وجد في بعض الزيج والتقاويم: أن الحساب العبري قمري من ‌لدن ‌آدم عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا"
 

أحوال صيام عاشوراء:

‏أولا: صيام التاسع مع العاشر:

قال الشافعي وأحمد وإسحاق: يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا؛ لأن النبي ﷺ صام العاشر، ونوى صيام التاسع. قال ابن تيمية: نَهَى ﷺ عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ.

ثانيا: الاكتفاء بصوم العاشر:

ولا بأس من الاكتفاء بصوم عاشوراء لوحده، قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى.: صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَلا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ. وقال المرداوي في "الإنصاف" (3/346):لا يكره إفراد العاشر بالصيام على الصحيح من المذهب، ووافق الشيخ تقي الدين [ابن تيمية] أنه لا يكره" 

وفي تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي: وعاشوراء لا بأس بإفراده
 

صوم تاسوعاء وعاشوراء عند توافقهما مع الجمعة والسبت:

قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/52): " قال أصحابنا: يكره إفراد يوم السبت بالصوم ... والمكروه إفراده، فإن صام معه غيره؛ لم يكره؛  لحديث أبي هريرة وجويرية . وإن وافق صوما لإنسان، لم يكره " .

وقد روى البخاري (1985) ومسلم (1144) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَه.

وروى البخاري (1986) عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ: أَصُمْتِ أَمْسِ؟  قَالَتْ: لا . قَالَ: تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟  قَالَتْ: لا . قَالَ: فَأَفْطِرِي.

وأما رواه الترمذي (744) وأبو داود (2421) وابن ماجه (1726) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ عَنْ أُخْتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلا لِحَاءَ عِنَبَةٍ، أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ  صححه الألباني في "الإرواء" (960) وقَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَمَعْنَى كَرَاهَتِهِ فِي هَذَا أَنْ يَخُصَّ الرَّجُلُ يَوْمَ السَّبْتِ بِصِيَامٍ لأَنَّ الْيَهُودَ تُعَظِّمُ يَوْمَ السَّبْتِ " فقد ضعفه الزهري الإمام مالك والإمام أحمد والإمام الأوزاعي والإمام ابن تيمية وابن القيم (تهذيب السنن (7/67)) وابن حجر (التلخيص الحبير (2/216)) وغيرهم. واختار القول بتضعيفه من المعاصرين ابن باز  (مجموع فتاوى ابن باز(15/411))وابن عثيمين (مجموع فتاوى ابن عثيمين (20 / 35).) رحمهم الله وأعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء(فتاوى اللجنة الدائمة (10/396)).
 

بيان الذنوب المكفرة بصوم عاشوراء:

قال النووي في "المجموع" (6/432): "فان قيل: فإذا كفَّر الوضوء فماذا تكفره الصلاة؟ وإذا كفَّرت الصلوات فماذا تكفره الجمعات ورمضان؟ وكذا صوم يوم عرفة كفارة سنتين، ويوم عاشوراء كفارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكه غفر له ما تقدم من ذنبه. فالجواب: ما أجاب به العلماء: أن كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفره من الصغائر: كفَّره. 

وإن لم يصادف صغيرة، ولا كبيرة: كتبت به حسنات، ورفعت له به درجات، وذلك كصلوات الأنبياء والصالحين والصبيان وصيامهم ووضوئهم وغير ذلك من عباداتهم. 

وإن صادف كبيرة، أو كبائر، ولم يصادف صغائر: رجونا أن يخفف من الكبائر.

وقد قال أبو بكر في الإشراف في آخر كتاب الاعتكاف، في باب التماس ليلة القدر، في قوله صلي الله عليه وسلم:  من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه   قال: هذا قول عام، يُرجى لمن قامها إيمانا واحتسابا أن تُغفر له جميع ذنوبه، صغيرها وكبيرها.".

وقال النووي في "شرح صحيح مسلم" (8 / 50 - 51): "قوله صلى الله عليه وسلم :  صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ  معناه يكفر ذنوب صائمه في السنتين، قالوا: والمراد بها الصغائر، وسبق بيان مثل هذا في تكفير الخطايا بالوضوء، وذكرنا هناك أنه إن لم تكن صغائر، يرجى التخفيف من الكبائر، فإن لم يكن، رفعت درجات ".

من فاته صيام عاشوراء لعذر:

من كان معذوراً في تركه للصيام لحيض أو نفاس أو مرض، وقد اعتاد صيام عاشوراء وعزم عليه لولا ما به من عذر، فإنه يؤجر على نيته؛ لما روى البخاري (2996) عن أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا.

قال ابن حجر رحمه الله في  "فتح الباري".: قَوْله: كُتِبَ لَهُ مِثْل مَا كَانَ يَعْمَل مُقِيمًا صَحِيحًا وَهُوَ فِي حَقّ مَنْ كَانَ يَعْمَل طَاعَة فمُنِع مِنْهَا، وَكَانَتْ نِيَّته -لَوْلَا الْمَانِع- أَنْ يَدُوم عَلَيْهَا".

وقد ذكر الشيخ العثيمين رحمه الل إلى أنه لا يشرع قضاء عاشوراء. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (20/ 43).

صوم القضاء يوم عاشوراء:

وقال الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى الصيام" (438): "من صام يوم عرفة، أو يوم عاشوراء وعليه قضاء من رمضان فصيامه صحيح، لكن لو نوى أن يصوم هذا اليوم عن قضاء رمضان حصل له الأجران: أجر يوم عرفة، وأجر يوم عاشوراء مع أجر القضاء.

أمر الصغار بصيام عاشوراء:

كان من هدي الصحابة تعويد الصغار على صيام عاشوراء وإلهائهم بالألعاب عن الفطر في النهار، فقد صح عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنها قَالَتْ : أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتِى حَوْلَ الْمَدِينَةِ : (مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ) ، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ رواه البخاري (1960) ومسلم (1136) .

فضيلة كثرة الصيام في شهر محرم:

يشرع الإكثار من السوم في شهر محرم، فقد روى مسلم في صحيحه (1163)؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلَاةُ اللَّيْلِ.

والحمد لله رب العالمين.