|
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
المتنصرون ليسوا ظاهرة
تشهد مصر حراكاً فكرياً واسعاً وعميقاً وعنيفاً منذ ما يزيد على قرن ونصف
من الزمن ، بدأ تدريجياً بالحملة الفرنسية ، ثم اشتد بعد أن فرَّخت المدارس
الأجنبية في منتصف القرن التاسع عشر ، وعادت البعثات العلمية ، ونُصِبَت
الصالونات في بيوت ( الأكابر ) .
الحراك الفكري بدأ بالنصارى .. الفرنسيين ثم خريجي المدارس الأجنبية ثم
نصارى الشام ، ولم يدخل المسلمون بشكل فعال إلا مع بداية القرن العشرين ،
حين جاء جمال الدين ( الأفغاني ) ومعه محمد عبده ، ثم قاسم أمين .
لم يكن التوجه الفكري في الساحة المصرية يأخذ منحى ( تبشيري ) ، بمعنى دعوة
النصارى للإسلام أو العكس ، ثم ومن أربعين سنة تقريباً بدأ نصارى مصر يطفون
على السطح ويظهرون في الحدث بأحداث شغب ، ثم توجهوا ( للتبشير ) بدينهم ،
وانتشروا في الفضاء ، وعلى حين غفلة ، وبخطاب أقل ما يقال في وصفه أنه سيء
الأدب مستفز.
وما النتيجة ؟
بعد كل هذا الحراك في القنوات الفضائية والمواقع العنكبوتية وعلى أرض
الواقع .. بكل الوسائل .. مكتوبة ومسموعة ومرئية ما النتيجة ؟!
هل ارتد الناس عن الإسلام ؟
هل ترك ( المبشرون ) من نصارى مصر انطباعاً إيجابياً عن دينهم هم ؟ أو
سلبياً عن دين الله الإسلام ؟
شيء إيجابي بالنسبة للنصارى لم يحدث . ويعنيني هنا تسليط الضوء على ما
يسمون بـ ( المتنصرين ) أولئك الذين خصتهم ( البي بي سي ـ عربي ) بفيلم (
وثائقي ) وفعاليات تلت الفيلم في برنامج ( ما لا يقال ) ، وتفاعلت معهم
قنوات التنصير يؤيد بعضها ويعارض جلها . أولئك الذين يعرض بعضهم علينا في
بشكلٍ شبه دائم في القنوات التنصيرية .
التنصر أو الردة عن الإسلام ليست ظاهرة ، يتضح ذلك من عدد المتنصرين . فرغم
أن لا أحد يضع يده على فم أحد ،فكل يتكلم بما شاء وإن كان سباً للدين
وطعناً في المتدينين ، ورغم أن ليس ثم من يرهب أحداً للبقاء في الدين ، ولا
بين دفتي الدستور ما يجرم المرتدين عن الدين ، ولا يوجد في السجون شخصاً
واحداً مرتداً لردته عن الدين ، ورغم كل الإمكانات التي يعمل بها التنصير
فلم يرتد عن الدين إلا أفراداً .. حالات خاصة جداً .. تعد عدّاً .حتى أن
أحد شياطينهم حين جاء يفاخر قال : قد أخرجت واحداً وثلاثين فرداً ممن
تنصروا في برنامجي هذا . وسمعتهم كلهم ـ تقريباً ـ . أكثرهم نصارى لم يثبت
أنهم كانوا مسلمين ، بل بعضهم ثبت يقيناً أنه نصراني أباً عن جد . والبقية
مشبوهة تنصرت لأغراض مادية . أو أمنية .. ارتكبت جرماً ثم سافرت وتنصرت حتى
تحتمي بهؤلاء من العدالة .
المتنصرون ليسوا ظاهرة ، بل قلة قليلة جداً إذا قورنوا بمن أسلموا في
الفترة الأخيرة فقط ، ولا أدعو للمقارنة بين نوعية الأفراد ، وإنما فقط بين
العدد . وفوق ذلك أن كثيراً ممن تنصر عاد طائعاً للإسلام .
يمكننا ملاحظة مرحلتين من التعامل مع المتنصرين من قبل القائمين على
التنصير في مصر .
المرحلة الأولى : كانت بترحيل من يتنصر للخارج واستعماله في التحدث بكلامٍ
غير صحيح عن الإسلام ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
والمرحلة الثانية : إبقاء هؤلاء المتنصرين في مصر والعمل على تفعيلهم ضد
القانون وضد المجتمع . والنفخ في الحالات الاستثنائية لتبدوا وكأنها ظاهرة
تدعوا لتغيير هوية المجتمع ، وكأن المجتمع تنصر ويريد أن يتنصل من الدين
الإسلامي كهوية . !!
أصبح المتنصرون عبئاً فكرياً وحركياً على المجتمع النصراني .
فكرياً إذ أنهم لا يمثلون إضافة فكرية لدين النصارى ، بل أحد الشواهد على
كذبهم . فالشخصيات المتنصرة كاذبة في دعاوى تركها للدين ، والشخصيات التي
تقدم على أنها متنصرة وهمية في حالات كثيرة ، وانتشرت مقاطع متلفزة لمن
ادعى انه شيخ خليجي تنصر هو وزوجته ثم تبين أنه من صبيان زكريا بطرس .
وغيره مما يشابهه . وانتشر سوء خلقهم بين الناس ، يشمل ذلك أمور مادية
وجسدية . وما يوم حليمة بسر .
ويشكل هؤلاء عبئاً حركياً على المجتمع النصراني من عدة نواحي أهمها أنهم
دخلوا في تكتلات النصارى الداخلية ، فقد اطلعت على مدونة لهؤلاء يتطاولون
فيها على الأنبا بيشوى لصالح بعض القساوسة ممن تعمدوا على أيديهم . واستمعت
لحوارات في غرف البالتوك يتبادلون السباب فيما بينهم ويشكك بعضهم في بعض ،
ويرمي بعضهم بعضاً بالكذب والخداع والنصب والاحتيال . وقد بدأ هؤلاء بتأسيس
قنوات فضائية أملاً في الحصول على دعم مادي من المتبرعين ، بمعنى أنهم
يقومون الآن بإزاحة للأصليين وإيجاد حركة إقصائية مستفزة غير منضبطة وقد
بدأ الأصليون مناوشتهم والبوح بأسرارهم ، وإن تتبعت حالة ( أحمد أباظة ) ـ
مثلاً ـ عرفت ذلك ، فهم مَن عرفونا بحقيقته أولاً قبل أن ينطق من يعرفه هنا
في مصر .
إن هذه النوعية من المتنصرين أقرب للضرر بالمجتمع النصراني من إفادته ،
وهذا أمر طبعي فمثل هذه الشخصيات التي باعت دينها لغرض ما أو قدمت البعد
المادي على البعد الديني الروحي لا يوثق بها ، ولا تسير مستقيمة بل معوجة
تبدأ بالقريب وإن كان حبيباً .
يمكننا نحن المسلمين استغلال ظاهرة المتنصرين استغلالاً جيداً في الدعوة
إلى الله ، بشرح الحالات التي ترتد والحالات التي تسلم لله رب العالمين .
خلاصة القول أن المتنصرين ليسوا ظاهرة أبداً ، وأن هناك كذبة يحاولون النفخ
في الحالات الاستثنائية لتبدوا ظاهرة يستغلونها في تغيير هوية المجتمع .
والمتنصرون جراثيم شرسة بدأت تنخر في الجسد النصراني .
محمد جلال القصاص
الاثنين 28/06/2010
17/07/1431