| 
       | 
      
  
   
  كتبتُ تحت هذا العنوان في مقال سابق وانتهى مقالي ولم ينتهي قولي لذا ثنيت بهذا 
	المقال ، فأقول ـ والله المستعان ـ :
	
	يعرف الإنسان فيفكر ويخطط ثم ينفذ . هذه مراحل ثلاثة موجودة في كل عمل يقوم به 
	كل إنسان .
	1 ـ مرحلة المعرفة الخبرية : 
	وهو ما يسميه علماء العقيدة " قول القلب ” 
	2 – مرحلة التفاعل بالوجدان 
	وهو ما يسميه علماء العقيدة " عمل القلب " 
	3 – مرحلة التنفيذ 
	وهو ما يسميه علماء العقيدة " عمل الجوارح " ويدخل فيه قول اللسان ضمنا .
	نعم هكذا ... يعرف الإنسان فيُحِب ويَطلب ، أو يعرف فيكره ويَبْعد . فهي معرفة 
	تنشأ أثرا في القلب تنقاد بموجبه الجوارح خيرا أو شرا .. قوة أو ضعفا .
	فمثلا يسمع الإنسان عن الجنة ... أفنانِها وأنهارِها وقصورِها وحورِها وشبابِ 
	أهلها ـ هذه كلها أخبار ـ تُولِّد في القلب محبة أو شوقا ثم تنقاد الجوارح 
	فتأتي كل ما يقربها من محبوبها وتبعد عن كل ما يبعدها عن محبوبها , بل تدفعه إن 
	أتاها .
	وكلما قويت المعرفة ( قول القلب ) قويت الإرادة ( عمل القلب ) وظهر ذلك على 
	الجوارح .ولابد. . لذا " إنما يخشى الله من عباده العلماء " لأنهم أعرف الناس 
	به ـ كما قيل ـ.
	ولذا من أمحل المحال أن يكون المرء عالم بفرضية الصلاة وعظم أجرها , وجرم تركها 
	ومريد ولا مانع يمنعه ثم لا يصلي كما يقول شيخ الإسلام بن تيمية .
	ومن أمحل المحال أن يكون المرء محبا لله ورسوله وعباده المؤمنين ثم يعاديهم 
	ويحب أعدائهم , فيقينا " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد 
	الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو أزواجهم أو عشيرتهم 
	..." 
	ومن يتدبر كلام العلماء في الولاية : يجد أنها تدور على أمرين : محبة وهي عمل 
	القلب الناشئ من معرفته , ونصرة وهي عمل الجوارح الذي هو ثمرة عمل القلب ولازمه 
	.
	فكل محبٍ متبع ناصر , وكل مبغض مخالفٍ معاد . وتمام الولاية مع تمام المحبة 
	والحصة للحصة .
	وأحيانا يسمع المرء آيات الله ويصدق ما يتلى عليه ثم تصطدم هذه المعرفة الخبرية 
	ـ النظرية ـ بعارض يحول دون حدوث أثر لها في القلب ، مثل الكبر وعرف الآباء 
	والشهوة وغير ذلك . وبالتالي لا تنقاد الجوارح فيكون صاحبها مصدق أو قل مقتنع 
	بعقله وهواه (عمل القلب ) مع آباءه وأجداده أو إخوانه وأقرانه وجوارحه مع من 
	يحب فتراه على ملة أبيه , ومع إخوانه في مراتع الفسق ومواطن الشبهات .
	فهو عارفٌ بالصواب ، ناطقٌ بالحق ، إلا أنه لا يمتثل بالجوارح . كأبي طالب وقد 
	أقرَّ ونَصر حمية ولكن غلبهُ حُبُّ آبائه فمات على ملة أبيه . وكيهود . فيروى 
	أن حيِّي بن أخطب ـ سيِّد يهود المدينة ـ وقف مع قريب له ينظران رسول الله صلى 
	الله عليه وسلم حين قدم المدينة مهاجرا فسأله صاحبه أهو هو .؟ فأجاب : نعم هو 
	هو . فقال فعلام عزمت ؟ فأجاب حَيِّي : معاداته أبد الدهر . وصدق الله " فلما 
	جاءهم ما عرفوا كفروا به " [ البقرة : 89 ]
	
	وهناك من يعرف ويستيقن ولا تنشأ المعرفة في قلبه أي شيء . بل يبغض ويكذب ويعادي 
	كفرعون موسى " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا "[ النمل : 14] وكفرعون 
	الأمة أبو جهل " فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " [ الأنعام 
	:33 ]
	
	وهناك المنافقون الذين يعرفون ويستيقنون فيبغضون وظاهرا يتَّبعون ثم هم يتربصون 
	حتى يجدون فرصة فينقلبون . أو عدوا غازيا فيتواطئون .
	وهناك المعرضون الذين رضوا بالحياة الدنيا واطمئنوا بها والذين هم عن آيات ربهم 
	غافلون , 
	ومن يقرأ قليلا في حال من زالوا ومن لا زالوا ، يجد أن أغلب من ينصرف عن الدين 
	ليس يجهله ، ومن يعاديه يعاديه وهو يعلم ما فيه من الخير .... هذه حقيقه تشهد 
	لها كل أحداث السيرة وينطق بها القرآن في كل صفحاته تقريبا "
	( قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين 
	)( قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا . فلم يزدهم دعائي إلا فراراً . وإني كلما 
	دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأسروا واستكبروا 
	استكبارا ) . ( قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين ) ( .. وما نحن 
	بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين ) 
	" وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم " لم يا رب ؟ " ظلما وعلوا " أي ليس تكذيباً 
	وجهلاً . 
	( وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب 
	فاعمل إننا عاملون ) . ( فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من 
	قريتكم " لم يا قوم ؟! " إنهم أناس يتطهرون " ألهــذا ؟!.
	وهذا ما فصلت فيه القول في المقال السابق .