أكل الحلوى في السنة النبوية

أكل الحلوى في السنة النبوية

كتبه الدكتور عبدالعزيز بن سعد الدغيثر في الثالث من ربيع الأول سنة ١٤٤٧

 
بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:

فقد كنت مع شخص على وجبة، فوجدني آكل من الحلى، فبدأ في تقديم نصائحه التي لا يحسن قولها على الطعام، من ضرر السكريات على الأسنان والسمنة وتعجيل مرض السكري، فقلت له: كان شيخنا ابن باز رحمه الله يحب الحلى، بل كان النبي ﷺ كذلك، فاستغرب لذلك واستنكره، فكتبت هذا المقال عن محبته ﷺ الحلوى، وشيء من السنن المتعلقة به.

فقد صح في الصحيحين عن عائشة قالت: كانَ النبيُّ ﷺ يُحِبُّ الحَلْوَاءَ والعَسَلَ. رواه البخاري ٥٥٩٩ ، 5431، وفي لفظ للبخاري 5268: العسل والحلواء.

ورواه البخاري 6972 ومسلم 1474 وله قصة.

وفي رواية: كانَ النبيُّ ﷺ يُعْجِبُهُ الحَلْوَاءُ والعَسَلُ. رواه البخاري 5682.

كما كان ﷺ يحب الأشربة الحلوة، فقد ثبت عن ابن عباس قال: أنَّ النبيَّ ﷺ سُئِلَ أيُّ الشرابِ أطيبُ قال الحُلْوُ الباردُ. أخرجه أحمد (3129) واللفظ له، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (5926) باختلاف يسير. وينظر : السلسلة الصحيحة جزء ٧ صفحة ١٤.

ومن عادة العرب، أن ينبذوا الزبيب أو التمر أو العسل في الماء، ليحليه ويطيبه، ويسمى عندهم النبيذ، قال في لسان العرب: والنبيذ الطرح وهو ما لم يسكر حلال، فإذا أسكر حرم، وقد كان ﷺ يضع التمر أو الزبيب في الماء ليزداد حلاوة،

وفي صحيح الإمام مسلم باب إباحة النبيذ الذي لم يشتد ولم يصر مسكرا، وتحته أحاديث منها عن ابن عباس قال: كان رسول الله ينتبذ له أول الليل فيشربه إذا أصبح يومه ذلك والليلة التي تجيء والغد والليلة الأخرى والغد إلى العصر، فإن بقي شيء سقاه الخادم أو أمر به فصب.

وروى مسلم برقم85- (2005) عن عائشة رضي الله عنها ، قالت: ((كنا ننبذ لرسول الله في سقاء يوكى أعلاه وله عزلاء، ننبذه غدوة فيشربه عشاء، وننبذه عشاء فيشربه غدوة)).

وروى مسلم برقم (1999)- قال أبو الزبير: وسمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، يقول: ((وكان رسول الله إذا لم يجد شيئا ينتبذ له فيه، نبذ له في تور من حجارة))

وروى مسلم برقم 86 - (2006) عن سهل بن سعد رضي الله عنه ، قال: دعا أبو أسيد الساعدي رضي الله عنه رسول الله في عرسه، فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس، قال سهل: تدرون ما سقت رسول الله؟ أنقعت له تمرات من الليل في تور، فلما أكل سقته إياه، ورواه البخاري دون آخره برقم 5183 .

قال الإمام النووي: في هذه الأحاديث دلالة على جواز الانتباذ وجواز شرب النبيذ ما دام حلوا لم يتغير ولم يغل، وهذا جائز بإجماع الأمة. وأما سقيه الخادم بعد الثلاث وصبه فلأنه لا يؤمن بعد الثلاث تغيره. وقال ابن قدامة في المغني (9/ 170): " (والعصير إذا أتت عليه ثلاثة أيام: فقد حرم، إلا أن يغلى قبل ذلك، فيحرم) . أما إذا غلى العصير كغليان القدر، وقذف بزبده، فلا خلاف في تحريمه.

وإن أتت عليه ثلاثة أيام ولم يغلِ، فقال أصحابنا: هو حرام.

وقال أحمد: اشربه ثلاثا، ما لم يَغْلِ، فإذا أتى عليه أكثر من ثلاثة أيام، فلا تشربه.

وأكثر أهل العلم يقولون: هو مباح ما لم يَغلِ ويُسكر؛ لقول رسول الله : اشربوا في كل وعاء، ولا تشربوا مسكرا رواه أبو داود؛ ولأن علة تحريمه الشدة المطربة، وإنما ذلك في المسكر خاصة.

ولنا: ما روى أبو داود، بإسناده عن ابن عباس أن النبي كان ينبذ له الزبيب، فيشربه اليوم والغد وبعد الغد، إلى مساء الثالثة، ثم يأمر به فيُسقى الخدم، أو يهراق، وروى الشالنجي بإسناده عن النبي أنه قال: اشربوا العصير ثلاثا، ما لم يغل. وقال ابن عمر: اشربه ما لم يأخذه شيطانه. قيل: وفي كم يأخذه شيطانه؟ قال: في ثلاث. ولأن الشدة تحصل في الثلاث غالبا، وهي خفية تحتاج إلى ضابط، فجاز جعل الثلاث ضابطا لها.

ويَحتمل أن يكون شربه فيما زاد على الثلاثة إذا لم يغل مكروها غير محرم، فإن أحمد لم يصرح بتحريمه، وقال في موضع: أكرهه. وذلك لأن النبي لم يكن يشربه بعد ثلاث. وقال أبو الخطاب: عندي أن كلام أحمد في ذلك محمول على عصيرٍ الغالبُ أنه يتخمر في ثلاثة أيام.

مسألة: قال: (وكذلك النبيذ) يعني: أن النبيذ مباح ما لم يَغل، أو تأتيَ عليه ثلاثة أيام. والنبيذ: ما يُلقى فيه تمر أو زبيب أو نحوهما؛ ليحلو به الماء، وتذهب ملوحته، فلا بأس به ما لم يغل، أو تأتي عليه ثلاثة أيام؛ لما روينا عن ابن عباس. وقال أبو هريرة: علمت أن رسول الله كان يصوم، فتحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء ثم أتيته به، فإذا هو يَنِشُّ. فقال: اضرب بهذا الحائط؛ فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر رواه أبو داود. ولأنه إذا بلغ ذلك صار مسكرا، وكل مسكر حرام" انتهى.

والحلوى تطيب خاطر الصغير والخادم والجارية، وتزيل عنه ما يكدره، ودليل ذلك حديث معاذ قال: قال ﷺ: إذا ابتاع أحدُكم الجاريةَ فليكنْ أولَ ما يُطعِمُها الحلواءُ فإنها أطيبُ لنفسِها. أخرجه الطبراني في ((الأوسط)) (6069) واللفظ له، والخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) (512)، وابن بشكوال في ((الأطعمة)) (9) بلفظه غير أنهما قالا: الخادم، وليس الجارية. وقال الهيثمي في المجمع جزء ٤ صفحة 239: إسناده أقل درجاته الحسن .
 

1)               وهذه الأدلة تدل أن الحلى من الطيبات التي أباحها الله تعالى، فمن منعه طبيب حاذق لمرض أو حمية فليجتبه كليا أو جزئيا، ومن لا فليأكل منه بلا إسراف. فقد جاء التحذير من الإكثار من أكل أي شيء وشرب أي شراب فيما يأتي:

-                   قال تعالى: " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا"(الأعراف:31)

-                  وفي حديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - -: «كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة» ([1]).

كما تستحب المضمضة بعد الأكل والشرب لما دسم أو زهومة مثل الحلواء أو العسل أو العصيرات الحلوة، لينظف الفم من العوالق والدسم، فقد أخرج البخاري في "صحيحه" [٢١١] ومسلم في "صحيحه" [٣٥٨] من حديث عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ شَرِبَ لَبَنًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ، وَقَالَ: "إِنَّ لَهُ دَسَماً".

وروى بَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِالصَّهْبَاءِ - وَهِيَ عَلَى رَوْحَةٍ مِنْ خَيْبَرَ - فَحَضَرَتْ الصَّلاةُ، فَدَعَا بِطَعَامٍ فَلَمْ يَجِدْهُ إلا سَوِيقًا فَلَاكَ مِنْهُ، فَلُكْنَا مَعَهُ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ، ثُمَّ صَلَّى وَصَلَّيْنَا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، رواه البخاري ( 5390 ).

وعن سويد بن النعمان الأنصاري قال: خَرَجْنَا مع رَسولِ اللَّهِ إلى خَيْبَرَ، فَلَمَّا كُنَّا بالصَّهْبَاءِ -قالَ يَحْيَى: وهي مِن خَيْبَرَ علَى رَوْحَةٍ- دَعَا رَسولُ اللَّهِ بطَعَامٍ، فَما أُتِيَ إلَّا بسَوِيقٍ، فَلُكْنَاهُ، فأكَلْنَا منه، ثُمَّ دَعَا بمَاءٍ، فَمَضْمَضَ ومَضْمَضْنَا، فَصَلَّى بنَا المَغْرِبَ ولَمْ يَتَوَضَّأْ. رواه البخاري 5384

قال النووي -رحمه الله-في شرح حديث ابن عباس:-

(( فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْمَضْمَضَةِ مِنْ شُرْبِ اللَّبَن.

قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ تُسْتَحَبُّ لَهُ الْمَضْمَضَةُ ؛ لِئَلَّا تَبْقَى مِنْهُ بَقَايَا يَبْتَلِعُهَا فِي حَالِ الصَّلَاةِ، وَلِتَنْقَطِعَ لُزُوجَتُهُ وَدَسَمُهُ، وَيَتَطَهَّرَ فَمُهُ )).

شرح صحيح مسلم [٣٣٢/٢] ط. الرسالة.

في "الموسوعة الفقهية" (38/ 108): "الْمَضْمَضَةُ مُسْتَحَبَّةٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الطَّعَامِ…

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْمَضْمَضَةِ بَعْدَ الطَّعَامِ، فَفَائِدَةُ الْمَضْمَضَةِ قَبْل الدُّخُول فِي الصَّلاَةِ مِنْ أَكْل السَّوِيقِ وَإِنْ كَانَ لاَ دَسَمَ لَهُ أَنْ تَحْتَبِسَ بَقَايَاهُ بَيْنَ الأْسْنَانِ وَنَوَاحِي الْفَمِ فَيَشْغَلُهُ تَتَبُّعُهُ عَنْ أَحْوَال الصَّلاَةِ"

ويستحب السواك أو تفريش الأسنان، عند تغير رائحة الفم بعد أكل الحلوى والدسم، لحديث عائشة أن النبي قال: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب"([2]).

كما يستحب السواك أو تفريش الأسنان عند الاستيقاظ من النوم لحديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي كان إذا قام من النوم يشوص فاه بالسواك"([3]).

والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.


 

([1]) علقه البخاري (5/2181) قبل الحديث (5446) كتاب اللباس، ووصله أبو داود الطيالسي (1/299) (2261) كما ذكر ذلك الحافظ في الفتح (10/253) والحديث ليس عند أبي داود السجستاني، وقد نبه على هذا المصنف في نهاية الباب، وأحمد (2/181، 182)، والنسائي (5/79)، وابن ماجه (2/1192) (3605)، والحاكم (4/150)، وأخرجه الترمذي = = (5/123) (2819) مختصرًا. قال المنذري: ورواته إلى عمرو بن شعيب ثقات محتج بهم في الصحيح، وقال عمرو بن شعيب: الجمهور على توثيقه وعلى الاحتجاج بروايته عن أبيه عن جده.. انتهى، وأخرجه الحاكم وقال: صحيح، وأقره الذهبي.

([2]) رواه النسائي(5) وابن خزيمة (135) وعلقه البخاري بصيغة الجزم (3/38) وحسنه النووي في خلاصة الأحكام (89).

([3]) رواه البخاري1/356 مع الفتح، ومسلم 1/221.