|
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ،
وعلى مَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين . أما بعد :
فهذه قصيدة حول استهانة أهل هذا الجيل بِذِكْر اللهِ الْمَلِك الجليل - جلَّ
جلاله - ؛ وقد ألْحقناها في القسم الثاني من كتابنا الجديد ( بيان الأدلة
النقلية والعقلية في الفرق بين الرُّقية الشرعية والرقية التجارية ، وبيان وجوب
تعظيم واحترام ذِكر الله - عَزَّ وجل - ) ، وقد تكلَّمْنا فيه عن فظاعة ما يحصل
في زماننا من الاستهانة بِذِكر الله تعالى ، مع ذِكْرِ أمثلةٍ تُبين ذلك ،
وذِكر بعض قصص السلف في تعظيمهم ذِكْرَ الله - عزَّ وَجل - ، وبيان أنَّ التعلق
بالدنيا والغفلة عن الآخرة من أعظم أسباب الاستهانـة بِذكر الله تعالى .. ولا
شك أنَّ مِن عَلاَماتِ الإيمانِ بالله - جلَّ وعَلاَ - وتعظيمِهِ وإجلالِهِ
وتوقيرِهِ عدم الاستهانة بذِكْره ، والإنكار على مَن يستهين بذلك ، ورَفْع
الأوراق التي لا تخلو عـادةً من ذِكره إذا وُجِدَت ساقطة على الأرض ومُهَانة في
الأسواق والزبائل وحَرْقها أوْ دَفْنها في مكانٍ نَظِيف (1) ؛ وتعظيمُ اللهِ
وذِكْرِه من علاماتِ توفيق الله لعبده ..
رَانٌ عَلَى القَلْبِ قَدْ صِرْنَا بِظُلْمَتِـهِ *** كَمَنْ يَسِيِرُ بِلَيْلٍ
حَالِكِ الظُّلَمِ
نَرَى العَظَـائِمَ لاَ جُرْحٌ يُؤَلِّمُـنَـا **** وَكَـثْرَةُ الْمَـسِّ
تُخْفِي شِدَّةَ الأَلَمِ
مِنَ العَظَائِمِ - إِنْ تَسْأَلْ - إِهَانَتُـنَا *** ذِكْرَ العَظِيـمِ مِنَ
الأَسْمَاءِ وَالكَلِـمِ
وَقَوْلَ أَشْـرَفِ خَلْقِ اللهِ قَاطِـبَةً *** ( مُحَمَّـدٍ ) أَعْظَمِ
الآلاَءِ وَالـنِّعَـمِ
أَحْوَالُ سُـوءٍ بَدَتْ فِيـنَا عَلاَنِيَـةً *** وَمُظْهِرُ السُّـوءِ
عُقْبَـاهُ إِلَى الـنَّدَمِ
نَعَـوذُ بِاللهِ مِنْ حَـالٍ عَوَاقِـبُهَاً *** حُلُولُ سُخْـطٍ مِنَ
الْجَبَّـارِ مُنْتَقِمِ
كَأَنَّ ذِكْرَ إِلَـهِ العَرْشِ سَاقِطَةًٌ *** مِنَ الْمَتَاعِ (2)
وَشَيْءٌ غَيْرُ مُحْتَرَمِ
فَلاَ تَحِـلُّ بِـأَرْضٍ أَوْ تَسِيِـرُ بِهَاً *** إلاَّ رَأَيْتَ مِنَ
الآيَاتِ وَالْحِكَمِ
جَرَائِـدُ الوَقْتِ لاَ تَخْلُو صَحَائِفُهَـاً *** وَفِي الدُّرُوسِ خَلِيطٌ
غَيْرُ مُـنْسَجِمِ
كَذَلِكَ الإِسْمُ تَعْبِيداً لِخَالِـقِـنَـاً *** بَيْـنَ القَمَائِـمِ أَوْ
يُلْقَى عَلَى الرَّغَمِ
مَعَ التَّصَاوِيرِ آيَاتُ الْجَلِيلِ تُرَىً *** كَذَا الْحَدِيثُ وَمَا
هَذَا بِمُلْتَئِمِ
وَمَا تَشَاءُ مِنَ الأَوْرَاقِ مُـمْـتَـهَنً *** اسْـمُ الْجَلاَلَةِ
فِيهَا غَيْرُ مُحْـتَشَمِ
حَفَائِظُ الطِّفْلِ لاَ تَخْفَى نَجَـاسَتُهَـاً *** تُخَالِطُ الذِّكْـرَ
وَالغَيْرَاتُ فِي عَـدَمِ
وَأَسْوَأُ السُّـوءِ أَنْ نُوُلِي إِهَانَـتَـنَاً *** لِلْمُسْتَحِـقِّ
عَلَيْـنَـا غَايَةَ الكَرَمِ
قَدْ كَانَ إِشْفَاقُـنَا فِيمَا مَضَى حَـزَناً *** أَنْ يَسْـتَخِفَّ
رَعَاعُ النَّاسِ بِالنِّعَمِ (3)
وَلَـيْسَ هَذَا صَغِيِراً يُسْـتَهَانُ بِهً *** لَكِنَّهُ زَمَنٌ قَدْ
حَيَّرَ الفَهِمِ
مَعَ النَّجَاسَةِ تَلْقَاهَا مُبَعْثَرَةًً *** فَجَاءَ أَعْظَمُ مِمَّا
دَارَ فِي الوَهَمِ
حَيْثُ اسْـتُخِفَّ بِأَذْكَارِ الْجَلِيلِ وَمَاً *** جُـرْحٌ سَيُؤْلِمُ
مَنْ قَدْ مَاتَ بِالأَلَـمِ
بِلاَ ارْتِيَابٍ تَجَاوَزْنَا الْحُدُودَ وَمَاً *** بَيْـنَ العِبَـادِ
وَبَيْنَ الرَّبِ مِنْ رَحِمِ
إِنَّـا نَخَافُ عُـقُوبَاتٍ مُعَجَّـلَـةًٍ *** نَعَـضُّ مِنْـهُنَّ
أَيْـدِيـنَا مِنَ النَّدَمِ
فَسُـنَّـةُ اللهِ لاَ تَـبْدِيـلَ غَيَّرَهَا ً *** مِنْ عَصْرِ ( آدَمَ )
حَتَّى آخِرِ الأُمَمِ
نَعْصِي الإِلَـهَ وَنَرْجُو خُلْفَ مَوْعِدِهِ ً *** هَذَا الغُرُورُ ،
وَعَيْنُ اللهِ لَمْ تَنَمِ
صَلَّى الإِلَهُ عَلَى مَنْ جَاءَ يُرْشِـدُنَـا ً *** لِكُلِّ رُشْدٍ
وَيَجْلُو غَيْهَبَ الظُّلَمِ
بريدة - شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّم / 1418هـ
----------------------------------------------------
(1) قال البيهقي - رحمه الله - في « شُعَب الإيمان » ( 2 / 227 ) : ( وفي
تعظيم الله - عز وجل - وتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لاَ
يَحْمِل على مُصْحَف القرآن ولاَ على جوامع السُّنن كتاباً ولا شيئاً من مَتاع
البيت ، وأن ينفض الغبارَ عنه إذا أصابه ، ولاَ يَمْسَح أحَدٌ يدَه مِن طعامٍ
ولا غيره بورقة فيها ذكر الله تعالى أو ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا يُمزقها تمزيقاً ، ولكن إن أراد به تعطيلها فليغسلها بالماء حتى تذهب
الكتابة منها وإن أحْرَقَها بالنار فلا بأس ؛ حَرَّق عُثمان - رضي الله عنه -
مصاحفَ كانت فيها آيات وقرآن منسوخة ولَم يُنكر ذلك عليه أحَدٌ ؛ والله أعلم )
انتهى .
(2) « سِقْطُ الْمَتاع » يُوصَف به ما يُستهانُ به .
(3) مثل التمر والخبز وغير ذلك من نِعَم الله تعالى .