|
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الآخر وفقه الحيض والنفاس ورضاع الكبير
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ومن
أحبه واتبع هديه ، وبعد :ـ
بعض الكرام يتندر من بعض القضايا الفقهية التي تثار على الساحة الإعلامية
مثل ( رضاع الكبير ) و ( والد النبي صلى الله عليه وسلم ووالدته في الجنة
أم في النار ؟ ) و ( مدة الحمل ) و ( مسائل الحيض والنفاس ) . يقول : قضايا
فقهية هامشية ، يقول : يضيعون وقتهم ويسيئون لدينهم عند غيرهم من أهل الغرب
وأهل الشرق . !!
وغفر الله لنا وله .
( القضايا الفقهية الهامشية ) ـ كما يسميها إخواننا هؤلاء وليست كذلك ـ
أحجارٌ يلقي بها بغيضٌ في ماءنا ليعكر صوفنا ويشغلنا عن مهمتنا الأولى وهي
عبادة الله وتعبيد الناس لله .
منشأ هذه القضايا كلها .. نعم كلها ، ( رضاع الكبير ) و ( مدة الحمل ) و (
والد الرسول ووالدة الرسول ) وغيرها .. من اليهود والنصارى والعلمانيين ،
قديماً وحديثاً .
عكف الغرب عقوداً . بل قروناً على قراءة الشريعة الإسلامية ، وقدم قراءة
مغلوطة للتاريخ الإسلامي والفقه الإسلامي وكل ما هو إسلامي ، ثم بث هذه
القراءة بيننا في هيئة دراسات استشراقية ، أو أبحاث علمية ، وتم تمريرها
كمفاهيم من خلال الصالونات التي انتشرت في بيوت ( الأكابر ) ومن خلال (
مدارس الأدب الحديثة ) ، وتلقفها نفر من ( المسلمين ) ، ثم أصبحت بيننا ،
وكأنها خرجت من عندنا .
وحتى يتضح المقال آتيك بمثال : قضية الحجاب : الحجاب الذي هو ستر البدن
بالجداران ثم بالثياب إن اضطرت المرأة للخروج كان هذا هو المعروف في كل
بلاد المسلمين ، ثم جاء الحديث عن التبرج ( الخروج من البيت بغير ضرورة ) و
السفور ( إبداء الزينة ) جاء هذا مع الحملة الفرنسية ، والمدارس الأجنبية ،
نصارى الشام ( وخاصة لبنان ولم تكن دولة يومها ) ثم جاء قاسم أمين بعد قرن
كامل من هذا الحراك ، ثم جاء قوم يتحدثون عن أن ( التبرج ) و ( السفور )
أمر شرعي ، ويزيحون السياق العملي للدعوة في مهدها وأجيالها الأولى
ويتعاملون مع النصوص وحدها مجردةً من السياق العملي فنطقت بغير ما له نزلت
.!!
وكل القضايا هكذا بدأ ( الآخر ) ، وتسرب الفكر إلى بعض المنتسبين وتعامل
الغافلون ، وأصبحنا في أرضنا فقط ندافع ، وشغلنا عن مهمتنا الأولى وهي
عبادة الله وتعبيد الناس لله .
أين الخلل؟
الخلل عند مَن تعاطى القضايا بدون سياقها العملي ، أعني أولئك الذين إذا
استفتوا سارعوا وأفتوا ... أولئك الذين يثار بهم الغبار على الدين
والمتدينين بمشاركتهم في برامج ( التوك شو )!!
على هؤلاء أن يعرفوا جيداً أن هناك من يقتلع من الأرض أحجاراً ويرمي بها في
ماءنا ليعكر صفونا .
على هؤلاء أن يتدبروا حين يتلى عليهم قولاً ويعلموا أن القول بالقائل
وبسياق الحال الذي يعرض فيه فضلاً عن ذات القول . فلا يمكن أبداً لعاقل أن
يقفز على سياق الحال وحال المتكلم ثم ينظر فقط في القول ويتعامل معه . يقع
في خطئٍ كبيرٍ من يفعل هذا .
وعلى الساخرين المستهزئين أن يكونوا جادين ، وأن لا يقتصر الأمر على
التقليل من شأن المخالفين من التوجهات الإسلامية الأخرى : ما العيب في
مناقشة قضايا الحيض والنفاس ؟
قضية يتعرض لها أكثر من نصف المجتمع شهرياً ، ولا تصح الصلاة ( عماد الدين
) إلا بضبطها ،. وقضية كَفَرَ بسببها نفر ، وأنا على ذلك من الشاهدين ، قيل
لهم كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجامع نساءه في المحيض ، وما فعل ـ
صلى الله عليه وسلم ـ ولا يحل لأحدنا أن يفعل . هم يكذبون ، وهم الذين
يفعلون . وأفٍ لهم بما يفعلون .
كان لابد أن نتناول فقه الحيض والنفاس ترشيداً لأكثر من نصف المجتمع لآداء
الصلاة على وجهها الصحيح . وكان لابد من تناول قضايا الحيض والنفاس ليعلم
الناس أن ديننا أهدى وأقوم ، وأن نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ علمنا الخير
. وأن ما عند هؤلاء الساخرين الشامتين بإرضاع الكبير والحيض والنفاس أدهى
وأمر ، عندهم أمرٌ أن يبول بعضهم في فم بعض ، وأن يأكل بعضهم ( خراء بعض )
، وعندهم أنها نجسة حال حيضها فلا يقربها أحد إلا ويصير نجساً مثلها .
وعندهم وعندهم ...
يعنيني أن القضية جاءت في عراكٍ فكري بعيد عنه تماماً مَن يشجب علينا ويحسب
أنها همم دنية منزوية قصية . !!
أن القضية جاءت في سياق دعوة الناس لربهم وتعليمهم أمور دينهم ، وبيان فساد
دعوى ( الآخر ) حول الدين وسيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وإذا تبين لك حال الشبهات المثارة من الذي افتعلها ومَن الذي فعَّلها فاعلم
أن دعوى تحسين الصورة أمام ( الآخر ) دعوى عجولة ، لم يفلح مدعيها قبل وهم
كثر . فالآخر هو الذي يفتعل ما يشوه به ديننا ، وهو الذي ينقل لقومه بضاعته
هو التي انتشرت بيننا بلسان قومنا . يترجمون ما يحلوا لهم . ويستضيفون في
قنواتهم وقنوات من والاهم أو من هو منهم حقيقة نفراً لا يعرضون الإسلام
بشكله الصحيح .
إن الأمر جد . وإننا في لجة أعمق من أن تسطح بكلماتِ سخرية واستهزاء يلقي
بها هذا وذاك . إنه إيمان وكفر يعتركان فليرجع العجلى والمستخفون .
محمد جلال القصاص
مساء الأربعاء 21 / 7 / 2010