|
في القرن التاسع عشر الميلادي بدأ مشروع الحداثة ، أو ما يسمونه ( التجديد ) ،
وبدأت تدخل على الأمة أفكار جديدة مثل الوطنية و ( تحرير المرأة ) ، والأحزاب
السياسية ، وبدأ الكلام نصارى الشام وأعضاء البعثات العلمية إلى فرنسا ، وكانت
الهجمة على التراث الإسلامي تأخذ عدة محاور ، فبعض المحاور كانت سياسية وبعضها
كانت عسكرية وبعضها كانت دينية إلا أنه كانت هناك يد ( خفية ) تنسق بين الجهود
أو بالأحرى تستثمر الجهود وتفسح الطريق لدعاة ( الإصلاح ) الجدد .
تلقت الدعوة قبولا من الجماهير وذلك بسبب جرثومة الإرجاء التي نخرت في عظام
الأمة ، فكان من السهل على الأمة تقبل العلمانية .
ويلحق بهذا أيضا ــ من الأسباب ـــ ضعف الدولة العثمانية التي كانت تمثل
النموذج الديني للدولة ونجاح النموذج العلماني في أوروبا .
ومن الأسباب أيضا أن الخطاب ( التجديدي ) انطلق من المؤسسة الدينية الأقوى
يومها أعني الأزهر ، وفي شخص ( الشيخ ) محمد عبده الذي كان يعمل مفتيا في
الدولة المصرية المحتلة وآخرون مثل ( الشيخ ) علي عبد الرزاق وغيره .
قد كان للأمر مبررات تقبلها الجماهير ، فالكل كان يطمع ( للرقي ) و ( التحضر )
... الخ كما هو الحال في أوروبا المستعمرة .
ومضت السنون ولم تحصل الأمة على شي مما تكلم به المثقفون ... دعاة ( الإصلاح )
، والعسكريون ... ( الثوار الأحرار ) و ( العرب الأمجاد ) . وازداد الطين بله .
وفشلت مشاريع الإصلاح القديمة كلها على أرض الواقع فلا اتحد العرب ، ولا تقدمت
الشعوب وارتقت . ولا استطاعت العلمانية أن تثبت فكريا وتناظر .
وها نحن نشهد من جديد ( عودة الحجاب ) في مصر التي بدأ فيها المشروع التغريبي ،
وهاهي الجماهير تقف كلها مع التيار الإسلام ولا أدل على ذلك من انتخابات
الجزائر والبحرين ومصر ، وها هي الجماهير تتعاطف مع ما يحدث في العراق
وأفغانستان والشيشان وتكسر بذاك الحواجز الجغرافية المصطنعة . بما يعني أن
المشروع ( الإصلاحي ) لم يعد يصلح . بعدما كذبه الواقع وانكشف عواره أمام
الجماهير .
وأمرُّ من هذا كله هو أننا نجد أن الصراعات في العالم بدأت تتجدد على خلفيات
دينية . إذ أن العالم كله اليوم يشهد صحوة دينية عند أصحاب الديانات الثلاثة .
فالمد الكنسي يزداد يوما بعد يوم . والانتخابات الأخيرة في أمريكا شاهد على ذلك
.
ففي استطلاع للرأي أجري في أمريكا قبل الإنتخابات الأخيرة بثلاثة أشهر تقريبا
وجد أن 70 % من الأمريكيين المسجلين على قائمة اللوائح الانتخابية الأمريكية
قالوا : إن الرئيس الأمريكي المقبل يجب أن يحدد سياسته بناءا على قناعات دينية
( المجتمع العدد 1627 ص 28 ) .
وفي الانتخابات الأخيرة رأينا عقد ما يشبه المؤتمرات الانتخابية في الكنائس ،
وتصويت جماعي من المنظمات الدينية لجورج بوش .
ولم يستطع كيري الثبات على خطابه العلماني الذي ابتدأ به حملته الانتخابية فأخذ
هو الآخر يتلو ما يحفظه من وصايا ( الرب ) ويزور الكنائس .ورأينا المناظرات
الأمريكية بين المرشحين تنتهي بدعوات مثل " فليحمِ الرب أمريكا " .
نعم اختيار الشعب الأمريكي بوش تعبير واضح عن صحوة دينية لدى الشعب الأمريكي .
والأمر ليس خاص بأمريكا وحدها وإنما بكل عباد الصليب . والأمر بالنسبة لأوروبا
أشد وضوحا ولا يخفى على أحد منع الحجاب في فرنسا وتطاول الأوربيون الشرقيون على
شخص الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـــ .
وغني عن القول أن اليهود تُحركهم معتقدات توراتية وأنهم ما جاؤا لفلسطين إلا
لتحقيق نبوءات توراتية يشهد لذلك عَلَمُهم ذو الخطين الأخضرين.( النيل والفرات
) , وخارطة إسرائيل الكبرى على الكنيست ( الإسرائيلي ) والعملة اليهودية تشهد
بذلك .
كل هذا يعطي جملة واحدة يفهمها كل من متابع وهي أن الصراع بدأ يتجدد عقديا .
وأن العلمانية شددت رحالها عن العالم .
بعد كل هذه الآيات البينان على فشل المشروع التغريبي ... أو كما يسميه أصحابه (
التجديدي ) .. ( الإصلاحي ) . نجد أن بعضا قاموا يعيدون الكرة من جديد ،
ويطالبون بحرية المرأة في قيادة السيارة والسفر للخارج ، وأن التفسخ والعري هو
رغبة ( بنات البلاد ) ، وأنه تسلط الرجل . وإلى متى ؟ ... الخ .
ونقول لهؤلاء جميعا : جئتم متأخرين .
فقد فشل أسلافكم في مصر وتونس والشام ، ولفظتهما الجماهير . .
جئتم متأخرين فقد شبّت الصحوة وأصبحت فتية ، ولم تعد الجماهير تنصت للمؤسسة
الدينية في أغلب البلاد بل لا تنصت إلا لشيوخ الصحوة هنا وهناك .
جئتم متأخرين فعدونا اليوم على أرضنا يغتصب نساءنا ويقتل شبابنا ويشرب بترولنا
ويأكل زرعنا ، ولم يأت بسبب الحكم الديني المتخلف كما تزعمون بل بسبب الحكم
العلماني الذي إليه تدعون .
جئتم متأخرين وأسفر وجهكم وهو كالح يذكرنا بماضي أليم لم نجن من ورائه شيء .
ولم نعد نصدقكم .