كروية الأرض وحركتها بين أهل السنة والمبتدعة الأشاعرة والمعتزلة
كروية الأرض
وحركتها بين أهل السنة والمبتدعة الأشاعرة والمعتزلة
كتبه: عبدالعزيز الدغيثر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله أما بعد:
فمن نعم الله الهداية لمنهج أهل السنة السلفيين من أهل الحديث المتوافق مع
صحيح المنقول وصريح المعقول.
ومن أعجب المسائل مسألة كروية الأرض وحركتها، فالمبتدعة ينقلون إجماعا
مخالفاً لإجماع المسلمين.
فقد قال الأشاعرة والمعتزلة بسكون الأرض وعدم كرويتها.
قال عبد القاهر البغدادي (المتوفى: 429هـ) في (الفرق بين الفرق): وأجمعوا
على وقوف الأرض وسكونها، وأن حركتها إنما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة
ونحوها ... وأجمعوا على أن الأرض متناهية الأطراف من الجهات كلها. اهـ.
وقال القرطبي (المتوفى: 671 هـ) في تفسيره لقوله تعالى: وهو الذي مد الأرض
[الرعد: 3].: قال: أي بسط الأرض طولا وعرضا ... في هذه الآية رد على من زعم
أن الأرض كالكرة، ورد على من زعم أن الأرض تهوي ... والذي عليه المسلمون
وأهل الكتاب القول بوقوف الأرض وسكونها ومدها، وأن حركتها إنما تكون في
العادة بزلزلة تصيبها. اهـ.
والعجيب أن الكنيسة كانت تلعن وتحرق من يقول بكرويتها من العلماء وفيها قصص
محاكمات وعقوبات قاسية للمخالفين.
وردا على تخرصات المعتزلة والأشاعرة قال ابن تيمية رحمه الله: قال " وقال
الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي )متوفى: 336 هـ. ) من أعيان
العلماء المشهورين بمعرفة الآثار والتصانيف الكبار في فنون العلوم الدينية
من الطبقة الثانية من أصحاب أحمد : لا خلاف بين العلماء أن السماء على مثال
الكرة ......
قال : وكذلك أجمعوا على أن الأرض بجميع حركاتها من البر والبحر مثل الكرة .
قال : ويدل عليه أن الشمس والقمر والكواكب لا يوجد طلوعها وغروبها على جميع
من في نواحي الأرض في وقت واحد ، بل على المشرق قبل المغرب " انتهى من
"مجموع الفتاوى" (25/195)
وسئل رحمه الله : عن رجلين تنازعا في " كيفية السماء والأرض " هل هما "
جسمان كريان " ؟ فقال أحدهما كريان ؛ وأنكر الآخر هذه المقالة وقال : ليس
لها أصل وردها فما الصواب ؟ فأجاب : " السموات مستديرة عند علماء المسلمين
، وقد حكى إجماع المسلمين على ذلك غير واحد من العلماء أئمة الإسلام : مثل
أبي الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي أحد الأعيان الكبار من الطبقة الثانية
من أصحاب الإمام أحمد وله نحو أربعمائة مصنف ، وحكى الإجماع على ذلك الإمام
أبو محمد بن حزم وأبو الفرج بن الجوزي ، وروى العلماء ذلك بالأسانيد
المعروفة عن الصحابة والتابعين ، وذكروا ذلك من كتاب الله وسنة رسوله ،
وبسطوا القول في ذلك بالدلائل السمعية ، وإن كان قد أقيم على ذلك أيضا
دلائل حسابية ، ولا أعلم في علماء المسلمين المعروفين من أنكر ذلك ، إلا
فرقة يسيرة من أهل الجدل لما ناظروا المنجمين قالوا على سبيل التجويز :
يجوز أن تكون مربعة أو مسدسة أو غير ذلك ، ولم ينفوا أن تكون مستديرة ، لكن
جوزوا ضد ذلك ، وما علمت من قال إنها غير مستديرة - وجزم بذلك - إلا من لا
يؤبه له من الجهال ..." انتهى من "مجموع الفتاوى" (6/586) .
وقال ابن تيمية عن الأرض: «وما علمت من قال إنها غير مستديرة -وجزم بذلك-
إلا من لا يؤبه له من الجهال».
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " الأرض كروية بدلالة القرآن ، والواقع ،
وكلام أهل العلم ، أما دلالة القرآن ، فإن الله تعالى يقول : ( يُكَوِّرُ
اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ) ،
والتكوير جعل الشيء كالكور ، مثل كور العمامة ، ومن المعلوم أن الليل
والنهار يتعاقبان على الأرض ، وهذا يقتضي أن تكون الأرض كروية ؛ لأنك إذا
كورت شيئاً على شيء ، وكانت الأرض هي التي يتكور عليها هذا الأمر لزم أن
تكون الأرض التي يتكور عليها هذا الشيء كروية .
وأما دلالة الواقع فإن هذا قد ثبت ، فإن الرجل إذا طار من جدة مثلاً متجهاً
إلي الغرب خرج إلى جدة من الناحية الشرقية إذا كان على خط مستقيم ، وهذا
شيء لا يختلف فيه اثنان .
وأما كلام أهل العلم فإنهم ذكروا أنه لو مات رجل بالمشرق عند غروب الشمس ،
ومات آخر بالمغرب عند غروب الشمس ، وبينهما مسافة ، فإن من مات بالمغرب عند
غروب الشمس يرث من مات بالمشرق عند غروب الشمس إذا كان من ورثته ، فدل هذا
على أن الأرض كروية ، لأنها لو كانت الأرض سطحية لزم أن يكون غروب الشمس
عنها من جميع الجهات في آن واحد ، وإذا تقرر ذلك فإنه لا يمكن لأحد إنكاره
، ولا يشكل على هذا قوله تعالى : ( أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ
كَيْفَ خُلِقَتْ . وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ . وَإِلَى
الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ . وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ) لأن
الأرض كبيرة الحجم ، وظهور كرويتها لا يكون في المسافات القريبة ، فهي بحسب
النظر مسطحة سطحاً لا تجد فيها شيئاً يوجب القلق على السكون عليها ، ولا
ينافي ذلك أن تكون كروية ، لأن جسمها كبير جداً ، ولكن مع هذا ذكروا أنها
ليست كروية متساوية الأطراف ، بل إنها منبعجة نحو الشمال والجنوب ، فهم
يقولون : إنها بيضاوية ، أي على شكل البيضة في انبعاجها شمالاً وجنوباً "
انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وقال أبو القاسم عُبيد الله بن عبد الله بن أحمد ابن خُرداذبة (ت 280هـ)) ،
في كتابه (المسالك والممالك):
"صفة الأرض أنها مدوَّرة كتدوير الكرة، موضوعة في جوف الفلك كالمُحَّة في
جوف البيضة والنسيم حول الأرض وهو جاذب لها من جميع جوانبها إلى الفلك،
وبنية الخلق على الأرض أن النسيم جاذب لما في أبدانهم من الخفة والأرض
جاذبة لما في أبدانهم من الثقل لأن الأرض بمنزلة الحجر الذي يجتذب الحديد،
والأرض"
المسالك والممالك ص4
وقال الجغرافي الشريف الإدريسي المتوفى سنة 560هـ في كتابه نزهة المشتاق في
اختراق الآفاق:
"الأرض مدوّرة كتدوير الكرة والماء لاصق بها وراكد عليها ركودا طبيعيا لا
يفارقها، والأرض والماء مستقرّان في جوف الفلك كالمُحّة في جوف البيضة،
ووضعهما وضع متوسط، والنسيم محيط بهما من جميع جهاتهما... والله أعلم
بحقيقة ذلك". ص 7
وقال: "والأرض في ذاتها مستديرة لكنها غير صادقة الاستدارة" ص 8
ثم قال: "والأرض مقسومة بقسمين بينهما خط الاستواء، وهو من المشرق إلى
المغرب، وهذا هو طول الأرض وهو أكبر خط في الكرة ". ص 8
وقال أبو محمد ابن حزم رحمه الله ( متوفى: 456هـ.)
: " مطلب بيان كروية الأرض :
قال أبو محمد وهذا حين نأخذ إن شاء الله تعالى في ذكر بعض ما اعترضوا به ،
وذلك أنهم قالوا : إن البراهين قد صحت بأن الأرض كروية ، والعامة تقول غير
ذلك ، وجوابنا وبالله تعالى التوفيق : أن أحداً من أئمة المسلمين المستحقين
لاسم الإمامة بالعلم رضي الله عنهم لم ينكروا تكوير الأرض ، ولا يحفظ لأحد
منهم في دفعه كلمة ، بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها ... "
وساق جملة من الأدلة على ذلك "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (2/78) .
إننا بحاجة لنشر المذهب الحق وترك المذاهب البدعية التي نشرت بالقوة
والقمع، قال المقريزي الشافعي أنَّ سبب انتشار المذهب الأشعري هو حمل
السلاطين له بقوة السيف والسجن والتنكيل بمن يخالفه، ثم قال: “فكان هذا هو
السبب في اشتهار مذهب الأشعري وانتشاره في أمصار الإسلام، بحيث نُسي غيره
من المذاهب وجُهل؛ حتى لم يبق اليوم مذهب يُخالفه، إلا أن يكون مذهب
الحنابلة أتباع الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه،
فإنهم كانوا على ما كان عليه السلف، لا يرون تأويل ما ورد من الصفات”
المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (4/ 192).
قال الإمام اللالكائي رحمه الله:
"مقالة أهل البدع لم تظهر إلا بسلطان قاهر، أو بشيطان معاند فاجر، يضل
الناس خُفيًا ببدعته، أو يقهر ذاك بسيفه وسلطانه، أو يستميل القلوب بماله
ليضله عن سبيل الله؛ حمية لبدعته، وذبًّا عن ضلالته، ليردَّ المسلمين على
أعقابهم، ويفتنهم عن أديناهم، بعد أن استجابوا لله وللرسول".
الله اهتد كل من ضل من ظلمات البدعة والجهل إلى نور الحق والعلم.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه
أجمعين.