صيد الفوائد saaid.org
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







العاملون لدين الله: تجليات الرسالة ومقومات الطريق

د. عبدالله بن معيوف الجعيد
@abdullahaljuaid

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي شرف عباده بحمل رسالته، واختار من خلقه رجالًا ونساءً ليكونوا جنوده في الدعوة إليه، والصلاة والسلام على من بُعث رحمةً للعالمين، أما بعد:

فإن من أشرف المقامات وأزكاها وأعلاها، مقامُ العمل لدين الله، مقامٌ يعلو بصاحبه إلى مراتب الأنبياء، ويمضي به في موكب الدعاة والمصلحين، وهو المقام الذي عناه الله بقوله:
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].

أولًا: من هم العاملون لدين الله؟


العاملون لدين الله هم أولئك الذين نذروا أنفسهم لنصرة الحق، وبذلوا أعمارهم في سبيل الدعوة، والتعليم، والإصلاح، والجهاد بأنواعه، فحملوا همَّ الأمة، وسهروا على نهضتها، وتفانوا في غرس الإيمان وتعليم القرآن، والسير بالناس إلى مرضاة الرحمن.

قال ابن القيم: “الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد، وهي وظيفة الأنبياء والمرسلين، وأتباعهم إلى يوم الدين”.

ثانيًا: مقومات العامل لدين الله


العمل لدين الله ليس مجرد انخراط في مشروع أو تنظيم، بل هو نمط حياة تتأسس على مقومات راسخة:
1. الإخلاص لله وحده

فلا يُرجى من العمل جزاء ولا شكورًا، بل هو خالص لوجه الله. قال تعالى:
{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].
2. العلم والبصيرة

لا يتحرك العاملون لدين الله على جهل، بل على نور من الوحي. قال تعالى:
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف: 108].
3. الصبر والثبات

طريق الدعوة محفوف بالمكاره، ولا ينجو فيه إلا من تسلح بالصبر كما قال الله:
{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127].
4. العمل الجماعي والتجرد

فالدعوة لا تنهض بالأفراد المتفرقين، بل بالمؤسسات المتعاونة، والصفوف المتراصة، بعيدًا عن الأهواء والشخصنة.
5. الفقه في الأولويات ومراعاة المآلات

وهي من أهم خصائص العاملين الراشدين، الذين ينزلون الناس منازلهم، ويدركون متغيرات الزمان والمكان.

ثالثًا: صور العمل لدين الله


يتنوع العمل لدين الله بحسب القدرات والظروف:
الدعوة والوعظ والتدريس
العمل في المؤسسات الخيرية والتعليمية والإعلامية
نشر المحتوى الدعوي الرقمي
رعاية الضعفاء وإغاثة المحتاجين من منطلق شرعي
التأليف العلمي والتحقيق والنشر

فليس العمل حكرًا على المنابر، بل إن تبسُّمك في وجه أخيك، ونصحك لزميلك، وتربيتك لولدك على الدين… كلّها من العمل لدين الله إذا صلحت النية واستقام المسار.

رابعًا: التحديات التي تواجه العاملين لدين الله

1. الفتور والتراجع الروحي
نتيجة الانشغال بالمظاهر دون تجديد النية ومحاسبة النفس.
2. الاستعجال وقلة الحكمة
فيطلب النتائج قبل أوانها، فيسقط أو يُسقِط.
3. الاختراق والتشويش الفكري
حيث تحاول بعض التيارات تشويه صورة العمل الإسلامي، أو احتوائه لخدمة أجندات منحرفة.
4. التنافس السلبي بين العاملين
ما يُضعف الصف ويورث الحسد والتنازع. قال تعالى:
{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].

خامسًا: الأجر الموعود للعاملين لدين الله


لا يضيع الله أجر من أحسن عملًا، بل أعدّ لهم جزاءً عظيمًا:
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} [فصلت: 30]،
وفي الحديث: “لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا واحدًا خيرٌ لكَ من حُمُرِ النَّعَمِ” [البخاري].

ختامًا


العمل لدين الله ليس ترفًا فكريًا، ولا مشروعًا موسميًا، بل هو الترجمة الصادقة للإيمان، والسير على خطى الأنبياء. فطوبى لمن وفقه الله لحمل هذه الأمانة، وطوبى لمن أحسن فيها وأخلص، وسار بها على درب الهدى والحكمة والبصيرة.

فاللهم اجعلنا من العاملين لدينك، المخلصين في سبيلك، الثابتين على عهدك، وألحقنا بركب المصلحين، غير مفتونين ولا مبدّلين.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 
  • المقالات
  • العمل الخيري
  • الكتب
  • الصفحة الرئيسية