|
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مهلا يا شيخ حاتم !
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله
وصحبه ومن أحبه واتبع هديه ، وبعد :ـ
قسَّم الشيخ حاتم الشريف الرافضين للحوار بين الأديان إلى خائفين منه ورافضين
له ـ الحوار أعني ـ إلا أن يقام للدعوة إلى دين الله مبيناً أن هناك أهدافاً
أخرى للحوار غير الدعوة إلى الله ، مستدلاً بصلح الحديبية .
واشتد الشيخ حاتم الشريف على المتوجسين خِيفة ـ على حد تعبيره ـ من الحوار مع
الكافرين أو المبتدعين ، وراح يصفهم بأنهم بلا إرادة قد سقطوا في ( فكرة
المؤامرة ) ، ليس عندهم سوى ( النواح والعويل ) ـ وهي من صفات النساء ، غفر
الله له ـ ، وأنْ ليس عندهم إلا الدعوة لمنهجهم والعمل على إيجاد نسخ مماثلة
لهم (من مسلوبي الإرادة، وأُسَراء التوجّس الْمُقَيَّدين بسوء الظن ) .. يتكلم
عن إخوانه !!
وحقيقة لا أدري عمن يتكلم الشيخ تحديداً، عيني تبصر جيداً ولا أرى من يتكلم
عنهم هذا الشريف ، فعلمي أن النواح والعويل من صفات النساء لا الرجال ، ولم
أسمع أحداً من الرافضين ـ أو المتوجسين الخائفين ـ للحوار بين الأديان يعوي أو
ينوح .!!
وعلمي بأن المتوجسين خيفة من ( الحوار بين الأديان ) هم ممن كانوا ينظرون له ،
بل ويمارسونه ، وليسوا ممن لا يحسنون الحوار وبالتالي يخافون أن يتحاوروا فلذا
توجسوا وخافوا ومن ثَمَّ أدبروا ، إن الخائفين المتوجسين قد جربوا أو درسوا
تجارب مَن جربوا ، وعادوا يشكون من لؤم القوم وخبثهم .
وهي تجربة استمرت لقرنٍ أو يزيد من الزمان ، وعاد من سلك طريقها يقول الطريق
مقطوعٌ مسدودٌ . فعلمَ تريد منا أن نسلك طريقاً مقطوعاً .. مسدوداً ؟!
هذا منطقهم ، وقد أصابوا.
وظلماً حصرَ الشيخ حاتم الشريف حجة الرافضين ( للحوار بين الأديان ) في القول
بأن الحوار مع ( الآخر ) من الكافرين أو المبتدعين في الدين لا يكون إلا لهدف
الدعوة إلى الله ثم حَمَلَ عليهم وراح يردهم عن رأيهم يريد أن يوردهم موائد (
الحوار ) ، واستحضر صلحَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع قريش ، يقول حوار
لشيء آخر غير الدعوة .. يقول استثمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المشترك بينه
وبين قريش ( الكفار ) يومها . . . يقول اتفق معهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ على
تعظيم الحرمات، ويغمز مخالفيه بأنهم من أتباع رأس الخوارج الذي نادى على النبي
ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالعدل . وقبح الله الخوارج . وغفر الله له غمزه إخوانه
.
ثم .. راح الشيخ يعرض وجهة نظره والأهداف التي ينبغي علينا أن ننشدها من (
الحوار بين الأديان ) ،
يقول نتحاور لـ(نَفْهَمَ المخالفين فهمًا عميقًا ) ونتحاور ( ليفهمنا الآخرون )
كي يحترموا حضارتنا وقيمنا .!!
وكأن ( الحوار بين الأديان ) ـ بوضعه الحالي ـ مناظرة أو عرضاً للإسلام وعرضاً
للكفر ـ أو البدعة ـ وكأنْ لا سبيل لمعرفة الآخر ( من الكافرين أو المبتدعين )
إلا من خلال الحوار ، وكأن من يتحاور يأتينا بقلب صافٍ يعرض ما عنده ويسمع ما
عندنا .
يا شيخ !
إنهم الأفاكون ، الذين يعرفون الحق وهم له منكرون ، إنهم الذين يلبسون الحق
بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون ،إنهم الملأ ، لم يأتوك ولن يأتوك ليعرفوا ما
عندك ، لم يجهلوا دينك ولذا جاءوا يتعلموا ، ولا أنك حين تجلس إليهم تتكلم
إليهم بدينك أو تناقش دينهم ، إنهم جاءوا للمشترك .. لتعديل الثوابت ومِن ثم
الالتقاء عليها ، أو قل لتوسيع المشترك . فالحوارات لا تعقد لشرح الإسلام وبيان
فساد غيره من ( الأديان ) ، ومادة الحوارات هي ثوابت الإسلام ( الجهاد ) (
المرأة ) ( أهل الذمة ) ( الخلافة ) ( الحاكمية ) .. الخ .
إن معرفة الآخر يا شيخ لا تأتي من موائد الحوار ، وإنما دونك حديثهم لأقوامهم
ولمن ( يبشرونهم ) بدينهم عن دينك وجَدِّكَ ـ رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ـ ، يقولون ما كان نبياً ، ويقولون زنا ، ويقولون حملت به آمنة من الزنا ،
وليس قول السفهاء بل قول المقدمين فيهم . . أهل ( العلم ) و ( الورع ) !
فجدك جدُّك .. ويدنك دينك .
ويقول الشيخ نتحاور ( للوصول إلى صلح يحفظ الدين والأعراض والأموال ) ، إي
والله هكذا يقول !!
استحضر يوم الحديبية وصوَّر له الخيال أن حالنا على موائد ( الحوار ) كحال جده
يوم الحديبية ، ويوم الحديبية شاعَ .. شاعَ ... ، فقط شاعَ أن رجلاً واحداً من
( المستضعفين ) ( المحرمين ) الذين لم يأتوا لقتال ولم يستعدوا للقتال ، وقد
بعدوا عن ديارهم وباتوا في ديار عدوهم في قلب كنانة وقيس ـ نصف مليون من
الأعداء تقريباً ـ وكانوا بالأمس على أبواب المدينة يريدون الدعوة كلها .. حين
شاعَ أن رجلا ممن هذا حالهم قتل ، هبُّوا وبايعوا على القتال حتى يأخذوا ثأر
صاحبهم . وقبل يوم الحديبة هم بأنفسهم الذين خفُّوا لبني قينقاع حين كشفوا سوءة
امرأة لحظة من الزمن . فدعك من يوم الحديبية لا تستشهد به . لا حالنا حالهم ،
ولا نجرأ أن نقول بقولهم ، ولا أن نفعل فعالهم . إن أعراضنا في كل مكان تنتهك
ودمائنا في كل مكان تسفك ، وعدونا في عقر دارنا ، ولا تستطيع ولا أستطيع أن
ندفع عنهم ، دعك من يوم الحديبية . لا شأن ليوم الحديبية بالحوار بين الأديان .
إن أنسب مثالٍ للحوار بين الأديان الذي ندعى إليه هو مفاوضات قريش في مكة مع
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي قال عنها الله ( ودوا لو تدهنوا فيدهنون ) .
إن كل متدبر لحال الكفر مع الإيمان يجد أن أهل الكفر يسلكون طريقين لصد الناس
عن دين الله ، طريق الجدال وطريق القتال ، وهذا قول الله تعالى { وَهَمَّتْ
كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ
لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ }[ غافر : من الآية 5] . يجادلون وفي ذات الوقت
يقاتلون .
الجدال للتمويه وللتشويش على الغافلين والمغفلين ودوامة للاستقطاب جهد المخلصين
الطيبين ، والقتال وسيلة الجاهلية للاستئصال الحق ، كذا كانت قريش { وَإِنَّ
الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ
أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ }[ الأنعام : من الآية 121] ، تجادل
في ذات الوقت الذي تفتن فيه المؤمنين ، والحال اليوم كما كان بالأمس الساحة
جدالٌ وقتال .
فلن يعطيك هؤلاء صلحاً إلا أن يرون منك بأساً ، وكذا كانت قريش يوم الحديبية ،
لم تجلس للصلح إلا بعد أسر الثلاثين من فرسانها ، وخيبة فارسها ـ خالد بن
الوليد يومها ـ في الغدر بالمسلمين وهم يصلون .
ـ إنهم الكافرون يقاتلون ويجادلون . فيسعنا أن نسكت ، أم أن نجتزئ الواقع
ونقرأه قراءة خاطئة فلا . ولا .
ـ أرتاب من تلك المصطلحات ( الإصلاح ) فعند العارفين أن دعوى ( الإصلاح ) في
القديم والحديث مرتبطة بالنفاق ، ولا أرمي الشيخ بالنفاق أعوذ بالله من ذلك
ولكن أتكلم عن دعوى ( الإصلاح ) ، مرتبطة من يوم ظهرت بالنفاق ، قال الله {
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ
مُصْلِحُونَ }[ البقرة : 11 ] والسياق عن المنافقين . وحديثاً رفع أتاتورك شعار
( الإصلاح ) ، ورفع محمد عبده ( الإصلاح ) فكان ثمرة ( إصلاحه ) جامعة القاهرة
وسعد زغلول وزوجة سعد زغلول ومن دخل عليها سعد زغلول وكشف غطاء وجهها ، ولطفي
السيد ... الخ .
وأرتاب من ( حضارتنا ) و ( ثقافتنا ) و ( المقدسات ) و ( الاحترام ) كلها من
بضاعة غيرنا ، وقد جاءنا بها نبينا بيضاء ناصعة لا حاجة لنا في سواها .
وإن الخوارج هم الذين يشتدون على أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان من عباد البقر
والشجر والصلبان . وليس هذا حال من يرفض الحوار بعد أن جربناه سنين طويلة .
محمد جلال القصاص
ليلة الثلاثاء / 12 /6/ 1429هـ
الموافق / 16 / 6 / 2008