|
بسم الله الرحمن الرحيم
حكم الاحتفال بمناسبة المولد النبوي كانت محل نقاش بين
الفقهاء المعاصرين، وبالغ بعضهم من الأزهريين بتبديع القول ببدعية الاحتفال
بالمولد النبوي. فكتبت هذا المقال
المطلب الأول: تاريخ الاحتفال بالمولد
ويرجع
الاحتفال بالمولد إلى عهد الملك مظفر الدين التركماني الذى حكم أربيل بعد
سقوط الدولة السلجوقية، حيث أقام الاحتفال الأول بالمولد النبوي عام 586
هـ، 1190 م، وكان ذلك في يوم 20 أبريل، والذي ظل معتمدا طيلة وقت الدولة
العثمانية
وقال
المَقريزيُّ المتوفى عام 845هـ في كِتابه ((الخِطط)) (2/436)، وذكَر أنَّهم
أحْدَثوا عددًا من الموالدِ والاحتفالاتِ البِدعيَّة؛ منها: مولِدُ النبيِّ
صلَّى الله عليه وسلَّم، ومولِدُ عليٍّ وفاطمةَ والحَسنِ والحُسَينِ،
وغيرُها من الموالدِ، حتى عدَّد سَبعةً وعِشرين احتفالًا لهم، كلُّها
انقرضتْ بسُقُوط الدولةِ العُبيديَّة عام 567هـ على يدِ صلاح الدِّين
الأَيوبيِّ رحِمَه الله.
المطلب الثاني: تحقيق مولد النبي ﷺ:
أولا: مولده في يوم اثنين من ربيع الأول في عام الفيل:
روى
مسلم(1162)عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَقَالَ :( فِيهِ
وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ ). فالمتبع يصوم الاثنين لهذا الحديث.
ولكنه لا يحتفل به ولا بمولده ﷺ
والمشهور أنه
ﷺ ولد في 12 من ربيع الأول الموافق 20 أبريل سنة 571 ميلاديا، وهذا لا يمكن
أن يتوافق مع يوم الاثنين.
ثانيا: الاختلاف في تاريخ مولده ﷺ
اختار ابن
إسحاق (ابن هشام ١/ ١٧١) أنه ﷺ ولد في 12 من ربيع الأول الموافق 20 أبريل
سنة 571 ميلاديا، وهذا لا يمكن أن يتوافق مع يوم الاثنين.
وقال ابن كثير
في السيرة ١/ ١٩٩:
وقيل لثمان
خلون منه ، حكاه الحميدى عن ابن حزم ، ورواه مالك وعقيل ويونس بن يزيد
وغيرهم عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم ، ونقل ابن عبد البر عن أصحاب
التاريخ أنهم صححوه ،
وقطع به محمد
بن موسى الخوارزمي ، ورجحه ابن دحية في التنوير في مولد البشر النذير.
وقال الواقدي
بأن المولد في العاشر من ربيع الأول وقال أبو معشر بأنه في الثاني منه.
(ابن سعد ١/ ١٠٠)
وقال الشيخ
صفى الدين المباركفوري في كتاب الرحيق المختوم: "ولد سيد المرسلين ﷺ بشعب
بنى هاشم بمكة في صبيحة يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول، لأول عام من
حادثة الفيل، ولأربعين سنة خلت من ملك كسرى أنوشروان، ويوافق ذلك العشرين
أو الثاني والعشرين من شهر أبريل سنة 571م. حسبما حققه العالم الكبير
والمحقق الفلكي محمود باشا".
المطلب الثالث: المنكرون للمولد
نظرا لعدم صحة
تاريخ المولد، ولكون الاحتفال لم يكن عليه أهل القرون المفضلة فقد أنكره
عدد من العلماء، فإضافة لعلماء السعودية مثل المشايخ: محمد بن إبراهيم
وعبدالعزيز ابن باز ومحمد ابن عثيمين وعبدالله ابن جبرين رحمهم الله
وغيرهم، فقد قال ببدعية الاحتفال عدد من علماء الأمصار من مختلف المذاهب.
قال العلَّامة
تاجُ الدِّين الفاكهانيُّ، المالكيُّ (734هـ)؛ في رسالته ((المورِد في عمَل
المولِد)) (ص20): (لا أعلمُ لهذا المولِدِ أصلًا في كِتابٍ ولا سُنَّةٍ،
ولا يُنقَلُ عَمَلُه عن أحدٍ مِن عُلماءِ الأُمَّة، الذين هُم القُدوةُ في
الدِّين، المتمسِّكونَ بآثارِ المتقدِّمين، بلْ هو بِدعةٌ أحْدَثها
البَطَّالون... وهذا لم يأذنْ فيه الشرعُ، ولا فعَلَه الصحابةُ ولا
التابِعون، ولا العُلماءُ المتديِّنون، فيما عَلِمتُ، وهذا جوابي عنه بين
يَدَيِ اللهِ إنْ عنه سُئلتُ، ولا جائزٌ أن يكونَ مُباحًا؛ لأنَّ
الابتِداعَ في الدِّين ليس مُباحًا بإجماعِ المسلِمين).
وقال ابنُ
الحاجِّ الفاسِي المالكي (737ه)؛ قال في ((المدخل)) (2/312): (فإنْ خلا-
أي: عمَلُ المولِد- منه- أي: مِن السَّماعِ- وعمِلَ طعامًا فقط، ونوَى به
المولِدَ، ودعَا إليه الإخوانَ, وسَلِم مِن كلِّ ما تقدَّمَ ذِكرُه- أي:
مِن المفاسِد- فهو بِدعةٌ بنَفْسِ نِيَّتِه فقط؛ إذ إنَّ ذلك زِيادةٌ في
الدِّين ليس من عمَلِ السَّلفِ الماضين، واتِّباعُ السَّلفِ أَوْلَى، بل
أوْجَبُ، مِن أن يَزيدَ نِيَّةً مُخالِفةً لِما كانوا عليه؛ لأنَّهم أشدُّ
الناس اتِّباعًا لسُنَّة رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وتَعظيمًا له
ولسُنَّتِه صلَّى الله عليه وسلَّم، ولهُم قدَمُ السَّبقِ في المبادَرةِ
إلى ذلك، ولم يُنقَلْ عن أحدٍ منهم أنه نوَى المولِدَ، ونحن لهم تبَعٌ؛
فيَسعُنا ما وَسِعَهم... إلخ).
وقال أيضًا:
(وبعضُهم- أي: المشتغلِين بعمَلِ المولِد- يتورَّع عن هذا- أي: سماعِ
الغِناءِ وتوابعِه- بقِراءةِ البخاريِّ وغيرِه؛ عوضًا عن ذلك، هذا وإنْ
كانتْ قراءةُ الحديثِ في نفْسِها من أكبرِ القُرَبِ والعباداتِ، وفيها
البركةُ العظيمةُ، والخيرُ الكثيرُ، لكنْ إذا فُعِل ذلك بشَرْطِه اللائِقِ
به على الوجهِ الشرعيِّ، لا بنِيَّةِ المولِد، ألَا ترَى أنَّ الصلاةَ مِن
أعظمِ القُرَبِ إلى اللهِ تعالى، ومع ذلك فلو فعَلَها إنسانٌ في غيرِ
الوقتِ المشروعِ لها، لكان مذمومًا مُخالِفًا؛ فإذا كانتِ الصلاةُ بهذه
المثابةِ؛ فما بالُك بغيرِها؟!).
وقال أبو
إسحاقَ الشاطبيُّ المالكي (790هـ) ؛ في فتاويه (ص 203): (معلومٌ أنَّ
إقامةَ المولدِ على الوصفِ المعهودِ بين الناسِ بِدعةٌ مُحدَثةٌ، وكلُّ
بِدعةٍ ضلالةٌ).
قال الحافظُ
ابنُ حجرٍ الشافعي : (أصلُ عمَلِ المولدِ بِدعةٌ لم تُنقَلْ عن أحدٍ مِن
السَّلفِ الصالِح من القُرونِ الثلاثةِ)، كما نقلَه عنه السُّيوطيُّ
(911هـ) في ((الحاوي للفتاوي)) (1/ 229)
وقال
الشاطبيُّ المالكي (790هـ) ، في ((فتاويه)) (ص180): (إنَّ قولَ النبيِّ
صلَّى الله عليه وسلَّم: (كلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ) مَحمولٌ عند العُلماءِ على
عُمومِه، لا يُستثنَى منه شيءٌ البتَّةَ، وليس فيها ما هو حَسَنٌ أصلًا).
وقال في كتابه ((الاعتصام)) (1/246): (هذا التقسيمُ أمرٌ مُخترَعٌ، لا
يدلُّ عليه دليلٌ شرعيٌّ).
والإمام مالكُ
بنُ أنسٍ (179هـ)، في قاعدتِه العظيمة: (مَن ابتدَعَ في الإسلامِ بِدعةً
يراها حسَنةً، فقد زعَم أنَّ محمدًا خان الرِّسالةَ؛ لأنَّ اللهَ تعالى
يقولُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}؛ فما لم يكُن يومئذٍ
دِينًا، فلا يكونُ اليومَ دِينًا) ((الإحكام في أصول الأحكام)) لابن حزم
(6/ 58)، و((الاعتصام)) للشاطبي (1/62).
وأنكر الإمامُ
جمالُ الدِّينِ السُّرَّمَرِّيُّ (776هـ) الاحتِفالِ بالمولِدِ النبويِّ،
فقال- بعدَ حِكايتِه للخِلافِ في أيِّ شهرٍ وُلِدَ النبيُّ صلَّى الله عليه
وسلَّم، وفي أيِّ يَومٍ مِن شَهرِ المولدِ-:
(وفي هذا
الخِلافِ ما يَدلُّ على أنَّ السَّلفَ لم يكونوا يَجعلون ذلك مَوسِمًا
للاجتِماعِ والولائمِ والاحتِفالِ في صُنعِ الأطعمةِ والأشربةِ
والسَّماعاتِ؛ إذ السَّلفُ كانوا أعظمَ الناسِ تَوقيرًا ومحبَّةً وتَعظيمًا
للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأحرصَ الخَلقِ على نَشْرِ مَحاسنِه؛ فلو
كان يومُ مولدِه عِندَهم موسِمًا لتوفَّرتْ هِمَمُهم على حِفظِه، ولم
يَكُنْ عِندَهم ولا عِندَ غَيرِهم فيه خِلافٌ، ولاتَّفَقوا عليه كما
اتَّفَقوا على يَوميِ العِيدينِ وأيَّامِ التشريقِ، ويومِ عَرفةَ ويومِ
عاشوراءَ، ... فلو كان المولدُ مِثلَها لحُفِظَ كما حُفِظتْ. ولكنَّ
الاجتِماعَ على قِراءةِ القُرآنِ ونَشْرِ مُعجزاتِ النبيِّ صلَّى الله عليه
وسلَّم، وذِكرِ أخلاقِه وآدابِه، والتعريفِ لحقوقِه، وامتثالِ أوامرِه
والوقوفِ لزواجرِه، وتَعليمِ سُنَنِه؛ مُستحَبٌّ في كلِّ وقتٍ، بل واجبٌ)
[((المولد الكبير للبشير النذير صلى الله عليه وسلم)) ورقة (10 ب)- بواسطة:
((منْهجُ الإمَامِ جمالِ الدِّينِ السُّرَّمَرِّيِّ في تقرير العقِيدة))
لخالِد المطلق (72 - 73)].
نسأل الله
الجميع التمسك بالسنة، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين