|
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الشيخان أبو اسحاق ومحمد حسان في مصب النهر
تجرأت صحيفة وأعلنت أنها ستنشر لنكرةٍ سباً في الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم
ـ وطعناً في الدين ، فهبَّ الشيخ أبو اسحق الحويني والشيخ محمد حسان ـ
حفظهما الله ـ كأسدين على تلك الصحيفة والنكرة الذي استكتبته ، وهبَّ معهم
غير قليل من أولي العلم والفضل حتى تراجعت واعتذرت اعتذاراً مشبوهاً ، تقول
سنغير العناوين ونعيد نشرها إن وافق الأزهر !!
وعاد الشيخان ومن هبَّ معهما كل إلى مكانه . !!!
والعجب أن عاد كل إلى مكانه . وكأن هذا الحدثَ وحيدٌ ليس له أشباه على
الساحة . . . وكأن هذا الحدث مُنبت لم يقرن بأمثاله ، ولم يُسبق بأمثاله
ولم يتبع بأمثاله ؛ وحال العقلاء ـ والشيخان حفظهما الله منهم بل في
مقدمتهم ـ أن يتعاملوا مع سياقٍ عملي كامل لا مع حادث بعينه ، فهذه الفجاجة
في الطرح وسوء الأدب لا تأتي بين عشية وضحاها .
وراء الحدث شخصيةٌ منحطة تستجدي المال والشهرة بالنصب والاحتيال والكذب هذا
الذي خطت يداه ، وأخرى علمت بحال هذا الرديء المنحط فقامت بتفعيله ؛ فالحدث
صنعته ـ بتقدير الله ـ يدان : يد فَعَلَت ويد فَعَّلت .
والشواهد على هذا كثيرة جداً ، بل يمكننا أن نقول أنه منذ بدأت المواجهة مع
العلمانية ، وكل الأحداث فيها فاعل ومُفَعَّل ( مفعول به ) ؛ قاسم أمين كان
فاعلاً ومُفَعَّلاً ، ولا يمكن أبدا قراءة قاسم أمين بدون من كتب له ( أو
نقل منهم ) سواءً أكان من النصارى كمرقص فهمي والدوركير الفرنسي
والاعتراضات الأوروبية على الرحلة الأصمعية ، أم كان من المسلمين كمحمد
عبده ؛ وعلي عبد الرازق ـ صاحب كتاب الإسلام وأصول الحكم ـ كان فاعلاً
ومفعولاً به ( مُفعَّل ) ، ولا يمكن قراءة علي عبد الرازق دون مَن قام
بالكتابة له ( أو دون من نقل منهم ) ودون من قاموا بتفعيله ، وطه حسين ،
وعباس العقاد ـ نعم عباس العقاد ـ ، وخليل عبد الكريم ، وأبكار السقاف ،
ونصر أبو زيد ، وسيد القمني ، ... كل ما نواجه الآن عبارة عن فاعل هو الآخر
.. من الكافرين ( في الداخل أو الخارج ) ومُفَعَّل من المنافقين .
فكل حدثٍ حدثَ نجد فيه هذين .. الكافر فاعل والمنافق مُفعَّل . وكل حدثٍ
يحدث الآن وخاصة ما يتعلق بالتطاول على الدين وسيد المرسلين ـ صلى الله
عليه وسلم ـ نجد فيه هذين : الكافر فاعل والمنافق مفعل .
والتعاطي مع المُفعَّل دون الفاعل الحقيقي كمن يقف في مصب النهر يحاول أن
يسد النهر في مصبه ، وأنى ؟!
المشكلة مع الفاعل وليست مع المُفَعَّل. فهذا الذي خطت يداه هناك من
استدعاه ليركبه إلينا ويتطاول به على مقدساتنا . فبضاعته ليست من عنده ، بل
من أكاذيب النصارى ، وهم من فعلوه وتفاعلوا معه . وهو نموذج متكرر في
واقعنا المعاصر وأقرب شاهد سيد القمني وخليل عبد الكريم ونجلاء الإمام .
وهذا الفاعل تتعدد وسائله يُفَعِّل أثيم كهؤلاء ، ويفعل وسيلة إعلامية كهذه
الصحيفة التي نشرت له ، فالأخبار متواترة على أن الصحيفة تمول من جهات
نصرانية جهدها في صد الناس عن ربها ، أو ينشئ قنوات فضائية متخصصة في
التطاول على الدين وسيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وغرف حوارية ،
ومواقع إلكترونية . بكل الوسائل المتاحة يواجهنا ، ومُصِّرٌ على المواجهة .
فالحديث البذيء هذا الذي غضب منه الشيخان لا ينقطع ، لأننا نواجه عدواً
مرتباً عمل قروناً في الخفاء ثم ظهر بعداوته من قرنين من الزمن ، وهو اليوم
حشد كل ما يستطيع وجاء على أكثر من محور ، فكيف نتعامل مع شيء جزئي ونترك
سياقاً كلياً ؟! ، وكيف نتعاطى الدابة ونترك راكبها ، ونترك دواباً أخرى قد
حلت بدارنا تحمل الكفر وأهله ؟!
إن لكل جيل تحدياته الخاصة به في الناحية الفكرية والعملية ، يوماً كان
التحدي قضية خلق القرآن ، ويوماً كان التحدي الحروب الصليبية ، ويوما كان
التحدي التتار ، ويوما كان التحدي الاستعمار ، ومضى التاريخ يرفع من صمد
وقدَّمَ الأفعال ، فالتاريخ أصم يسجل الأفعال ..يسجل المواقف لا الكلمات ،
والرتب في الشريعة الإسلامية تمنح بالأفعال لا بالأقوال ، ( ربح البيع أبا
يحيى ) ، ( ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم ) ، وكثيرون لا نعرف من سيرهم إلا
أفعالهم ، نقول الأرقم بن أبي الأرقم فلا يذكر المستمع إلا داره التي آوى
فيها الدعوة في مهدها يوم كانوا خائفين يخافون أن يتخفطهم الناس ، مع أنه ـ
رضي الله عنه ـ عمّر ( توفي 58هـ ) وشهد المواقع كلها .
يدون التاريخ التحديات ثم يذكر ما فعل المبرزون في الناس ، ونعرف من شرعنا
أن العبادات تتفاضل وبعد الفرائض يأتي ما تعدى نفعه ، ويدخل عامل الوقت
فيجعل قصياً ذا أولوية قصوى . فلا نُسئل اليوم عن التتار ولا عن فتنة عثمان
ولا عن خلق القرآن ، وإنما عن هؤلاء الذين تطاولوا على الدين وسيد المرسلين
ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
فمن يخشى التاريخ .. ومن يبحث عن الذكر الحسن الذي ينتفع به بين الناس
ويكون سببا في أثرٍ طيب ينتفع به حين يوسد في التراب ، فليقدم التحدي
الأكبر ، أو يساعد من يقدمون التحدي الأكبر الذي يواجهنا اليوم أهل مصر من
هؤلاء المجرمين الذين تطاولوا على الدين وسيد المرسلين ـ صلى الله عليه
وسلم ـ .
قد ثارت ثائرتكم واحتقن الدم في رؤوسكم وعيونكم بعد أن اطلعتم على كلماتٍ
معدودة لم تنشر بعد ، فكيف ومثل هذا وأشد منه يقال ليلاً ونهاراً سراً
وعلانية ، وكيف والمسلمات يرجعن إلى الكفار ليفتن في دينهن ؟! ، وكيف وقد
تجرأ الكفار وهم قلة أذلة ؟! يبغضهم مَن بالداخل والخارج ؟!
إن تفكيك عرى الكفر ورد هؤلاء أمر سهل بسيط لو انتصب له مَن يستمع له الناس
. إنه في تبني خطاب هادف جريء يشرح للناس حقيقة ما يدعوهم هؤلاء إليه ..
يعرفهم ما النصرانية التي عليها القوم اليوم ، ويعرفهم حقيقة ما ندعوهم
إليه . . خطاب مباشر ، يفكك الخطاب المضاد ويقدم ـ في ذات الوقت ـ البديل
.و( الخطوط الحمراء ) التي يتحدث عنها قومنا وهمية ، لا وجود لها في
الحقيقة ، بل إن رأس الكفر في مصر شنودة الثالث استدعى الناس للرد على من
يتكلم من قومه ، نادى فينا بأن ردوا على مَن آذاكم .
فلم لا تردون يا قوم ؟
وعلى فرض أن هذه الخطوط موجودة فيمكن وطئها أو إعادة رسمها من جديد .
إن شدة الامتثال جرأت علينا من كان يحتمي بنا وأصبحنا هدفاً لكل مَن هب ودب
.
إن التعدي على شخص الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرصة ثمينه لتعريف الناس
به ، وتعريفهم حال من يَتكلم عنه ، وفرصة للخروج من هذا الحصار الذي فرضه
علينا هؤلاء حين تركناهم فتجرؤوا علينا ، وتجرأ علينا من كان يحتمي بنا ،
وقد شرحت ذلك في رسالة سابقة بعنوان (التنصير خطر يطال الجميع ) .
إن مسئولاً عن نصح الأمة رأساً فيها لا يسعه أبداً أن يتخلى عن قضاياها
الثائرة بأرضه التي يعيش فيها أو تصلها كلماته وأفعاله ، وإن التاريخ لا
يرفع رأساً بمن لا يقدم أفعالاً . إن صناع الحدث الحقيقيين من يقدمون
أفعالاً ، وهم من تكتب آثارهم ويرفع الله بين الناس ذكرهم ، وليس لنا أن
ننصرف عمن يسب الدين وسيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وليس لنا أن
ننصرف عن المؤمنات وقد أرجعن للكفار يعذبن وينتهك أعراضهن بل ويقتلن . سوأة
لا يسترها الكلام .. أي كلام .ولا يكفي فيها أن نغضب على صغير حقير نكرة لا
يمثل شيئا في الحدث ، ونترك صناع الحدث . لا يسد النهر من مصبه ، بل يجفف
ويغير مساره من منابعه فاخرجا من المصب ودونكما المنبع . نصركما الله ونصر
بكم . وهدانا وإياكم سواء السبيل .
محمد بن جلال القصاص
ظهر الأحد
28/0شعبان/1431
08/08/2010