|
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
هل يعقل البطل ؟!
يَلْتَفُ الناس حول العظماء ، والناس حول كل عظيم فريقان ،
فريق من المحبين وفريق من المبغضين ، فريق ينصره ويتبعه وفريق يرده ويدفعه
. والمعتدلون قليل !!
وما استطاع أحد أن ينال من عظيم قط ، أو أن يذهب بذكره من صفحات التاريخ أو
من صدور العارفين ، لم يحدث هذا قط ، فكلُّ مَنْ شمر واجتهد وكان ممن حباه
الله بصفاتٍ قيادية وَجَدَ مَن أحبه واتبع هديه .
وإن تدبرت وجدت أن التاريخ تكتبه يدان ، يدُ محبٍ ويَدُ مبغضٍ . كتب عن
الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ المحبون وكتبه عنه المبغضون . وكتب عن
صحابته الكرام من أحبهم وعرف قدرهم ، وكتب عنهم من أبغضهم وأعمى الله
بصيرته عن قدرهم وعلو منزلتهم . وهكذا باقي الشرفاء ومَنْ برزوا في الناس .
فمثلاً المتنبي كتبَ عنه من جرده من الشعر وكتب عنه من قال عنه أشعر
الناس...!!
واليوم إحدى الكبر ، يصنع ( الأبطال ) ليلتف حولهم الناس ، ثم تُسوَّق
المفاهيم والأفكار ، أو تحارب العقائد ، من خلال هؤلاء ( الأبطال )
المصنوعين ..
بالأمس التفوا حول ( محمد عبده ) ، فزعموا أنه ثورياً ، ثائراً على الملك ،
رافضاً للتواجد الأجنبي في بلده ، يستنفر الشباب لتكون كلمة الله هي العليا
، فحبسوه ( نفوه ) في بلده ـ وما كانت يومها لبنان ، كانت كلها شام وخاضعة
للإدارة المصرية ، وهناك مدوا معه الجسور ، وحصل ( تفاهم ) مشترك بينه
وبينهم ، وعاد الرجل يعمل من خارج المؤسسة الدينية بصفة مستقلة ، ثم أوجدوا
له صفة رسمية جديدة ( مفتي ) ، وراح يفتي ، وراحوا يحملون فتواه إلى كل
مكان ، حتى صار قوله ( الفصل ) ، و(له الحكم ) فيما ينزل بالناس .
وصار محمد عبده ( بطلاً ) كَبُرَ في حسِّ الصغار من أهل زمانه ، ومضى
التاريخ ، وكتبت يدان ، يد لا تزال تحاول أن تفرضه علينا وهي تدعي أنها
أختنا ، تنشر ( أعمال محمد عبده الكاملة ) ، ويد حبيبة كشفت أن الرجل كان
مخدوعاً ، وأنهم نفخوه واستعملوه للوصول إلى أهدافهم .
واليوم لا زالت صناعة الأبطال قائمة .
كانت السينما الهندية تعرض ( بطلها ) أميتاب باتشان ، يَغلب الدبابات ،
ويقفز من الأرض للطائرات ، ويصارع الوحوش ، ويصرع العذارى بنظرات من عينيه
!! وصدَّق الغافلون
فحين جاء إلى مصر قامت الألوف بين يديه وارتمت العذارى تحت قدميه ، ووقف
عبد البقرةِ هذا يقول : الخيالُ ينسي الشعوب المتخلفة الحقيقة !!
وصَدَقَ عبدُ البقرة . فكلُّه خيال .
واليوم يُصنع محمد عبده جديد من جديد .
أحدهم حجمه كبير .. جَدُّ كبير .. يُحدث الناس من كبرى القنوات الفضائية ..
وفي أفضل الأوقات ، وتحته مواقع عنكبوتيه تبث مواد مرئية وصوتية وكتابية
باللغة العربية واللغات الأجنبية ، وتتبعه قناة خاصة !!
أسأل : رصيده هذا ؟!!
لا . والله لا .
ولا هو هذا .
هناك من يصنع ( البطل ) ، مَكَّنَهُ من المنبر العالي ، وألبسه ثوباً من
الذكاء ، ووضع أمامه سلة من الزهور تبشر الناس بأن البطل سَمْحٌ يريد الخير
في الدنيا ، ويضع خلفه لوحة تُذكر الناس بـ ( كفاحه ) ، ويُجْلِس معه من
يوقره وكأن هذا حال كل من يجالسه ،..
هذا الذي ينفخ في المشهد هو ( البطل ) الحقيقي ، هو الفاعل الحقيقي ، وغيره
هو المفعول به . هم الفاعلون وهم يفعلون به ما يشاءون من أهداف .
ولن يمشوا للبعيد .
فلن يكتبوا وحدهم التاريخ . ولن يكتب التاريخ فقط عنهم ويترك غيرهم .
هؤلاء ( الأبطال ) ، وتيك الجعجعة تخرج من أرضنا وتمر بنا ، ولكنها ليست
لنا ، إنها لقومهم .
يظن الصغار والعجلى أنها تُراد للداخل العربي ، والحمقى يظنون أنها تراد
للداخل الوطني ، وكنَّا مثلهم ، نقول بقولهم ، ثم تبين أن المكر كبار .
إنهم يخاطبون قومهم . يبعثون لهم من أفواه ( الأبطال ) برسالة من كلمتين
اثنين : ( كلنا سواء ) ، ( كله إيمان ) ، و( كلنا بني الإنسان ) . ( فلا
النصرانية كفر ، ولا العلمانية إلحاد ) ، ( ولا تفاضل على الدين ) ، وأن
هذا قول ( الأبطال ) ، وهي نفس الجملة التي تراد من الحوار بين الأديان ،
فيقر ( يستقر ) العامي على ما هو عليه ، ولا يفكر في الخروج من ظلام الكفر
البهيم ومستنقع المعاصي الآسن ، بل لا يرى ظلاماً ولا عَفَنَاً ، إذْ كله
صواب !!
المراد فقط صد العامة هناك عن دين الله الإسلام . وقد وقف المد الإسلامي في
هذه البلاد تقريباً منذ بدأت صناعة (الأبطال ) ، منذ ظهرت مطالب المستشرقين
على يد المستغربين ، أو ( الأذكياء ) الغافلين ، وقف مَدُّ الإسلام عندهم
مع أنهم عندنا وأننا عندهم ، يختلطون بنا ونختلط بهم .
و يستعملون ( الأبطال ) في تأجيج الصراع الداخلي ، فالملاحظ أن مع كل (
فتوى ) تهيج الساحة الفكرية ، وأن مع أطروحات ( الأبطال ) يذهب جهد كثير من
الطيبين الأخيار رداً عليها وإزالة لآثارها .
إنهم يصارعوننا ( بالأبطال ) ، فالملاحظ أن هؤلاء هم الفاعلون الحقيقيون ،
وما ( الأبطال ) إلا مُفعلين . فهل يعقل الأبطال ؟
وإن كنت في شك من قولي ، فتش عن فراخ محمد عبده ، ستجدهم زعماء العلمانية
.. سعد زغلول ، ولطفي السيد ، وعلي عبد الرازق .. الخ .. هذا ما أنتجه رجل
الدين الثائر .!!
وفتش عن قضايا اليوم المطروحة ستجدها هي هي بأم عينها القضايا التي تناولها
( أبطال ) الأمس ، وفتش حواليهم ستجد مَن لا خلاق لهم قد التفوا حولهم ،
وأشادوا بذكرهم . فهل يعقل البطل ؟!