بطلان موت الصحابي الجليل عبيدالله بن جحش رضي الله عنه على النصرانية

بطلان موت الصحابي الجليل عبيدالله بن جحش رضي الله عنه على النصرانية

كتبه عبدالعزيز بن سعد الدغيثر في 23 محرم 1447هـ

 
بسم الله الرحمن الرحيم


مما استوقفني في دروس السيرة، انتشار قصة إسلام الصحابي عبيدالله بن جحش في مكة، ثم هجرته إلى الحبشة، ثم تنصره وموته على النصرانية، وأذكر أنني قرأت في كتاب: السيرة النبوية الصحيحة لمحمد الصوياني أن الصحيح أنه مرض ومات على الإسلام، وفي هذا المقال بحث عن إبطال ردة الصحابي الجليل عبيدالله بن جحش رضي الله عنه، إذ يدل على موته مسلما أدلة منها:

1)  حديث عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاسٍ: قالَ: أخْبَرَنِي أبو سُفْيَانَ بنُ حَرْبٍ، أنَّ هِرَقْلَ ، قالَ له: سَأَلْتُكَ هلْ يَزِيدُونَ أمْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وكَذلكَ الإيمَانُ حتَّى يَتِمَّ، وسَأَلْتُكَ هلْ يَرْتَدُّ أحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَزَعَمْتَ أنْ لَا، وكَذلكَ الإيمَانُ، حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ لا يَسْخَطُهُ أحَدٌ. رواه البخاري (51) ورواه مطولا برقم(7) وبرقم ( 2941) ومسلم (1773).
ومعلوم أن أم حبيبة بنت أبي سفيان، ولو كان زوجها ارتد لذكر ذلك، وكانت رحلة أبي سفيان إلى الشام ودخوله على هرقل بعد صلح الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة ابنة أبي سفيان بعد صلح الحديبية سنة سبع للهجرة بعد وفاة زوجها.

2)    ومما يدل على عدم صحة ردته إلى النصرانية ما وراه أبو داود في "السنن" (2107)، قال: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ: " أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ ‌عُبَيْدِ ‌اللَّهِ ‌بْنِ ‌جَحْشٍ فَمَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَزَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ )، وأخرجه أبو داود (2107) والنسائي (3350)، وأحمد (27408) ولفظه: عن أم حبيبة أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش، وكان أتى النجاشي - وقال علي بن إسحاق: وكان رحل إلى النجاشي - فمات، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة، وإنها بأرض الحبشة، زوجها إياه النجاشي، ومهرها أربعة آلاف، ثم جهزها من عنده، وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة، وجهازها كله من عند النجاشي، ولم يرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء، وكان مهور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أربع مئة درهم .
ووجه الدلالة أنه لو كان تنصر لدعت النفوس إلى ذكر ذلك، فالأصل موته على الإسلام.

3)   ومما يدل على موته مسلما ما صح عن عائشة رضي الله عنها:(هاجر عبيد الله بن جحش بأم حبيبة بنت أبي سفيان وهي امرأته إلى أرض الحبشة، فلما قدم أرض الحبشة مرض، فلمَّا حضَرتْه الوفاةُ أوصى إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فتزوَّج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَّ حَبيبةَ وبعَث معها النَّجاشيُّ شُرَحبيلَ بنَ حَسَنةَ). رواه ابن حبان (الزوائد- ٣١٢) أخبرنا ابن خزيمة، حدثنا محمَّد بن يحيى الذهلى, حدثنا سعيد بن كثير بن عفير، حدثنا الليث عن ابن مسافر عن ابن شهاب، عن عروة عن عائشة، والحديث أخرجه ابن حبان (6027)، بسند صحيح. وقال الشيخ شعيب في تعليقه على "الإحسان": " إسناده صحيح على شرط البخاري، رجاله رجال الشيخين غير محمد بن يحيى الذهلي، فمن رجال البخاري".
ووجه الدلالة: أنه أوصى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان مرتدا لما فعل ذلك.
وقد أخرجه وابن منده في ((معرفة الصحابة)) (ص952)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (69/ 140) بزيادة: تنصر بدلا عن : مرض. وسنده: أخبرنا محمد بن عبد الله بن معروف الأصبهاني، حدثنا عبيد بن عبد الواحد، حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا الليث، عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، لكن عبيد بن عبد الواحد، قد خالفه من هو أوثق منه وأعلم بحديث الزهري، وهو محمد ين يحيى الذهلي، فليس في روايته لفظة: (تنصّر)، بل في روايته: ( فَلَمَّا قَدِمَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ، مَرِضَ ) كما عن في "الإحسان" (13 / 385 - 386)، قال: أخبرنا ابْنِ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ، قال: حدثنا الليث، عن ابن مسافر، عن بن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وهو الصحيح.

4)  ويدل أيضا على موته مسلما أن جميع ما ورد من ردته لا يصح سندا، فمن ذلك ما ذكره ابن هشام في "السيرة" (4 / 6): " قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: خَرَجَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مُسْلِمًا، فَلَمَّا قَدِمَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ تَنَصَّرَ، قال: فكان إذا مر بالمسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقَحْنا وصأصأتم، أي قد أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر ولم تبصروا بعد "، وهذا خبر مرسل غير متصل الإسناد، و ابن إسحاق أحيانا يروى هذا الخبر من كلام مُحَمَّد بْن جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، لا من كلام عروة. وقال ابن هشام في "السيرة" (1 / 238): " قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، قال: كان عبيد الله ابن جحش حين تنصر يمر بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم هنالك من أرض الحبشة، فيقول: فقحنا وصأصأتم، أي أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر " ([1]) . وكلاهما غير متصل، ولا يصح. وروى البيهقي في  دلائل النبوة، (3 / 460) من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال: «ومن بني أسد بن خزيمة: عبيد الله بن جحش، مات بأرض الحبشة نصرانياً، ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان، واسمها رملة، فخلف عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنكحه إياها عثمان بن عفان بأرض الحبشة»، وابن لهيعة ضعيف، وعروة تابعي، وعثمان رجع قبل ذلك إلى مكة، كما أنه خبر مرسل. فهذه الروايات ضعيفة وتخالف ما هو أصح منها.

-------------------------------
([1]) وقوله: "فقحنا" قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام: " قالَ أبُو عَمْرو وأبُو زيد والفراء أو بَعضهم: يُقال قد فَقَّح الجِرْوُ إذا فتح عَيْنَيْهِ. وقالَ غَيرهم فِي قَوْله: صَأصَأتُم يُقال: صَأصَأ الجِرْوُ إذا لم يَفتح عَيْنَيْهِ فِي أوانِ فتحِه. فَأرادَ عبيد الله أنِّي أبْصرت ديني ولم تُبْصِرُوا دينكُمْ."، "غريب الحديث" (4/487).