|
فوائد من المجلد الأول :
=================
1 ـ قال
تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا
نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) فـ ( أنا ) هنا ضمير . فعلى
هذا نقول : ( أنا ) و ( هو ) في قوله : ( لا
إله إلا أنا ) وقوله : ( لا إله إلا هو
) كلاهما ضمير رفع منفصل . فكما أن الذاكر لا يجعل ( أنا ) اسماً
لله ، فلا يجوز أن يجعل ( هو ) اسماً لله ، وبهذا نعرف بطلان ذكر الصوفية
الذين يذكرون الله بلفظ : هو هو . ويرون أن هذا الذكر أفضل الأذكار ، وهو
ذكر باطل . ص7 .
2 ـ قال
تعالى : ( والله عزيز ذو انتقام ) عزيز
: أي : ذو العزة ، وهي ثلاثة أصناف :
أ . عزة القدر
ب . عزة القهر
ج. عزة الامتناع .
عزة القدر :
بمعنى أن الله ذو قدر شريف عظيم ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (
السيد الله ) هذه عزة القدر .
عزة القهر :
بمعنى أنه القاهر لكل شيء ، لا يُغلب ، بل هو الغالب . قال تعالى :
(وهو القاهر فوق عباده ) .
عزة الامتناع
: أي : أنه عز وجل يمتنع أن يناله سوء أو نقص ، ومن هذا المعنى قولهم : هذه
أرض عزاز ، أي : صلبة قوية لا تؤثر فيها المعاول . ص15 ـ 16 .
3 ـ قال
تعالى : ( والله عزيز ذو انتقام ) هنا
قال : ( ذو انتقام ) ولم يقل ( ذو الانتقام ) . وفي الرحمة قال :
( وربك الغفور ذو الرحمة ) ولم يقل : (
ذو رحمة) وإن كان قد قال في آية أخرى : ( وإن
ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ) لأن
الانتقام ليس
من أوصاف الله المطلقة ، وليس من أسماء الله المنتقم . فـ (المنتقم) لا
يوصف الله به إلا مقيداً ؛ فيقال :
المنتقم من
المجرمين ، كما قال تعالى : ( إنا من المجرمين
منتقمون ) أما ( ذو انتقام ) فهي لا تعطي معنى الانتقام المطلق ؛
لأن ( انتقام ) نكرة ، فلا تعطي المعنى على الإطلاق ، بل له انتقام مقيد
بالمجرمين ونحوهم .
وبهذا نعرف أن الأسماء المسرودة في الحديث الذي رواه
الترمذي لا تصح عن النبي ، لأنها ذُكر فيها من أسماء الله المنتقم ، وهذا
لا يصح ، وحُذِف من أسماء الله ما ثبت به الأحاديث فلم يُذكر فيها مثل :
الشافي ، والرب
. ص16 .
4 ـ القلب
هو هذا الجزء المستقر في الصدر ، لقول الله تعالى :
( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب
التي في الصدور ) وبهذا القلب يكون العقل ؛ لقوله تعالى :
( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون
بها ) ، وبناء على هذه الأدلة يتبين أن العقل في القلب وليس في
الدماغ ..
والعلماء اختلفوا قديماً وحديثاً ، هل العقل في الدماغ أو
العقل في القلب ؟
والذي دل
عليه القرآن أنه في القلب ، والقرآن كلام الخالق ، والخالق أعلم بما خلق .
فالعقل بالقلب لكن عقل القلب هو عقل التصرف والتدبير ، ليس عقل الإدراك
والتصور ، فإن عقل الإدراك والتصور يكون في المخ . فالمخ يتصور ويعقل ، وهو
بمنزلة المترجم للقلب يشرح ما يريد رفعه إلى القلب ، ثم يرفعه إلى القلب ،
ثم يصدر القلب الأوامر ، والذي يبلغ الأوامر الدماغ . ولهذا تنشط العضلات
كلها بنشاط الدماغ ، فصارت المسألة سلسلة ، والذي يتصور ويدرك وفيه عقل
الإدراك هو الدماغ ، وأما عقل التصرف والتدبير والرشاد والفساد فهو عقل
القلب . وحينئذ يزول الإشكال ، و تجتمع الأدلة الحسية والشرعية ، فالعقل
الإدراكي محله هو الدماغ ، والعقل التصرفي الإرشادي الذي به الرشاد والفساد
هو القلب . ص51 .
5 ـ
الإنسان مهما بلغ من الصدق فإن
عرضه الأمثال الواقعة تجعل كلامه حق اليقين . والمراتب ثلاثة :
علم اليقين ،
وعين اليقين ، وحق اليقين .
علم اليقين : هو خبره الصادق .
عين اليقين : ما تراه بعينك مشاهداً .
حق اليقين : ما تدركه بحسك .
فإذا قال لك
قائل : في جيبي تفاحة ، وهو رجل صادق ، فالذي أدركت من وجود التفاحة علم
اليقين ، فإذا أخرجها ونظرت إليها فهذا عين اليقين ، فإذا أكلتها فهو حق
اليقين ، لأن هذا هو الواقع . ص82 .
6 ـ
هنا ننبه أن كثيراً من الكُتّاب اليوم إذا تكلموا
عن اليهودية والنصرانية والإسلام ، يقولون : هذه الأديان السماوية .
فيظن السامع
أن دين اليهود قائم ، وأن دين النصارى قائم ، كقيام دين الإسلام . وهذا لا
يصح ، فإن هذه الأديان أديان سماوية بلا شك ، لكنها حرفت ، وبدلت ، وغيرت
ونسخت ببعثة محمد فليست ديناً يرتضيه الله اليوم ، بل المتمسكون بها كفار ،
لا يعدون من المسلمين . ص124 .
7 ـ قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ( الساعي على
الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ) المسكين : كل من لا يكتسب
، حتى ولو كان من أولادك ؛ فلو أنت غني ، وولدك لا يكتسب فهو مسكين ، فأنت
إذا سعيت عليه كالمجاهد في سبيل الله ، قال :
وأحسبه قال :
( كالصائم لا يفطر ، وكالقائم لا يفتر )
. ص166 .
8 ـ الإنسان
الذي هداه الله للإسلام ليس أحد من الناس مثله في النعمة إلا من أنعم عليه
بها . فأنت في الحقيقة تحب الله نفسه لذاته ولما أنعم عليك به من النعم ،
وليست محبة الله كمحبة الزوجة أو كمحبة الطعام ، أو كمحبة الشراب ، أو
كمحبة
اللباس ، أو
كمحبة السكن ، أو كمحبة السيارة ؛ كلا فإن محبة الله لا يشبهها شيء ، وجرب
تجد ، اجعل قلبك صافياً يوماً من الدهر وصلّ وكن متصلاً بالله في صلاتك تجد
شيئاً لا يخطر بالبال ، وتجد شيئاً يبقى أثره مدة طويلة وأنت تتذكر تلك
اللحظة التي كنت فيها متصلاً بربك . ص195 .
9 ـ قال
تعالى في شأن مريم عليها السلام :
( فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من
القانتين ) ..
تأمل أنه قال
: من القانتين ، ولم يقل : من القانتات ؛ لأنه كما جاء في الحديث :
(كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا
قليل) ص221 .
10 ـ المحراب
مفعال من الحرب ، وهو مكان العبادة ، وليس المحراب هو طاق القبلة كما هو
عند الناس ، ورأيت في بعض المساجد مكتوب على طاق القبلة على القوس
( كلما دخل عليها زكريا المحراب )
يجعلون الإمام مريم وهم لا يشعرون ، ويخطئون أيضاً في المعنى ؛ لأن المحراب
مكان العبادة سواء كان طاقاً أو مربعاً أو حجرة ، ولهذا قال الله تعالى في
قصة داود : ( إذ تسوروا المحراب) وسمّي
بذلك لأن المتعبد فيه يحارب الشيطان . ص223 .
11 ـ قال
تعالى : ( فلما وضعتها
قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني
سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) .
يستفاد من
هذه الآية تسمية المولود حين يولد ؛ لقولها :
( وإني سميتها مريم ) وهذا هو السنة ، أن يسمى الإنسان حين يولد إلا
إذا لم يتهيأ الاسم فإنه يسمى في اليوم السابع ، وبهذا تجتمع الأدلة ، فإن
النبي صلى الله عليه وسلم لما ولد إبراهيم قال :
( ولد لي الليلة ولد وسميته
إبراهيم ) .
وفي حديث
العقيقة قال : ( تذبح يوم سابعه ، ويحلق ويسمى
) فيكون الجمع أن من كان مهيأ الاسم قبل الولادة فالأفضل أن يسميه
حال الولادة ، ومن لم يهيأ فالأفضل أن يؤجله إلى اليوم السابع . ص229
12 ـ قال
تعالى : ( فنادته
الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقاً بكلمة من
الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين ) .
( حصوراً )
فعول بمعنى فاعل أي حاصراً نفسه عن أراذل الأخلاق ، فيكون هذا المبشر به
موصوفاً بصفات الكمال الدال عليها قوله : ( سيداً ) ومبرأً من النقص وسوء
الأخلاق الدال عليه قوله : ( حصوراً ) فيكون جمع له بين النفي والإثبات ،
وذلك لأن
الإنسان لا يكمل إلا بوجود صفات الكمال وانتفاء صفات النقص ، وهو أمر نسبي
.
وأما من قال من المفسرين :
إن الحصور هو
الممنوع عن إتيان النساء يعني لا يستطيع على النساء ؛ فإن في هذا نظراً
واضحاً ؛ لأن عدم قدرة الإنسان على النساء ليس كمالاً إذ أن ذلك ليس منه
بتخلق ولكنه عيب .وفيها قول آخر : أنه لا يأتي من النساء من لا تحل له
فيكون وصفاً له بكمال العفة ، وهذا يمدح عليه الإنسان . لكن ما قلناه أشمل
من هذا القول . ومعلوم أنه إذا وجد معنى أشمل فهو مقدم على المعنى الأقل ؛
لأن الأقل داخل في الأشمل لا العكس .ص235 .
13 ـ قال
تعالى : ( هنالك دعا
زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ) .
في هذه الآية
دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يسأل مطلق الذرية ؛ لأن الذرية قد يكونون
نكداً وفتنة ، وإنما يسأل الذرية الطيبة . ص238 .
14 ـ قال
تعالى : ( وإذ قالت
الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين * يا
مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ) .
في الآية
بيان أنه كلما منّ الله على إنسان بشيء كانت مطالبته بالعبادة أكثر ؛ لأن
الملائكة لما قالت : ( إن الله اصطفاك وطهرك
واصطفاك على نساء العالمين ) ، أمرتها بالقنوت والسجود والركوع ،
فدل هذا على أنه ينبغي للإنسان كلما ازدادت عليه نعم الله أن يزداد على ذلك
شكراً بالقنوت لله والركوع والسجود وسائر العبادات . ص260 .
15 ـ قال
تعالى في شأن زكريا عليه السلام وابنه يحيى :
( قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله
يفعل ما يشاء ) وقال تعالى في شأن مريم وابنها عيسى :
( قالت رب أنّى يكون لي ولد
ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء ) .
عبر في قصة مريم بالخلق وفي قصة زكريا بالفعل ( يفعل ) ،
فهل هناك نكتة أو أنه اختلاف تعبير ؟..
الجواب : أن
هناك نكتة ، وهي من وجهين :الوجه الأول : مما قاله العلماء وهو صحيح أن
عيسى عليه الصلاة والسلام خلق من غير ما جرت العادة به ، خلق على وجه لم
تجر العادة بمثله إطلاقاً ، فناسب التعبير بالخلق الدال على الإبداع ،
ولهذا يقال : خلق الله السماوات ، ولا يقال : فعل الله السماوات ، مع أن
الخلق فعله لكن الخلق فيه نوع من الإبداع ولذلك قال : ( خلق ) . الوجه
الثاني : الرد على شبه النصارى الذين يقولون : إن عيسى هو الله ، والله
ثالث ثلاثة ، فيكون فيه التصريح بأنه مخلوق ، ويكون هذا قطعاً لدابر قولهم
فيه ، إذن نكتة كونية ونكتة شرعية يعني حكمة كونية شرعية . ص280 .
16 ـ قال
تعالى في بيان معجزات عيسى عليه السلام : (
وإذ تخرج الموتى بإذني) في هذه الآية إشكال ، وهو أن الله تعالى قال
لعبدالله بن حرام (( بعد أن استشهد وطلب الرجوع للدنيا )) :
( إني قضيت أنهم إليها لا يرجعون ) ،
وهنا ذكر أنه أحيا الموتى لعيسى في الدنيا ، الظاهر والله أعلم أن يقال :
إن عبد الله بن حرام طلب الرجوع من أجل العمل ، وأما ما وقع آية لعيسى
فليسوا يرجعون على أنهم يعملون ، على أن المسألة فيها أيضاً نظر من جهة
أخرى ؛ لأن الله تعالى لما أخذت الصاعقة أصحاب موسى الذين كانوا معه دعا
الله عز وجل فبعثهم من بعد موتهم وبقوا وعملوا . فيكون المراد ـ والله أعلم
ـ أنه إذا لم يكن هناك سبب مثل أن تكون آية فهذا لا مانع ، أما عبدالله بن
حرام فليس هناك سبب . ص289 .
17 ـ قال
تعالى : ( بل هو آيات بينات في صدور الذين
أوتوا العلم ) آيات عظيمة ، فآياته كثيرة كل آية فيها عدة آيات ،
ولكن لا يفهم هذه الآيات إلا من فتح الله له قلبه بالإيمان والعمل ، واعتقد
أن هذا القرآن كلام الله وأن فيه آيات بينات ، أما الذي تمر عليه مثل هذه
الجملة من الآيات مر الكرام ، ولا يتحرك بها قلبه ، ولا يتأمل هذه الآيات ؛
فإنه لا ينتفع بما في القرآن من الآيات ، لابد أن تؤمن بأن فيه آيات وأن
تحاول استخراج هذه الآيات بالتدبر ، والإنسان إذا تدبر القرآن وجد فيه آيات
عظيمة لا يحصيها البشر . ص349 .
18 ـ قال
تعالى : ( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب
والحكم والنبوة ) البشر هو الإنسان من بني آدم ، وسمي بشراً لظهور
بشرته . فإن بشرة الإنسان ظاهرة بارزة ليس عليها شعر ولا صوف ولا وبر ولا
ريش ولا زعانف بادية .
وقيل : سمي
بشراً لظهور أثر البشارة عليه فيما إذا أخبر بما يسره ، ولا مانع من أن
يكون سمي بشراً لهذا ولهذا ، والحكمة من أن الله جعل الآدمي بارز البشرة
ليعلم الآدمي أنه مفتقر إلى اللباس الحسي ، فينتقل من ذلك إلى العلم بأنه
مفتقر إلى اللباس المعنوي وهو التقوى . وأنه بحاجة إلى أن يعمل الأسباب
التي تستره معنى كما هو يعمل الأسباب التي تستره حساً . ص450 ـ 451 .
19 ـ قال
تعالى : ( قل ءامنا
بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب
والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن
له مسلمون ) .
الخطاب في
هذه الآية للنبي . والخطاب للنبي خطاب له وللأمة ، ما لم يقم دليل على
أنه خاص به .
والمتأمل في الخطاب الموجه للنبي يتبين له أنه على ثلاثة
أقسام :
قسم دل
الدليل على أنه خاص به فهو له ، يختص به ، مثل قوله تعالى :
( إنا نحن نزلنا عليك القرآن
تنزيلا ) ، وقوله : ( ألم نشرح لك صدرك ) .
وأما ما دل
الدليل على العموم ، فهو على العموم ، مثل قوله تعالى :
( يا أيها النبي إذا طلقتم
النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة ) .
وما سوى ذلك
فإنه يكون عاماً له وللأمة ، لكن وجه الخطاب إليه باعتباره الإمام لأمته
عليه الصلاة والسلام . والخطاب الموجه للإمام موجه له ولمن كان مؤتماً به .
ص482 ـ 483 .
20 ـ
اعلم أن شريعتنا في الأحكام
بالنسبة لمن سبق على ثلاثة أقسام :
القسم الأول :
ما وردت
شريعتنا بخلافه فهذا لا نعمل به ؛ لأن شريعتنا ناسخة لجميع الأديان ، مثال
ذلك : القصاص في النفس والأطراف كان في التوراة واجباً مفروضاً ، ولا عفو ،
لكن في الشريعة الإسلامية كان مخيراً فيه ، فنتبع القرآن .
القسم الثاني :
ما ورد شرعنا
بوفاقه فإننا نعمل به اتباعاً لشريعتنا المصدقة لما سبق من الشرائع ، ولا
نخالفه ، وهذا كثير ، مثل الطيبات ، أحل الله الطيبات لنا ولغيرنا ، لكن
حرم على بني إسرائيل بعض الطيبات بسبب ظلمهم .
القسم الثالث :
ما لم يرد في
شرعنا له وفاق ولا خلاف . هذا محل نزاع بين أهل العلم ، وبحثه موجود في
أصول الفقه ، فمن العلماء من قال : إنه شرع لنا ، ومنهم من قال : إنه ليس
بشرع ، والصحيح أنه شرع لنا ، لدلالة شرعنا عليه . قال الله تعالى :
( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) .
وقال تعالى :
( شرع لكم من الدين ما
وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك )
وقال تعالى :
( لقد كان في قصصهم
عبرة لأولى الألباب ) .
وكذلك النبي
أحياناً كان يسند الحكم أنه فعله أخي فلان من الأنبياء ، وما أشبه ذلك ،
والمعنى يقتضي ذلك أيضاً ، لأنه لولا أن لنا فائدة من قصص الأنبياء
السابقين ـ ومن الفوائد أن نعتبر ونعمل بما عملوا ـ لم يكن لذكر هذه القصص
من الفائدة كثير . ص491 ـ 492 .
21 ـ إن
المؤمن إذا تعارض عنده أمر الله وأمر الخلق قدم أمر الله مهما كان الآمر ،
حتى أبوك وأمك لو أمراك بخلاف أمر الله فقدم أمر الله .
لو قالت لك
أمك : يا بني لا تخرج لصلاة الفجر ، فالمسجد بعيد ، ويخشى عليك من كلب ، لا
تذهب فلا تُطاع . ولو قال لك أبوك : يا بني لا تطلب العلم ، فهل الإنسان
يمتثل أمر أبيه في هذه الحال ؟ لا . ومن أحسن ما رأيتُ في هذا الموضوع ما
قاله شيخ الإسلام رحمه الله : ( إنه لا تجب
طاعة الوالدين في ترك أمر ينفعك ولا يضرهما ) .
هذا كلام جيد
يكتب بماء الذهب ، فكل شيء ينفعك ولا يضر والديك فإنه لا تجب طاعتهما فيه .
كما لو طلبت العلم . ولا يرد على هذا مسألة الجهاد ـ أن بر الوالدين أفضل
من الجهاد ـ لأن الجهاد فيه تعريض للنفس بالقتل ، والقتل يقلق راحة
الوالدين . ص493 ـ 494 .
22 ـ هذا
الدين الإسلامي ليس فيه عصبية ، ولا يجوز أن يتخذ الإسلام منه عصبية ؛
لقوله تعالى : ( لا نفرق بين أحد منهم )
بخلاف ما يسلكه بنو إسرائيل حيث لا يؤمنون إلا بما جاء عن أنبيائهم
فقط . أما الدين الإسلامي فـ
( لا نفرق بين أحد منهم ) ..
كلهم عندنا
رسل الله ، لكن نفرق في العبادات ، لا نتعبد إلا بما أُمرنا بالتعبد به ، و
يذكر أن شخصاً حاج عالماً من علماء المسلمين ، فقال له : لماذا تُجيزون
لأنفسكم أن تتزوجوا ببناتنا ، ولا تُجيزون لنا أن نتزوج ببناتكم ، فقال له
العالم :
لأننا نؤمن
برسولكم ولا تؤمنون برسولنا ، فألقمه حجراً . ص495 .
23 ـ قال
تعالى : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما
تحبون ) ، ولهذا ينبغي للإنسان أن يتأول هذه الآية ولو مرة واحدة ،
إذا أعجبه شيء من ماله فليتصدق به لعله ينال هذا البر . ص 526 .
24 ـ تقدم
المكان في العبادة له أثر في تفضيله ؛ لقوله تعالى :
( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة ) .
وهذا يراد به التفضيل ، ولهذا قال العلماء
:
إن المسجد
الأسبق في إقامة الجماعة فيه أفضل من المسجد الحديث . فإذا كان حول الإنسان
مسجدان الأول قديم ، والآخر جديد ، ولم يتميز أحدهما عن الآخر بفضيلة أخرى
، فإن القديم أفضل من الجديد لسبقه من العبادة فيه . ص556 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فوائد من المجلد الثاني :
==================
1 ـ قال
تعالى : ( ولتكن منكم
أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون
* ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد جاءهم البينات ) .
قوله : (
كالذين تفرقوا ) : أتى بها بعد قوله : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر )
لأن الأمة
إذا تركت الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا بد أن
تتفرق ؛ لأنه لا يكون لهم في هذه الحال كلمة جامعة ، كل واحد يعمل على هواه
لأنه ما يُدعى إلى الخير ، والنفوس لها نزعات متباينة مختلفة ، وكذلك أيضاً
إذا لم يكن أمر بمعروف ولا نهي عن منكر تفرق الناس ولا بد ؛ لأن هذا يريد
الزنا ، وهذا يريد شرب الخمر ، وهذا يريد السرقة ، وهذا يريد أشياء غير
الأولى فيحصل التفرق ، فإذا أمروا بالمعروف صاروا كلهم على المعروف ، وإذا
نهوا عن المنكر صاروا كلهم على ترك المنكر . ص8 ـ 9 .
2 ـ من أحسن
ما أُلف في الجمع بين الآيات المتعارضة كتاب محمد الأمين الشنقيطي المسمى
( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب )
وهو كتاب جيد ومفيد لطالب العلم . ص31 .
3 ـ قال عن
اليهود : ( ضربت عليهم
الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءو بغضب من الله
وضربت عليهم المسكنة )
الضارب هو
الله تعالى ، والمسكنة هي الفقر ، فهم أذلاء ليس عندهم شجاعة ، فقراء ليس
عندهم غنى ، ولكن يجب أن نعلم أن الغنى ليس كثرة العرض إنما الغنى غنى
النفس والقلب ، فهؤلاء قد ضربت عليهم المسكنة ، فهم دائماً في فقر حتى ولو
حصّل الإنسان منهم ملايين الملايين فهم في فقر ، ولذلك حتى الآن نجد أن
اليهود أحرص الناس على المال ، وأنهم لا يمكن أن يبذلوا فلساً إلا وهم
يؤملون أن يحصلوا درهماً ، ولا يبذلون درهماً إلا ويؤملون أن يحصلوا
ديناراً ، وهذه حالهم صاروا أغنى العالم إن لم نقل هم أغنى العالم ، لكنهم
أغنى العالم بكثرة العرض لا بالقلب والنفس ، فهم أشد الناس فقراً . ص66 ـ
67 .
4 ـ ذكر الله
تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بهذه الغزوة العظيمة ( أحد ) التي فيها من
الأسرار والحكم ما يتبين به أن ذلك هو عين الصواب وعين الخيرة للمؤمنين ،
وقد ذكر الحافظ ابن القيم ـ رحمة الله عليه ـ في كتابه
( زاد المعاد ) من الحكم في هذه الغزوة
ما لا تجده في أي كتاب آخر ، فتحسن مراجعته فإنه مفيد . ص109 .
5 ـ قال
النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا تثاءب أحدكم
فليكظم ما استطاع ) . ولهذا يجد بعض الناس إذا أراد التثاؤب شدة
عظيمة في منع فتح فمه ، مع أن المشروع أن تكظم ولا تفتح الفم ، وقد ذكر بعض
العلماء شيئاً ييسر لك الكظم ، قال : إذا
أًصابك التثاؤب فعضّ شفتك السفلى . ص172 .
6 ـ قال
تعالى : ( إن يمسسكم
قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله
الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ) .
قوله : ( لا
يحب الظالمين ) قد يبدو غريباً على القارئ مناسبة هذه الجملة لما قبلها
( ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين )
كيف هذا ؟..
فيقال : الجواب من وجهين :
الوجه الأول
: أن المراد بقوله : ( والله لا يحب الظالمين
) بيان أن الذين تخلفوا عن غزوة أحد ، وهم مقدار ثلث الجيش لم يكن
منهم شهيد ؛ لأنهم نجوا بأنفسهم ، فلكونهم ظلمة لم يتخذ الله منهم شهداء ،
فيكون ذلك تنديداً بالذين تخلفوا ورجعوا من أثناء الطريق ، وهم عبدالله بن
أبي ومن تبعه من المنافقين ، فكأنه قال : اتخذ منكم أيها الصفوة شهداء ولم
يتخذ من أولئك الذين نكصوا على أعقابهم ؛ لأن هؤلاء ظلمة والله لا يحبهم .
الوجه الثاني
: أن الذين قتلوا في أحد ؛ قتلوا على أيدي المشركين ، والمشركون هم
الظالمون كما قال تعالى : ( إن الشرك لظلم
عظيم ) فهل انتصار الظالمين في أحد ، واستشهاد من استشهد من
المسلمين في أحد لأن الله يحب الظالمين ، ويكره المؤمنين ؟ لا !
إذن
( والله لا يحب الظالمين ) لئلا يظن
ظان أن انتصار المشركين في تلك الغزوة من محبة الله لهم ، فبيّن الله عز
وجل أنه لا يحب الظالمين . ص224 .
7 ـ قال
تعالى : ( وما محمد إلا
رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل )
في هذه الآية
جواز موت الرسول وإمكان قتله ؛ لقوله : ( أفإن مات أو قتل ) فإن قال قائل
: يشكل على هذا أن الله قد قال في الشهداء : (
ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون )
وقال : ( ولا
تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ) .
فإذا كان هذا
في الشهداء فيكف يكون الرسول ميتاً مع أنه أفضل من الشهداء ؟
الجواب عن ذلك أن نقول :
إن الحياة
حياتان :
حياة دنيوية
جسدية وهي حياة الدنيا ..
وحياة برزخية
ليست كحياة الدنيا ، فهذه هي التي تثبت للشهداء .
والأنبياء
أفضل من الشهداء حيث حرم الله على الأرض أن تأكل أجسادهم ، وأما الشهداء
فقد تأكل الأرض أجسادهم ، فالأنبياء أجسادهم باقية وحياتهم البرزخية أكمل
من حياة الشهداء بلا شك . ص243 .
8 ـ الله عز
وجل ناصر لأوليائه ؛ لقوله تعالى : ( وهو خير
الناصرين ) وهذا من ولايته .
فإن قال قائل : كيف نجيب عما أخبر الله به في كتابه أن من
الناس من قتل الأنبياء بغير حق ؟ فالجواب عن هذا من أحد وجهين :
الوجه الأول
: أن المراد بالنصر أو الوعد بالنصر لمن أمر بالجهاد ، فإن الله ينصره ؛
لأن الله لا يكلفه بشيء إلا والعاقبة له فيه ، وأما الذين قتلوا من
الأنبياء فلم يؤمروا بالجهاد .
الوجه الثاني
: أن نقول : إن النصر نوعان :
أ. نصر شخص معين بمعنى أن الإنسان يدركه بشخصه .
ب. نصر معنوي بمعنى أن الله ينصر من جاء بهذا ولو بعد موته
.
ولهذا نجد
أقوال الأئمة ـ أئمة المسلمين ـ كأنهم أحياء بيننا ، أقوالهم حية فكأنهم
أحياء ، إذا أخذت كتاباً لعالم من العلماء وقرأته وانتفعت به فكأنما درّسك
هذا العالم ، إذن هذا نصر ، نصر لمبدئه وهدفه ودعوته .
وجه ثالث
أيضاً : أن نوزع النصر على الزمن ، فنقول : إن النصر قد يكون في الدنيا وقد
يكون في الآخرة ، والذين قتلوا من الأنبياء سوف يكون نصرهم في الآخرة عندما
يختصمون مع أقوامهم ، فإن أهل الحق وأهل الباطل يوم القيامة يختصمون عند
الله ؛ يختصمون فيقضى بينهم فيما هم فيه يختلفون . فلا تظنوا أن الخلاف
الذي يقع بين أهل الحق وأهل الباطل ينتهي بالدنيا ، كلا ، سوف يحكم الله
بينهم يوم القيامة وينصر أهل الحق ( لن تنفعكم
أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم ) ، ( إلى الله مرجعكم جميعاً
فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) ، والآيات متعددة تدل على هذا
( إنك ميت وإنهم ميتون * ثم إنكم يوم القيامة
عند ربكم تختصمون) ، إذن إذا حكم الله لأهل الحق على أهل الباطل يوم
القيامة فهذا نصر . ص290 ـ292 .
9 ـ المعصية
بعد النعمة أشد من المعصية قبل النعمة ؛ لقوله تعالى :
( وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون )
وإلا لكان يقول : ( وعصيتم ) فقط ، لكن كون المعصية تقع بعد أن أراهم الله
ما يحبون هذه أعظم ، أعظم مما إذا لم يكن الله قد أراهم ما يحبون . ص313 .
10 ـ قال
تعالى : ( ثم أنزل
عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم
يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ) .
إن الإنسان
الذي لا يكون له هم إلا نفسه في هذه المواطن قد يُبتلى ـ والعياذ بالله ـ
بهذه البلوى العظيمة ، وهي أن يظن بالله غير الحق
( يظنون بالله غير الحق ) . وقد ذكر ابن القيم في
( زاد المعاد ) أنواعاً كثيرة من الظن
بالله غير الحق منها :
أنهم ظنوا أن
هذه الهزيمة لا انتصار بعدها ، وهذا ظن سوء ؛ فكل من ظن أن الله يديل
الباطل على الحق إدالة مستقرة فقد ظن بالله ظن السوء ، ومن أراد أن يرجع
إلى كلام ابن القيم في زاد المعاد فهو كلام جيد لم يوجد لا في كتب التفسير
ولا في كتب التاريخ . ص337 .
11 ـ قال
تعالى : ( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين
كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ) قد يكون في هذه الآية إشارة إلى أن
الشهداء يدفنون في مكان استشهادهم ؛ لقوله : (
لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ) أي في أماكن قتلهم . وهذا
إن لم تفده هذه الآية فقد استفيد من السنة ، فإن قوماً من الصحابة حملوا
قتلاهم في أحد لدفنهم في المدينة فأمر النبي بردهم إلى مصارعهم يدفنون
هناك فدفنوا في أحد . ص338 .
12 ـ التشبه
بالكفار اختلف فيه العلماء ، فذهب أصحاب الإمام أحمد في المشهور عنهم إلى
أن التشبه بالكفار مكروه ، والمكروه عند الفقهاء كراهة تنزيه ، أي يثاب
تاركه امتثالاً ، ولا يعاقب فاعله ، لكن قولهم هذا ضعيف . والصواب أن
التشبه بالكفار حرام ..
ولما ذكر شيخ
الإسلام ابن تيمية حديث : ( من تشبه بقوم فهو
منهم ) في كتابه القيم الذي أشير به على كل طالب علم وهو
( اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ) لما ذكر هذا
الحديث قال : وأقل أحوال هذا الحديث التحريم . ص350 ـ 351
13 ـ
( من بورك له في شيء فليلزمه ) يعني إذا عمل الإنسان عملاً ورأى فيه
البركة والثمرة فليلزمه ، ولنضرب لهذا مثلاً بحال طالب العلم الذي شرع في
دراسة كتاب أو مراجعته ، ووجد فيه خيراً ، ووجد أنه يستفيد وينتفع ، فنقول
له : الزم هذا وأكمله ، ولا تقل : هذا كتاب مختصر قليل ، كمن شرع في مطالعة
كتاب ( زاد المستقنع ) ، ورأى فيه بركة ، وانتفع به ، إلا أنه لم يكمله
وقال لا يكفي هذا ، أريد أن أطالع ( الإنصاف ) ، ثم قال : لا يكفي هذا ،
أريد أن أطالع ( الإنصاف ) ، ثم قال : لا يكفي هذا ، أريد أن أطالع (
المغني ) ، هذه طريقة غير مجدية ، بل إذا بارك الله لك في شيء فالزمه حتى
لا يضيع عليك الوقت .
وهنا مسألة أيضاً قد ترد وهي :
أنه يريد أن
يطالع مسألة في الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ، فيراجع الفهرس حتى يقع
عليها ، ثم يلاحظ مسألة ثانية ، فيذهب ينظر فيها فيضيع عليه الوقت ، ولهذا
كان من حكمة الرسول عليه الصلاة والسلام ، أن يبدأ بالشيء الذي يريده ، لما
دعاه عتبان بن مالك رضي الله عنه ، ليُصلي في مكان بيته يتخذه مصلى ، خرج
النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه ، فلما دخل البيت قال : يا رسول
الله ، قد صنعت لكم طعاماً . قال : ( أين تحب
أن أصلي من بيتك ؟ ) ، سأله قبل الطعام ، لماذا ؟ . لأنه جاء لهذا
الغرض . فابدأ بالغرض الذي أتيت إليه ، فهذه المسألة ينبغي للإنسان أن
يجعلها على باله في تصرفاته في العلم وفي الدنيا أيضاً . وهذه نأخذها من
قوله تعالى : ( فإذا عزمت فتوكل على الله )
. ص373 ـ 374 .
14 ـ الإنسان
إذ عمل العمل وسعى فيه ولم يكمله كتب له أجر كامل ، ولهذا شواهد منها قوله
تعالى : ( ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله
ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ) ، ومنها قوله النبي
صلى الله عليه وسلم : ( إذا مرض العبد أو سافر
كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً ) فالإنسان إذا سعى في العمل
ولكنه لم يدركه فإنه يكتب له أجره كاملاً ، حتى طالب العلم لو مات قبل أن
يدرك ما يريد من العلم فإنه يكتب له ما نوى ؛ لأنه شرع فيه وعمل ما يقدر
عليه فينال الأجر . ص452 .
15 ـ قال
تعالى : ( وأن الله ليس بظلاَّم للعبيد )
وجاء في الحديث : ( لو أن الله عذَّب
أهل سماواته وأرضه ، لعذَّبهم وهو غير ظالم لهم ) .
فلنا في هذا الحديث مخرجان :
الأول : أنه
يعذبهم وهو غير ظالم لهم ، أي لا يُعذبهم إلا لذنب ، فيكون الحديث مطابقاً
للآية.
الثاني : أن
المراد بذلك مناقشة الحساب ؛ لأن الله لو ناقشهم لكانت نعمة واحدة من نعمه
تُحيط بجميع أعمالهم ، فيبقون وليس لهم رصيد .
فإن قال قائل : هذه صفة سلبية كما يقولون ، فهل توجد الصفات
السلبية في صفات الله ؟
فالجواب :
نعم ، ولكن المراد بالصفات السلبية : ثبوت كمال ضدها ، فهو لا يظلم لا
لعجزه عن الظلم ، ولكن لكمال عدله . ص501 ـ 502 .
16 ـ قال
تعالى : ( الذين قالوا
إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد
جاءكم رُسُلٌ من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين )
.
إن قال قائل : لماذا عدل الله عز وجل عن المطالبة بصدق ما
ادَّعوه ؟
قلنا : هذا
من باب موافقة الخصم ، يعني على فرض أن الأمر كما قلتم فقد اعتديتم حتى
فيما جيء به من مطلوبكم ، فاعتديتم على الرسل .
وهنا فائدة وهي : أن من ادعى دعوة فإننا نعامله بمراتب :
المرتبة الأولى : صحة ما قال .
المرتبة الثانية : مخالفته لما قال .
فهنا لم
يُطالبهم الله بصحة ما قالوا من باب موافقة الخصم ، وقولنا من باب موافقة
الخصم أحسن من قولنا من باب التنزل ؛ لأن الذي معنا قرآن ، وإن قلنا :
تنزّل فإنه بناء على العبارة المعروفة عند العلماء .
والمعنى أن
يقول : هب أن الأمر كما قلتم وأنه عهد إليكم ألا تؤمنوا لرسول حتى يأتيكم
بقربان تأكله النار ، فقد جاءكم رسول بقربان تأكله النار ومع ذلك قتلتموه ،
إذن فطلبكم هذه الآية المعيّنة ليس عن صدق ؛ لأنها قد جاءتكم ومع ذلك فقد
كذبتم الرسل وقتلتموهم ، فهنا عدل عن المطالبة بصحة الدعوى ، من باب موافقة
الخصم ، أي أنكم لا تريدون أن تُصدّقوا الرسل ، وإنما تريدون تكذيبهم .
ص503 ـ 504 .
17 ـ قال
تعالى : ( وإن تصبروا
وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً ) .
وهنا فرق بين
الأذية والضرر ، قد يتأذى الإنسان بالشيء ولا يتضرر منه ، ولهذا أثبت الله
أن عباده يؤذونه ، أي من عباده من يؤذيه ، ونفى أن يكون أحد يضره ، فقال
الله تعالى في الحديث القدسي : ( يا عبادي
إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ) . وقال
تعالى في الحديث القدسي : ( يؤذيني ابن آدم ،
يسب الدهر وأنا الدهر ) فأثبت الأذية أيضاً ، أما الضرر فلا . ص518
ـ 519 .
18- التنبيه
على فضيلة العزم في الأمور , لقوله تعالى : (
وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ) وكل ما كان الإنسان
عازما في أموره كان ذلك أنجح له وأحسن . ص523 .
19- المسلم
إذا فرح بما أنعم الله عليه من العمل وأحب أن يحمد بما يفعل لا رياء ولكن
من طبيعة البشر أنه يحب أن يحمده الناس , فإن هذا لا يدخل في الآية ,
فالذي يدخل في الآية
صنفان :
الصنف الأول :
أهل الكتاب
الذين فرحوا بما أتوا من كتمان صفة البني ص وعدم الإيمان به , ويحبون أن
يحمدوا بما لم يفعلوا حيث يتظاهرون للناس بأنه لو جاء الرسول الذي بشر به
عيسى لآمنا به .
والصنف الثاني :
المنافقون ,
فإن المنافقين يفرحون بما أتوا ويقولون : نحن أسلمنا أمام محمد وأصحابه وهم
على العكس من ذلك , ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا من الإخلاص والمحبة
الله ورسوله واتباع رسوله ص . ص530
20- قال
تعالى : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف
الليل والنهار )
اختلاف الليل والنهار على أي وجه من الاختلاف يراد ؟!.
الجواب : أنه
يراد اختلافهما من وجوه شتى :
أولا :
من جهة أن
الليل ظلمة والنهار نور , وهذا من آيات الله .
ثانيا :
كذلك أيضا
اختلافهما من جهة الطول والقصر . أحيانا يطول الليل , وأحيانا يطول النهار
, وأحيانا يتساويان .
ثالثا :
اختلاف الليل
والنهار يدخل فيه اختلافهما حرا وبردا , أحيانا يكون هذا حارا وهذا باردا ,
وأحيانا يتساويان .
رابعا :
ومن ذلك أيضا
اختلافهما في الرخاء والشدة . أحيانا تمر بك الأيام رخاء , وأحيانا تمر بك
الأيام شدة .
خامسا :
من هذه
الآيات : اختلافهما في العز والذل والنصر والخذلان . ص539.
21- حاشية
الخضري على شرح ابن عقيل من أحسن الحواشي التي كتبت على شروح ألفية
(ابن مالك ), لأنه متأخر وجمع أقوال من
سبقه , وله تحرير جيد في بعض الأشياء التي يحررها , فأشير بها على كل من
أراد أن يقرأ ألفية (ابن مالك) وشرحها
(لابن عقيل). فإن هذه الحاشية مفيدة .
ص543 .
22- قال
تعالى : ( لأولي الألباب * الذين يذكرون الله
قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ) فإذا
أثنى على المتفكرين في الخلق , فالمتفكرون في الشرع من باب أولى ؛ لأن
الشرع ليس أمرا محسوسا , فالتفكر فيه أبلغ في الإيمان من التفكر في الخلق .
الخلق أمر محسوس كل إنسان يدركه , لكن حكم وأسرار الشرائع ليس لكل أحد أن
يدركها . ص547 .
23- قوله
تعالى : (فاغفر لنا
ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا ).
السيئات
طلبوا تكفيرها , والذنوب طلبوا مغفرتها ؛ لأن السيئات : هي الصغائر ، وهي
تكفر بالأعمال الصالحة ؛ بالطاعات ، ولا يمكن أن تكفر بالطاعات إلا بعد أن
تكون الطاعات على الوجه الأكمل ؛ لأن الطاعات إذا نقصت لم تقو على تكفير
السيئات . إذ إن الإنسان قد يفعل الطاعة ولا يحصل له منها إلا إبراء الذمة
, لكن لا تقوى على التكفير حتى تكون تامة بقدر المستطاع , ولهذا قالوا :
(وكفر عنا سيئاتنا ) بما نفعله من الأعمال الصالحة .
وهم طلبوا من
الله تكفير الكبائر والصغائر ؛ لأن الكبائر لا تكفر , وإنما تحتاج إلى
مغفرة من الله , إما مجرد فضل منه , وإما بعمل أسباب كالاستغفار والتوبة
حتى ترفع حكم هذه الكبائر .
فإن قال قائل : هل في هذا الدعاء جواز الدعاء بالموت ؟..
الجواب : ليس
كذلك , فمعلوم أن الله لن يتوفاهم إلا إذا جاء أجلهم , وليس فيها أنهم
يتمنون تقديم الوفاة , وهذا نظير قول يوسف عليه الصلاة والسلام :
(أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً
وألحقني بالصالحين ) يوسف :101
ليس المعنى
أنه يسأل الله أن يتوفاه الآن , بل أن يتوفاه على الإسلام متى جاء أجله ,
وكذلك قول مريم : (قالت يا ليتني مت قبل هذا )
ليس معناه أنها تمنت الموت بل تمنت أن هذا لم يقع , يعني معناه نقول
: يا ليتني مت وأنا ما رأيته . ص555 ـ 557 .
24- بيان أن
رسول الله ص بذل الجهد في دعوة الخلق إلى الحق ؛ لأن النداء يكون برفع
الصوت , فكأن الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو الناس بأعلى صوته يناديهم
للإيمان . 557 .
هذا ما تهيأ إعداده وتيسر إيراده من فوائد هذه السورة
الجليلة ..