التمر غذاء ودواء في السنة النبوية

التمر غذاء ودواء في السنة النبوية

كتبه الدكتور عبدالعزيز بن سعد الدغيثر في 16 صفر 1447

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:

ففي هذه الأيام تخرج النخيل كنوزها من بسر (بلح) ورطب وتمر، فتأملت في ذكر النخل والنخيل في القرآن الكريم، وما امتن الله به على العرب من هذا النخل العظيم، المتنوع في الإنتاج مع الشكل المتقارب في الظاهر، ويسقى بماء واحد، قال تعالى: وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ وَجَنَّٰتٞ مِّنۡ أَعۡنَٰبٖ وَزَرۡعٞ وَنَخِيلٞ صِنۡوَانٞ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٖ يُسۡقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ. الرعد:٤.

وذكر سبحانه امتنان الله على عباده باختلاف الطعم في أنواع النخيل فقال: ۞وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَ جَنَّٰتٖ مَّعۡرُوشَٰتٖ وَغَيۡرَ مَعۡرُوشَٰتٖ وَٱلنَّخۡلَ وَٱلزَّرۡعَ مُخۡتَلِفًا أُكُلُهُۥ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهٗا وَغَيۡرَ مُتَشَٰبِهٖۚ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثۡمَرَ وَءَاتُواْ حَقَّهُۥ يَوۡمَ حَصَادِهِۦۖ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ (الأنعام  : ١٤١).

وقد بحثت في كتب السنة وكتب الطب النبوي، فوجدت ظهورا للتمر وكثافة في أحاديثه، فجمعتها ونسقتها، في هذا المقال ضمن موسوعة الطب النبوي، وآمل أن أكون استفيت ما ورد في التمر من فوائد غذائية ودوائية.

المطلب الأول: أكل التمر صباحا وقاية من السموم والسحر

أرشدنا النبي – – إلى الوقاية من سائر السموم بالتصبح بسبع تمرات كما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله : " من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر"([1]). وفي لفظ: "مما بين لابتيها" أي المدينة، وفي لفظ: "من أكل سبع تمرات"([2]). وفي حديث عائشة مرفوعا: " إن في عجوة العالية شفاء وإنها ترياق أول البكرة"([3]).

وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: مرضت مرضا فأتاني رسول الله يعودني فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها على فؤادي، وقال لي: " إنك رجل مفؤود، فأت الحارث بن كلدة من ثقيف فإنه رجل يطبب، فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة، فليجأهن بنواهن، ثم ليلدَّكَ بهن"([4]). أي ليصبه في أحد شِقَّي الفم. وذكر ابن القيم علاج المفؤود به، وأورد حديث سعد ثم قال: المفؤود الذي أصيب فؤاده، فهو يشتكيه، كالمبطون الذي يشتكي بطنه. اهـ.

وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : " العجوة من الجنة وهي شفاء من السم، والكمأة من المن وماؤها شفاء للعين"([5]).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله : " إن في عجوة العالية شفاء وإنها ترياق من أول البكرة"([6]).

وقد بوب ابن ابي شيبة على علاج السم وغيره بالتمر، فقال في المصنف: ما ذكروا في تمر عجوة هو للسم وغيره.

ثم أسند عن عائشة: أنها كانت تأمر من الدوام أو الدوار، بسبع تمرات عجوة في سبع غدوات على الريق.

وأسند عن عائشة أيضا، أن رسول الله قال: إن في عجوة العالية شفاء - أو إنها ترياق- أول البكرة.

وهذا الحديث المرفوع رواه مسلم في صحيحه.

وقد اختلف هل العلاج بالتمر خاص بأهل المدينة، أو بتمر المدينة.

ولو استعرضنا الروايات لتبين أن بعضها خاص بعجوة العالية، وبعضها بالعجوة، وبعضها بتمر العالية، وبعضها بالتمر عموما، وبيان ذلك فيما يأتي:

روى مسلم برقم 2047 عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله : مَن أكَلَ سَبْعَ تَمَراتٍ ممَّا بيْنَ لابَتَيْها حِينَ يُصْبِحُ، لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ حتَّى يُمْسِيَ. وفي رواية للبخاري برقم 5445 ومسلم برقم 2047: مَن تَصَبَّحَ بسَبْعِ تَمَراتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرَّهُ ذلكَ اليومَ سُمٌّ، ولا سِحْرٌ. وفي رواية للبخاري برقم 5768: ولا سِحْرٌ ذلكَ اليومَ إلى اللَّيْلِ وقالَ غَيْرُهُ: سَبْعَ تَمَراتٍ.

فقد قال ابن مفلح في الآداب: قال بعض أصحابنا: هذا الحديث أريد به أهل المدينة، ومن جاورهم، كذا قال. وللأمكنة اختصاص ينفع كثيرا، فيكون الدواء الذي ينبت في هذا المكان نافعا من الداء، ولا يوجد فيه ذلك النفع إذا نبت في مكان غيره لتأثير نفس التربة، والهواء أو هما، فإن في الأرض خواص، وطبائع تقارب اختلافها، واختلاف طبائع الإنسان. كثير من النبات يكون في بعض البلاد غذاء مأكولا، وفي بعضها سما قاتلا، ورب أدوية لقوم أغذية لآخرين، وأدوية لقوم من أمراض، وهي أدوية لآخرين في أمراض سواها، وأدوية لأهل بلد لا تناسب غيرهم. اهـ.

وقال الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني رحمه الله في كتابه الدعاء: والأكمل أن يكون من تمر المدينة مما بين الحرتين، كما في رواية مسلم، ويرى سماحة شيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز -رحمه الله- أن جميع تمر المدينة توجد فيه هذه الصفة؛ لقوله : «من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح...» الحديث. كما يرى -رحمه الله- أن ذلك يرجى لمن أكل سبع تمرات من غير تمر المدينة مطلقا. اهـ.


 

وروى البخاري (5445)، ومسلم (2047) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي قال: ( مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرَّهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ ).

وروى مسلم (2048) عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: ( إِنَّ فِي عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءً أَوْ إِنَّهَا تِرْيَاقٌ أَوَّلَ الْبُكْرَةِ ).

روى مسلم (2048) عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: ( إِنَّ فِي عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءً - أَوْ إِنَّهَا تِرْيَاقٌ - أَوَّلَ الْبُكْرَةِ ).

ورواه أحمد (25187) ولفظه: ( فِي عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءٌ - أَوْ تِرْيَاقٌ - أَوَّلَ الْبُكْرَةِ عَلَى الرِّيقِ ).

وفي لفظ له أيضا (24735): ( فِي عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ، أَوَّلَ الْبُكْرَةِ عَلَى رِيقِ النَّفْسِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ سِحْرٍ، أَوْ سُمٍّ ) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4262).

قال النووي رحمه الله: " قَوْلُهُ (أَوَّلَ الْبُكْرَةِ) هُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (مَنْ تَصَبَّحَ) " "شرح النووي على مسلم" (14/ 3).

وقال ابن الجوزي رحمه الله: " معنى تصبح: أكلهن وقت الصباح قبل أن يأكل شيئا ".  "كشف المشكل" (1/ 235).

والبكرة في اللغة: أول النَّهَار إِلَى طُلُوع الشَّمْس. "القاموس المحيط" (ص1317)، "المعجم الوسيط" (1/ 67).

وقال المناوي رحمه الله: " أول اليوم: الفجر، وبعده الصباح ؛ فالبكرة، فالضحى، فالضحوة، فالهاجرة فالظهر، فالرواح، فالمساء، فالعصر، فالأصيل، فالعشاء الأول، فالعشاء الآخر، وذلك عند مغيب الشفق " "فيض القدير" (2/ 103).

وقال شيخنا ابن باز رحمه الله: " ويرجى أن ينفع الله بذلك التمر كله، لكن نص على المدينة ؛ لفضل تمرها والخصوصية فيه، ويرجى أن الله ينفع ببقية التمر إذا تصبح بسبع تمرات، وقد يكون ذكر ذلك ؛ لفضل خاص، ومعلم خاص لتمر المدينة لا يمنع من وجود تلك الفائدة من أنواع التمر الأخرى التي أشار إليها عليه الصلاة والسلام، وأظنه جاء في بعض الروايات: " من تمر " من غير قيد " " مجموع فتاوى ابن باز " (8/109).

وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين أيضا، فقال رحمه الله: " كان شيخنا ابن سعدي رحمه الله يرى أن ذلك على سبيل التمثيل، وأن المقصود التمر مطلقاً " " الشرح الممتع " (5/123)، وينظر: " فتاوى نور على الدرب ".

قال النووي رحمه الله: " عدد السبع من الأمور التي علمها الشارع ولا نعلم نحن حكمتها فيجب الإيمان بها واعتقاد فضلها والحكمة فيها، وهذا كأعداد الصلوات ونصب الزكاة وغيرها، فهذا هو الصواب في هذا الحديث " " شرح النووي على مسلم " (14/3).

وقد يدل على العموم، وخصوصا عند فقد العجوة، ما ورد عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله : "خير تمراتكم البرني يُذهب الداء ولا داء فيه"([7]).

والبرني نوع مختلف عن العجوة، فدل أن التمور كلها مباركة، وخيرها العجوة والبرني، وخصوصا إن كانت من إنتاج المدينة المباركة ببركة دعوة النبي . فقد روى البخاري (3926) ومسلم (1376) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ ، أَوْ أَشَدَّ ، َصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا ) .

قال الباجي رحمه الله :" هذا دُعَاءٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُذْهِبَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ الْإِشْفَاقَ عَنْ مُفَارَقَةِ مَكَّةَ وَسُكْنَى الْمَدِينَةِ ، وَالدُّعَاءُ فِي أَنْ يُحَبِّبَ اللَّهُ إلَيْهِمْ الْمَدِينَةَ كَحُبِّهِمْ مَكَّةَ فَيَكْرَهُونَ الِانْتِقَالَ عَنْهَا كَمَا كَرِهُوا الِانْتِقَالَ مِنْ مَكَّةَ " "المنتقى" (7/ 194) .

وقد قام كل من الدكتور عبدالكريم السلال، والدكتور زهير، والدكتور أحمد ديسي، بنشر بحث محكّم في مجلة (Biomedical Letters) في جامعة (Cambridge) بعنوان: " دراسة تأثير خلاصة التمر على إبطال مفعول سم الحية والعقرب "، فكان في خلاصة الدراسة أنه: " تم إعطاء أربعة متبرعين من (9 - 11) حبة تمر لكل منهم، أما عينات الدم فتم أخذها قبل أكل التمر وبعده بحوالي (4 - 5) ساعات، فكشفت الدراسة أن عينات الدم التي أخذت منهم بعد تناول التمر كانت مقاومة لسم الأفعى بنسبة (83%)، وأن نسبة امتصاص الهيموغلوبين لسم الأفعى وتأثيره على (3%) من خلايا الدم الحمراء قبل تناول التمر كانت (0.542)، وبعد تناول التمر أصبحت (0.09)، وقد وجدت الدراسة أو التجربة أن إعطاء (5%) من خلاصة التمر أبطلت حوالي (34%) و (71%) من النشاط السمي للأفعى والعقرب على التوالي، وأن (20%) من خلاصة التمر أحبطت المفعول بنسب (87%) و (100%) " انتهى.

وذكر الدكتور السلال أن التمر الذي تم إطعامه للمتبرعين من أردأ أنواع التمور المتوافرة في أسواق الأردن، وليس من عجوة المدينة، ولا من تمر المدينة المنورة كله.

كما يمكن مراجعة بحث الدكتورة أروى عبد الرحمن أحمد ( معاصر، قسم علوم الحياة، كلية العلوم، جامعة صنعاء )، بعنوان: " إعجاز التمر في الشفاء والوقاية من الميكروبات الضارة والممرضة "، في " بحوث المؤتمر العالمي العاشر لأبحاث الإعجاز العلمي "، دار جياد للنشر (1/158 – 204).

وفيها أيضا بحث آخر للدكتورة ( ليلى أحمد الطيب الحمدي، دينا الموصلي )، كلية العلوم للبنات جامعة الملك عبد العزيز بعنوان: " العلاج النبوي بتمر العجوة في حالات التسمم والتليف الرئوي بالجازولين " (2/125 – 146)، جاء فيه: " أوضحت هذه الدراسة تأثير تمر العجوة العلاجي على التسمم والتليف الرئوي الناتج من استنشاق أبخرة الجازولين، مما يتيح الفرصة أمامنا للوصول إلى إثبات الأثر الإيجابي لهذا التمر، في معالجة الأنسجة المريضة في الأعضاء المختلفة ".

ويمكن الرجوع لبحوث في الدراسات الحديثة التجريبية حول سنة التصبح بسبع تمرات في رسالة بعنوان: " أثر العلم التجريبي في الحكم على الحديث "، مقدمة في الجامعة الأردنية، عام 2012م، للباحث للدكتور جميل أبو سارة.

المطلب الثاني: الاكتفاء بالتمر واللبن والماء

روى البخاري 6459 عن عائشة قالت: إنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إلى الهِلَالِ ثَلَاثَةَ أهِلَّةٍ في شَهْرَيْنِ، وما أُوقِدَتْ في أبْيَاتِ رَسولِ اللَّهِ ﷺ نَارٌ فَقُلتُ: ما كانَ يُعِيشُكُمْ؟ قالَتْ: الأسْوَدَانِ التَّمْرُ والمَاءُ، إلَّا أنَّه قدْ كانَ لِرَسولِ اللَّهِ ﷺ جِيرَانٌ مِنَ الأنْصَارِ، كانَ لهمْ مَنَائِحُ، وكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسولَ اللَّهِ ﷺ مِن أبْيَاتِهِمْ فَيَسْقِينَاهُ.

وفي رواية للبخاري برقم : 6458 عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا، إنما هو التمر والماء إلا أن نؤتى باللحيم.

وكان هذا دأب أصحابه رضي الله عنهم، فقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: - ما كان لنا على عهدِ رسولِ اللهِ طعامٌ إلَّا الأسودينِ: التَّمرَ والماءَ. أخرجه أحمد (7962) (9259) (9381) (9911) وابن حبان برقم 5805 . وأخرجه الترمذي (3357) بمعناه مطولاً.

المطلب الثالث: أكل الخربز والتمر

ثبت عن أنس أن النبي ﷺ كان يأكل الرُّطَبَ مع الخَربزِ يعني البِطِّيخَ. رواه النسائي في الكبرى برقم 6726 وأحمد (12449)، والترمذي في ((الشمائل)) (200). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم ٥٨.

وقد روي أنه ﷺ يحبه، ففي حديث أنس أنه ﷺ كان يأخذ الرُّطَبَ بيمينِه والبِطِّيخَ بيسارِه فيأكلُ الرُّطبَ بالبِطِّيخِ وكان أحبَّ الفاكهةِ إليه. وقد ضعفه الألباني في الصحيحة جزء ١ صفحة ١٢٢.

وثبت عن عائشة أن النبي كان يأكل البطيخ بالرطب. رواه الترمذي برقم 1843

ورواه أبو داوود برقم 3836 بزيادة: فيقول: نكسر حر هذا ببرد هذا، وبرد هذا بحر هذا. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم ٥٧. والوادعي في الصحيح المسند برقم 1576

قال حجر رحمه الله : "وفي هذا تعقب على من زعم أن المراد بالبطيخ في الحديث الأخضر واعتل بأن في الأصفر حرارة كما في الرطب وقد ورد التعليل بأن أحدهما يطفئ حرارة الآخر والجواب عن ذلك بأن في الأصفر بالنسبة للرطب برودة وإن كان فيه لحلاوته طرف حرارة... والمراد به الأصفر بدليل ورود الحديث بلفظ الخربز بدل البطيخ وكان يكثر وجوده بأرض الحجاز بخلاف البطيخ الأخضر ". فتح الباري 9 / 573 – 574.

المطلب الرابع: تحنيك المولود بالتمر

روى البخاري (6355) ومسلم (286) – واللفظ له - عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ )

وقد ذهب عامة أهل العلم إلى استحباب تحنيك الصبي بعد ولادته، حتى حكى النووي رحمه الله الاتفاق عليه، وذهب بعضهم إلى أنه كان خاصا بالنبي .

وروى الإمام أحمد رحمه الله في "مسنده" (11617) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أن أمّه أُمّ سُلَيْمٍ رضي الله عنها حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ، فَوَلَدَتْهُ لَيْلًا، وَكَرِهَتْ أَنْ تُحَنِّكَهُ حَتَّى يُحَنِّكَهُ رَسُولُ اللَّهِ ، قال أنس: فَحَمَلْتُهُ غُدْوَةً وَمَعِي تَمَرَاتُ عَجْوَةٍ فَوَجَدْتُهُ يَهْنَأُ أَبَاعِرَ لَهُ أَوْ يَسِمُهَا، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ اللَّيْلَةَ فَكَرِهَتْ أَنْ تُحَنِّكَهُ حَتَّى يُحَنِّكَهُ رَسُولُ اللَّهِ ، فَقَالَ أَمَعَكَ شَيْءٌ ؟ قُلْتُ تَمَرَاتُ عَجْوَةٍ. فَأَخَذَ بَعْضَهُنَّ فَمَضَغَهُنَّ ثُمَّ جَمَعَ بُزَاقَهُ فَأَوْجَرَهُ إِيَّاهُ، فَجَعَلَ يَتَلَمَّظُ فَقَالَ: ( حُبُّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ ) وهو في البخاري (5470) ومسلم (2144) بنحوه.

فقوله في الحديث: ( وَكَرِهَتْ أَنْ تُحَنِّكَهُ حَتَّى يُحَنِّكَهُ رَسُولُ اللَّهِ ) دليل على أن التحنيك كان معروفا عندهم.

وقال ابن كثير رحمه الله: " ولد الحسن – يعني البصري - في خلافة عمر بن الخطاب، وأتى به إليه فدعا له وحنكه " "البداية والنهاية" (9 /303).

وقال الخلال: أخبرني محمد بن علي قال: سمعت أم ولد أحمد بن حنبل تقول: لما أخذ بي الطلق كان مولاي نائما فقلت له: يا مولاي هو ذا أموت ! فقال: يفرج الله فما هو إلا أن قال يفرج الله حتى ولدت سعيدا، فلما ولدته قال: هاتوا ذلك التمر - لتمر كان عندنا من تمر مكة -.فقلت لأم علي: امضغي هذا التمر وحنكيه ففعلت ". "تحفة المودود" (ص 33).

-واستحب أهل العلم إذا لم يجد تمرا أن يحنكه برطب، وإلا فبأي شيء حلو، وأحلى ذلك العسل.

قال النووي رحمه الله: " اتفق العلماء على استحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر، فإن تعذر فما في معناه وقريب منه من الحلو، فيمضغ المحنك التمر حتى تصير مائعة بحيث تبتلع، ثم يفتح فم المولود ويضعها فيه ليدخل شيء منها جوفه ". " شرح النووي على مسلم " (14 / 122 - 123).

وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(9 /588): " التحنيك مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي ودلك حنكه به، يصنع ذلك بالصبي ليتمرن على الأكل، ويقوى عليه، وينبغي عند التحنيك أن يفتح فاه حتى ينزل جوفه، وأولاه التمر، فإن لم يتيسر تمر فرطب، وإلا فشيء حلو، وعسل النحل أولي من غيره ".

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (10/277): " وَيُحَنَّكُ الْمَوْلُودُ بِتَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ تَمْرٌ فَرُطَبٌ، وَإِلاَّ فَشَيْءٌ حُلْوٌ، وَعَسَل نَحْلٍ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ مَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِمَّا يُفْطِرُ الصَّائِمَ "

وفي صحيح البخاري (3619) عن أسماء رضي الله عنها ( أنها ولدت عبد الله بن الزبير فأتت به النبي فوضعته في حجره فحنكه بتمرة، ثم دعا له وبرَّك عليه ).

وروى البخاري أيضا (5045) عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ( ولد لي غلام فأتيت به النبي فسماه إبراهيم فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ).

والشريعة جاءت بأحكام تنطوي على مصالح العباد في دنياهم وأخراهم، لأنها الشريعة المنزلة من خالق هذا الإنسان، العالم بما يصلحه ويفسده والحكمة من وراء التشريع قد تظهر وقد لا تظهر، وقد يظهر بعضها دون بعض، والمؤمن مأمور بالتسليم والإذعان لأحكام الله، عَلِمَ الحكمة أم لم يعلمها، لأن ذلك مقتضى إيمانه.

وأما الحكمة من التحنيك بالتمر، فقد كان العلماء قديما يرون أن هذه السنة فعلها النبي ليكون أول شيء يدخل جوف الطفل شيء حلو، ولذا استحبوا أن يحنك بحلو إن لم يوجد التمر، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(9 /588): "والتحنيك مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي ودلك حنكه به، يصنع ذلك بالصبي ليتمرن على الأكل، ويقوى عليه، وينبغي عند التحنيك أن يفتح فاه حتى ينزل جوفه، وأولاه التمر، فإن لم يتيسر تمر فرطب، وإلا فشيء حلو، وعسل النحل أولى من غيره "

وقد كتب الدكتور محمد علي البار مقالا في مجلة الإعجاز العلمي العدد الرابع عن التفسير العلمي لتحنيك الطفل، ومما جاء فيه: " إن مستوى السكر " الجلوكوز" في الدم بالنسبة للمولودين حديثاً يكون منخفضاً، وكلما كان وزن المولود أقل، كان مستوى السكر منخفضاً.

وبالتالي فإن المواليد الخداج [وزنهم أقل من 2.5كجم] يكون منخفضاً جداً بحيث يكون في كثير من الأحيان أقل من 20 ملليجرام لكل 100 ملليلتر من الدم وأما المواليد أكثر من 2.5 كجم فإن مستوى السكر لديهم يكون عادة فوق 30 ملليجرام.

ويعتبر هذا المستوى ( 20 أو 30 ملليجرام) هبوطاً شديداً في مستوى سكر الدم، ويؤدي ذلك إلى الأعراض الآتية:

1-أن يرفض المولود الرضاعة.

2-ارتخاء العضلات.

3-توقف متكرر في عملية التنفس وحصول ازرقاق الجسم.

4-اختلاجات ونوبات من التشنج.

وقد يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة مزمنة، وهي:

1-تأخر في النمو.

2-تخلف عقلي.

3-الشلل الدماغي.

4- إصابة السمع أو البصر أو كليهما.

5- نوبات صرع متكررة ( تشنجات ).

وإذا لم يتم علاج هذه الحالة في حينها قد تنتهي بالوفاة، رغم أن علاجها سهل ميسور وهو إعطاء السكر الجلوكوز مذاباً في الماء إما بالفم أو بواسطة الوريد" انتهى.

ثم قال في مناقشة تحنيك النبي الطفل بالتمر:

"إن قيام الرسول بتحنيك الأطفال المواليد بالتمر بعد أن يأخذ التمرة في فيه ثم يحنكه بما ذاب من هذه التمرة بريقه الشريف فيه حكمة بالغة فالتمر يحتوي على السكر " الجلوكوز " بكميات وافرة، وخاصة بعد إذابته بالريق الذي يحتوي على أنزيمات خاصة تحول السكر الثنائي " السكروز " إلى سكر أحادي، كما أن الريق ييسر إذابة هذه السكريات، وبالتالي يمكن للطفل المولود أن يستفيد منها.

وبما أن معظم أو كل المواليد يحتاجون للسكر الجلوكوز بعد ولادتهم مباشرة، فإن إعطاء المولود التمر المذاب يقي الطفل بإذن الله من مضاعفات نقص السكر الخطيرة التي ألمحنا إليها.

إن استحباب تحنيك المولود بالتمر هو علاج وقائي ذو أهمية بالغة وهو إعجاز طبي لم تكن البشرية تعرفه وتعرف مخاطر نقص السكر " الجلوكوز " في دم المولود.

وإن المولود، وخاصة إذا كان خداجاً، يحتاج دون ريب بعد ولادته مباشرة إلى أن يعطى محلولاً سكرياً.

وقد دأبت مستشفيات الولادة والأطفال على إعطاء المولودين محلول الجلوكوز ليرضعه المولود بعد ولادته مباشرة، ثم بعد ذلك تبدأ أمه بإرضاعه.

إن هذه الأحاديث الشريفة الواردة في تحنيك المولود تفتح آفاقاً مهمة جداً في وقاية الأطفال، وخاصة الخداج " المبتسرين " من أمراض خطيرة جداً بسبب إصابتهم بنقص مستوى سكر الجلوكوز في دمائهم وإن إعطاء المولود مادة سكرية مهضومة جاهزة هو الحل السليم والأمثل في مثل هذه الحالات.

كما أنها توضح إعجازاً طبياً لم يكن معروفاً في زمنه ولا في الأزمنة التي تلته حتى اتضحت الحكمة من ذلك الإجراء في القرن العشرين".

المطلب الخامس: التمر والرطب للحامل والنفساء

قال تعالى:" وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا، فكلي واشربي وقري عينا..." (مريم: 25)

وقد ثبت عن غير واحد من السلف الوصاية بالرطب للنفساء ؛ فروى ابن أبي شيبة (5/ 60) بسند صحيح عَنْ إِبْرَاهِيمَ النخعي قَالَ: " كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ لِلنُّفَسَاءِ الرُّطَبَ ".

وروى الفضل بن دكين في كتاب "الصلاة" (ص 129) عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ ، قَالَ: " مَا لِلنُّفَسَاءِ عِنْدِي دَوَاءٌ مِثْلُ الرُّطَبِ ". " فتح الباري" لابن حجر ، رحمه الله (9/477).

المطلب السادس: الرطب للهزال الشديد

يعد التمر من أفضل الوجبات الغذائية لمقاومة الجوع، فقد روى مسلم في صحيحه برقم (2046) عن عائشة. قالت: قال رسول الله ﷺ (يا عائشة! بيت لا تمر فيه، جياع أهله. يا عائشة! بيت لا تمر فيه جياع أهله - أو جاع أهله -) قالها مرتين، أو ثلاثا.

وقد ثبت عن عائشة قالت: كانت أُمِّي تُعالجُني للسِّمنةِ تريد أن تُدخلَني على رسولِ اللهِ فما استقامَ لها ذلك حتى أكلتُ القِثَّاءَ بالرُّطَبِ فسمِنتُ كأحسنِ سمنةٍ. أخرجه ابن ماجه (3324) ورواه أبو داوود 3903 والنسائي في ((السنن الكبرى)) (6725) والحاكم 2794، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1/123، وشعيب في تخريج السنن.

وقد ذكر بعض المفسرين في قوله تعالى: وزروع ونخل طلعها هضيم" (الشعراء: 148)، بأن فيها دلالة على سهولة هضم الرطب والتمور.

المطلب السابع: الفطر على رطب أو تمر

روى أبو داود (2356) ، والترمذي (696) عن أنس رضي الله عنه قال: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ، فَعَلَى تَمَرَاتٍ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ " وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" . وإن كانت التمرات وترا فهو أفضل، فقد روى عبد الرزاق (5/ 498) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ قال : (إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ) ، قَالَ أَيُّوبُ: " فَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَسْتَحِبُّ الْوِتْرَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى لَيَأْكُلَ وِتْرًا " وهذا إسناد صحيح .

قال ابن القيم رحمه الله : " وَفِي فِطْرِ النَّبِيِّ مِنَ الصَّوْمِ على الرطب ، أَوْ عَلَى التَّمْرِ، أَوِ الْمَاءِ تَدْبِيرٌ لَطِيفٌ جِدًّا، فَإِنَّ الصَّوْمَ يُخَلِّي الْمَعِدَةَ مِنَ الْغِذَاءِ ، فَلَا تَجِدُ الْكَبِدُ فِيهَا مَا تَجْذِبُهُ وَتُرْسِلُهُ إِلَى الْقُوَى وَالْأَعْضَاءِ، وَالْحُلْوُ أَسْرَعُ شَيْءٍ وُصُولًا إِلَى الْكَبِدِ ، وَأَحَبُّهُ إِلَيْهَا، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ رُطَبًا، فَيَشْتَدُّ قَبُولُهَا لَهُ ، فَتَنْتَفِعُ بِهِ هِيَ وَالْقُوَى ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ، فَالتَّمْرُ لِحَلَاوَتِهِ وَتَغْذِيَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَحَسَوَاتُ الْمَاءِ تُطْفِئُ لَهِيبَ الْمَعِدَةِ، وَحَرَارَةَ الصَّوْمِ، فَتَتَنَبَّهُ بَعْدَهُ لِلطَّعَامِ، وَتَأْخُذُهُ بِشَهْوَةٍ " ."زاد المعاد" (4/ 287) .

المطلب الثامن: التمر في السحور

روى أبو داوود برقم 2345 عن أبي هريرة، عن النبي قال: ((نعم سحور المؤمن التمر)).

المطلب التاسع: التمر قبل صلاة عيد الفطر

روى البخاري برقم 953عن أنس قال: ((كان رسول الله لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات)) وقال مرجأ بن رجاء: حدثني عبيد الله قال: حدثني أنس، عن النبي : ويأكلهن وترا.

وفي رواية أخرجه الحاكم (1090) وابن حبان برقم 2814 : ما خرَج رسولُ اللهِ يومَ فِطْرٍ حتَّى يأكُلَ تمراتٍ ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا

والحمد لله أولا وآخرا.


 

([1]) أخرجه البخاري 9/569 ومسلم(2047).

([2]) أخرجه البخاري (5445) و(5768) ومسلم(2047).

([3]) رواه مسلم (2048).

([4]) أخرجه أبو داود( 3875) وسنده صحيح.

([5]) رواه أحمد 2/301 والترمذي(2066) وابن ماجه( 3455) بسند حسن وورد الحديث عن أبي سعيد وجابر وصححه الألباني في صحيح الجامع(4126) والمشكاة(4235).

([6]) رواه مسلم(2048).

([7]) رواه البيهقي وغيره وورد عن أنس وأبي سعيد وعلي رضي الله عنهم وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3303) والصحيحة(1844).