|
ككثيرٍ غيري شاهدتُ محاكمة رئيس العراق السابق ( صدام حسين ) ، وبعيدا عن قول :
أن المحاكمة صورية .. عبثية .. تفتقد النزاهة والشرعية ، وأنها ترمي إلى إشغال
الرأي العام ـ في أمريكا وخارج أمريكا ـ عمّا تحدثه المقاومة من نكاية في صفوف
المحتل ، وأنها تهدف إلى إحراز مكاسب سياسية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية
، بعيدا عن هذا كله .وودت لو أنني من يحاكم صدام حسين .مندوبا عن أبناء جيلي .
حين شخص صدام حسين أمام عيني تذكرتُ جيلَ ( الثوار الأحرار ) ... جيلُ ( العرب
الأمجاد ) .. أدعياء القومية العربية ، أصحاب الشعارات البرَّاقة ، هذا الجيل
الذي أسلمته الأمة قيادها لتحقيق الحلم العربي في الاتحاد وتكوين أمة واحدة
تحمل رسالتها الخالدة .
كانت الشعوب تريد أن تستبدل لباس الجوع والخوف الذي ألبسها إياه الاستعمار
الغربي بلباس أمن ورفاهية ورخاء ، وكانت بشائر الخير يومها كثيرة . فقد انشقت
الأرض بإذن ربها وانبجست عيونا تخرج رزقا وفيرا ، ومضت سنين طويلة وما زال
المواطن العربي ـ في الجملة ـ من محدودي الدخل ، بل هنا كثيرون يقبعون تحت خط
الفقر ... لا يجدون قوت يومهم ، أو بالكاد يجدونه . فمن المسئول عن ضياع ثروات
الأمة أيها ( الأحرار ) ( الأمجاد ) ؟
وكانت الشعوب العربية المسلمة تتطلع إلى الوحدة ، وأن تكون أمة واحدة لحمل
رسالتها الخالدة ، والأسباب كثيرة لتحيق هذا الهدف ...فلغتنا واحدة ، وأرضنا
واحدة ، وقبل ذلك كله نعبد ربا واحدا .
وتسلق ( العرب الأمجاد ) إلى سدّة الحكم وهم يجعجعون بكلام عن الوحدة والحرية .
ومضت عقود من الزمن وانتهى الأمر على يد ( الأحرار ) أن غرسوا الإحن والضغائن
في صدور الأمة ، وباتت الأمة ترفع فوق رأسها أعلام كثيرة ، ويُنسب كل حي إلى
أرضه ، لا إلى دينه ولا إلى جنسه .
ولو أن الأمر انتهى إلى هذا الحد لكانت البلية به ـ على عظمها ـ خفيفة ، بل
اقتتلت الأمة فيما بينها ، وقتل أبنائُها أبنائَها ، وانتهى الأمر بـ ( العرب
الأمجاد ) أن ليس منهم اثنين على قلب رجل واحد .
وكانت قضية الشعوب الأولى يوم تملكَ ( الأحرار ) من رقاب الأمة هي فلسطين
المحتلة . فماذا قدم ( الأحرار ) لتحرير فلسطين . لا شيء .
على أيديهم انحسرت القضية من قضية إسلامية إلى قضية عربية ... ثم انحسرت القضية
من قضية عربية إلى قضية فلسطينية ، وقالوا قولتهم : ( لن نكون فلسطينيين أكثر
من الفلسطينيين ) . يقولون هذا وهم من شجعوا شعب فلسطين على الانسحاب من أرضه :
اخرجوا ولن نترككم .. سنظل معكم حتى تعودوا . وخرجوا وما عادوا .
وما انتصر ( العرب الأمجاد ) .في حرب واحدة ضد عدوهم الوحيد ، اليهود أعني ، بل
انهزموا وسلموا وفي الأخير وقفوا في صف عدوهم وتبدلت قيمهم ومبادئهم !! .
فليس غيركم أيها المتهمون مسئول عن ضياع فلسطين وإهدار ثروات الأمة وإحياء
النزعات الوطنية .
وكانت جريمة ( الثوار ) الكبرى هي طمس هوية الأمة العربية المسلمة ، فما زالوا
بها حتى عادت أدبارها ، تفتخر بأصحاب القرون الأولى من الكافرين والضالين ،
وأذهبوا عنها الفخر بالإسلام ، فهؤلاء أحفاد الفراعنة ، وهؤلاء أحفاد العماليق
، وهؤلاء أمازيغ ... وكلها دعاوى نتنة ترعرعت في ظل ( الثوار) .
وفي عهدهم ( تحررت ) المرأة من قيمنا الإسلامية والعربية ، وخالطت الرجال في
محافل التعليم وأماكن العمل والأماكن العامة بل وأماكن اللهو . وشيعت الفاحشة
في الذين آمنوا.
ووقف الثوار جميعهم من الشريعة الإسلامية موقف المبغض المحارب . فلم يطبقوا
الشريعة ولم تتسع صدورهم لمن يدعوا إلى تطبيق الشريعة بل اعتقلوا وعذبوا ...
وفعلوا ما لا يخفى .
ولولا أولوا بقية في الجزيرة العربية رفعت راية التوحيد وآوت ونصرت دعاته لأتى
( العرب الأمجاد ) على البقية من تراث الأمة المسلمة ، ولكان الأمر على غير ما
هو موجود اليوم .
وها نحن اليوم نشاهد ( الثوار ) ( الأحرار ) وهم يساقون إلى مذبلة التاريخ
طواعية وكرها ، غير مأسوف عليهم من جماهيرهم ، فقد تركوا الشعوب على حال أسوأ
من التي كانت عليها يوم تملكوا الأمر .
هذه تهم صدام ومن على شاكلة صدام ، هذه هي جنايتهم في حق الأمة ، فمن يقاضيهم
عليها ، ومن يأخذ حق المظلومين ... ثم من يصحح خطأ ( الأمجاد ).
محمـــد جـــلال
8/7/2004الخميس