|
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ولم الدراما الإسلامية أصلا ؟؟
بعض الإسلاميين ينادي بـ ( الدراما الإسلامية ) ، يريد منا أن نستعمل العمل
التمثيلي ( المسلسل أو الفيلم أو المسرحية ) وسيلة من وسائل الدعوة إلى
الله ، ويتكئون على أنها وسائل لا تستقل بحكم شرعي ، وفي الشريعة يرتكب أخف
الضررين ويطلب خير الخيرين ، وأن العمل الدرامي الماجن يصل للملايين من
الناس ويؤثر فيهم ، فقد أصبح هذا قولهم بلسان حالهم ـ العمل الدرامي وسيلة
مفروضة على من أراد التحدث مع الناس ، وأن المعارضين يخافون من الجديد كونه
جديداً .. وكم أحجموا عن جديدٍ بان لهم الخير فيه وندموا أن تأخروا ، أو أن
المعارضين ( للدراما الإسلامية ) يخافون المآلات ، وهذا أمر يمكن التغلب
عليه بأخذ عدد من المحاذير الشرعية حال التنفيذ أو بتفعليل الفتاوى
المتساهلة .
هذا قول المنادين بالدراما الإسلامية وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله .
وأول من يرد هذا القول هو المختصون بدراسة أثر الدراما في الناس !
استدعى الدكتور عبد العزيز قاسم أحد المختصين بدراسة الأعمال الدرامية
وتأثيرها في الناس في برنامجه ( البيان التالي ) في الحلقة التي عقدت
خصيصاً لدراسة الدراما الإسلامية ، ورفض المختص هذا الكلام ... رفض أن يكون
للعمل التمثيلي هذا التأثير الذي يتكلم عنه مَن ينادون بالدراما الإسلامية
في حياة الناس ، وألمح إلى أن العمل التمثيلي تابع لما يسود بين الناس من
مفاهيم .. يستقى من الشائع بين الناس لا أنه يفرض عليهم جديداً .
وهذا حقيقي . فواقع الأعمال الدرامية أنها وسيلة لتثبيت ما يسوق من مفاهيم
وتصورات بين الناس ، لا أنها تنشيء جديداً ، ورأس المال الذي يبحث عن الربح
يسير بها حيث يجد الربح . فإن قلت أنك تريد دراما بلا ربح ، فأنت تطارد
خيالاً ، وسل من يعملون في العمل الإسلامي التطوعي . بل سل مال القنوات
الفضائية لا تكفي لإخراج ( فيلم ) واحد ، وإن قلت أنك تريد ربحاً من العمل
فلابد لك أن تسير حيث يحب الناس ، وتتعرض للذوبان . إذ أن الخضوع لما يطلبه
المستمعون فرغ الخطاب الدعوي حتى كاد يتغير كلية في أقل من عقدين من الزمن
.
تجربة فاشلة
المناداة باستخدام العمل الدرامي وسيلة للدعوة إلى الله ليس بجديد ، بل قد
خرجت التجربة من حيز الاقتراح إلى حيز التنفيذ قبل ثمانين عاماً من الآن !!
حين بدأت الأعمال الدرامية في مصر قبل ثمانين عاماً سارع الإسلاميون
واقتحموا المجال مبكراً ، واستعملوا تلك الوسائل ؛ وخرج أول عمل مسرحي
إسلامي في عام 1934م ( قبل 78سنة ميلادية ) .
كان هذا العمل بذات المواصفات التي ينادي بها قومنا اليوم ، عربياً فصيحاً
، وتراثياً ، وسياسياً ، وأدبياً ، ويتعاطى قضايا العامة وقضايا الأمة ،
ويلج أماكناً محرمة كالجهاد في فلسطين ، ويحمل هذه المحاذير التي يتكلم
عنها قومنا اليوم ، فقد كان محتشماً في النص والتنفيذ ، يقوم به نفر من (
الإخوة ) ، بل قيل أن مسرحية توقفت لأن عدداً من الفريق ترك المسرح وذهب
للجهاد بفلسطين ، وظهور النساء كان استثناءً ، وإن ظهرن ( فمحتشمات ) لا
يرى منهن غير الوجه والكفين ، وكاتب الدراما الإسلامية يومها ، ( عالم حديث
) هو ( الشيخ ) عبد الرحمن البنا شقيق المرشد الأول للإخوان المسلمين
الأستاذ حسن البنا ـ رحمه الله ـ،والمرشح لخلافته . وكانت الفرق المسرحية
تلقى رعاية خاصة من مرشد الإخوان حسن البنا على حد قول عبد المنعم أبو
الفتوح . !!
وارتقى العمل الفني حتى كان ( الإسلاميون ) يمثلون على مسرح الأوبرا ..
أكبر المسارح في مصر ، واستمرت ( الدراما الإسلامية ) .. وسيلة من وسائل
الدعوة إلى الله بزعمهم وتعريف الناس على تراثنا وثقافتنا ، إلى يومنا هذا
، فالإخوان المسلمين ـ إلى يومنا هذا ـ يعتمدون التمثيل وسيلة من وسائل
إيصال قضاياهم ، وتوجد فرق للتمثيل بين الطلاب ، كان أشهر أعمالهم في جامعة
الأزهر بالقاهرة من أربع سنين أو خمس فما أذكر عن حماس وتم القبض على
الطلبة الذين قاموا بالعمل وفصلهم من الجامعة . !!
ثم ماذا ؟!
أعطت الدراما الإسلامية مصوغاً للدراما ككل .. وذابت ... أو تم تغيير
مسارها . بيد ( الآخر ) وليس بيد من يحرمون الفن . استمرت عقوداً ثم تركت
لنا درساً أن علينا أن نستقل ونتحرر ، ونصنع مراكبنا بأيدينا .
لن نعدم وسيلة
حضرت في الدعوة فترة التسعينات بكاملها ، وفي آخر هذه الفترة كانت هواجس
غلق المساجد وضمها للأوقاف ومن ثم إخراج دعاة ( أنصار السنة المحمدية ) ـ
الذين كنت أحضر عندهم ـ منها هاجس يسيطر على كثيرين ، وكنت أسمع دائماً ،
وماذا لو أغلقت المساجد ؟!
وبعضهم حافظ على المسجد بالتخلي عن جل ما كان يدعو إليه . وبدأت إرهاصات
الأزمة ثم بدأت الأزمة ، ثم أُخِذت المساجد وعلا المنابر صغارٌ تبكي أمامهم
أسفاً على حالهم لا من مقالهم . ثم لم يكد ينحدر الدمع حزناً على المساجد
حتى جاء الفرج بالشبكة العنكبوتية بما فيها من خير . ثم جاءت الفضائيات ،
ودخلنا فيما هو أوسع وأرحب نتواصل مع من نشاء متى نشاء وكيفما نشاء . ولم
تتقدم الدعوة كثيراً . وسبب ذلك في تصوري لأنها مصابة بمرضين :
الأول : قلة الابتكار.. فالعقلية التي تسيطر على العمل الدعوي تستنسخ
موجوداً حتى لو لم يكن من بضاعتنا ، وانظر للبرامج التلفزيونية والمواقع
الإلكترونية ، بل كل الوسائل الدعوية المستعملة تجد أفكاراً محدودة جداً
تكرر .
الثاني : الفردية في العمل . فمع وفرة الإمكانات المادية اللازمة لبدئ عمل
دعوي جاد ومع وجود الإمكانات البشرية إلا أننا نعمل بفردية أو شبه فردية .
وإذا نظرنا إلى الدعوة إلى ( الدراما الإسلامية ) تجد أنها خرجت من رأس
مصابة بذات المرض .. التقليد .. الركوب في مراكب غيرنا .. النظر لم عند
الآخر ومحاكاته ... عدم الإفادة من التجارب المعاصرة فضلا عن الماضية . .
مع أن ذات المنادي بهذه الدعوة أوجد جديداً حين اضطر للبحث. عن مكانٍ في
الساحة الفكرية . فلو تحررنا من التقليد ابتكرنا .
وأنا هنا لا أقصد التطاول على أحد فأنا أعلم من الجميع الحرص على الخير .
فقط أشخص ما ترى عيني .وليحمل القارئ الكلام على أحسن محمل .
لم لا نفكر في جديد
الجديد دائماً ملفت للنظر ، وكلما كان الأمر جديداً كان أكثر لفتاً
للانتباه وأرجى للمتابعة ، أسأل لم لا نقدم جديداً وخاصة أن عندنا تجارب
ناجحة ، مع التحفظ ( والرفض أحياناً ) على بعض محتوى هذه التجارب ، مثلاً
الدكتور عائض القرني قدم جديداً في الأدب . من ناحية العرض وخلطه بالوعظ أو
ربطه بالدين ، والدكتور طارق السويدان أوجد جديداً حين نكت تاريخ السلف
وأخرجه بشكل مبسط في شريط كاسيت . وعمرو خالد قدم جديداً .وشيوخ السلفية في
مصر قدموا جديداً في فضائياتهم ووجدوا شعبية عالية . والدكتور عبد العزيز
قاسم قدم جديداً أربك به الساحة الفكرية . أو كاد أن يفكك به الساحة
الفكرية في السعودية .وسيمضي التاريخ يخلد ذكره ويكتب الله أثر ما قد قد
خيراً وشراً .( إنا نحن نكتب ما قدموا وآثارهم ) وآثار الفعل كالفعل خيراً
وشراً . والريان والسعد قدموا جديداً في عالم الاستثمار . ؟.
أين الخلل ؟
الخلل في أن نفرض على أنفسنا خيارات معينة محدودة . الخلل في أن نصدر هذه
النوعية من المقلدين . ممن لا يبتكرون . وحقهم الصف الثاني ـ مع كامل
الاحترام لأشخاصهم ـ . فقد صبغوا العمل الدعوي كاملاً بالتقليد وتركوه
يتأرجح في مكانه .
الخلل في أن هناك من يقعد بطريقنا ولا يسمح بالمرور لكل من يريد . وعلينا
أن نعي هذا جيداً ، ونبحث عن حلول للمرور أو إفساح الطريق .
والخلل أن كبرت الجماهير في حس بعضنا فجعلته حيث تريد هي ، فأصبحت الجماهير
صانعة الحدث . والجماهير لا تصنع الحدث أبداً . ولابد من التخلص من سلطان
الجماهير .
ألعامة تسيرنا ؟؟!!
إن العمل الدرامي الإسلامي تجربة فاشلة خاضها الإسلاميون من قبل بإمكانات
وضوابط أكثر مما نستطيعه اليوم وإن الإقدام على خطة فاشلة لا يجوز ، وإننا
معشر الإسلاميين نملك إمكانات كثيرة في الأفراد والوسائل نستطيع بها الوصول
للناس ، ولا حاجة لنا في تلك الوسائل التي جربت وفشلت أو التي تقف المحاذير
على رأسها وعلى جانبيها . وإن البدائل كثيرة جداً وإن الخطوة الأولى
للانطلاق أن نقدم أصحاب الرأي والخبرات ونخرج من هذه الدوامة التي دخلنا
فيها ، وهي دوامة التقليد والفردية .
محمد جلال القصاص
ظهر الثلاثاء 29 / شعبان / 1431هـ
10/ 8 / 2010