تجميع عدد من العلماء في مؤتمر عالمي والخروج بتوصيات خطوة رائدة تُحسب لمن قام
بها .
فمن شأنها أن تنزع قيادة الأمة من المنظمات الحكومية الرسمية ، ومن شأنها أن
تعطي صفة رسمية لشيوخ الصحوة الإسلامية الذين لا تعترف بهم الأنظمة العلمانية
إلى اليوم مع أن كثيرا منهم يحمل شهادات رسمية .
ولكن السؤال الذي يتبادر للذهن لماذا سُمح لمؤتمر مثل هذا أن ينعقد بهذه الوجوه
التي لا نشك في إخلاصها لدينها وأمتها ؟
ولم لم تعارض الحكومات وتطلب انعقاد المؤتمر بالجهات الرسمية الممثل ( الشرعي )
للشعوب ؟
إن هناك قراءة أخرى لما يحدث يجب أن ننتبه إليها ؟
الشعوب غاضبة من سلسلة الإهانات المستمرة التي تتعرض لها الأمة على يد ( الآخر
) بدءا بأحداث الانتفاضة ووقوف الأمريكان في صف اليهود وسكوت الحكومات على ما
يحدث ، ومرورا بما حدث في ( أبو غريب) وجوانتناموا وما حدث للمصحف الشريف
وانتهاء بما حدث لشخص نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ولم تعد الجماهير تثق في كل ما هو ( رسمي ) في معظم البلاد الإسلامية ، وهي
اليوم في أشد حالات غضبها ونفرتها من حكّامها ، ولابد من تصدير قيادات ( معتدلة
) ولو نسبيا كهؤلاء المؤتمرين في البحرين للخروج بتوصيات ( مدنية ) في إطار (
الشرعية ) الحالية ، وكبح جماح الأزمة قبل أن تتطور .
الجماهير حاليا لن تستجيب لعلماء الدولة الرسميين الساقطين في نظر الجماهير ،
وبقاء الأزمة على ما هي عليه من إصرار من الطرف الدينماركي على عدم الاعتزاز
وضغط ( الآخر ) من أجل إنهاء الأزمة من شأنه أن يحرج الأنظمة ، ومن شأنه أن
يعطي قبولا لخطاب ( القاعدة ) وأمثالها بين الشعوب ، وتكون دَفعة معنوية جديدة
لـحَمَلِة السلاح الخارجين على الأنظمة .
لذا فإن مؤتمر البحرين يأتي في إطار كبح جماح الجماهير والوقوف بالأزمة عند حد
معين يحول دون تطورها . ثم بعد ذلك تتعامل الأنظمة مع توصيات المؤتمر بطريقتها
، أو تفتعل خصومات مع الشخصيات المتنفذة في المؤتمر وتساومها . وهي قضية قديمة
تتكرر ولا تخفى على أحد .
وبهذا تكون مكتسبات الجماهير من الأزمة قد صودرت بيد علماء الأمة ودعاتها .
والمؤتمرون يرونها فرصة لأخذ قيادة الأمة ولو مرحليا ، ويرون في هذا الأمر
تحقيق مكاسب ولو قليلة ما كان لهم أن يحققوها لو لم يأتمروا . وأن الصدام مع
الأنظمة أو مع الغرب ليس في مصلحة أحد اليوم على الأقل .
فمن أقرب لتحقيق هدفه ؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد من فهم محورين أساسيين مرتبطين بالأزمة ؛ أولهما
:
سبّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر أبعد مما حدث في الدينمارك والنرويج وما
تناولته وسائل الإعلام ، وإنما هو منهج يتبعه المنصِّرون الآن في صدِّ الناس عن
دين الله ، وما حدث في الدينمارك ما هو إلا نوع من الانعكاس لهذا النوع من
الثقافة ( التبشيرية ) المنتشرة الآن بين القوم .
ومن أراد أن يتأكد فعليه أن يزور غرف البالتوك التي ( تبشر ) بالنصرانية ويستمع
لما يقال فيها بكل اللغات ، لتعلم أن القوم قد استقاموا على هذا الطريق .
وعامة الناس في الغرب لا يسمعون كلامنا ـ نحن أبناء الشرق ـ وإنما لهم مصادرهم
الخاصة التي تكذب عليهم وهي تتكلم عن الإسلام ونبي الإسلام ـ صلى الله عليه
وسلم ـ جملة وتفصيلا ، وصورة المسلم ـ وخاصة العربي ابن الجزيرة ـ والإسلام
أقبح ما يكون في ذهن هؤلاء ، وهي من قبل أحداث سبتمبر، ولعل استخفاف الدينمارك
ـ وهم من أضعف الشعوب الغربية ـ يعكس لك هذا .
فنصرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتحسين صورته في الغرب لا تأتي من هنا ،
ولن تصلوا لعامة النصارى من الأوروبيين وغيرهم بسهولة ، فمؤسسات التنصير قوية
لديها وفرة في العدد ووفرة في العتاد وتستطيع أن تشوش تماما على أي عمل دعوي
يقوم به المسلمون ، فكان الأحرى أن تظل المقاطعة وأن تشتد حتى تلفح نارها عامة
الناس من الغربيين ويتساءلون عما يحدث فنحدثهم عن نبينا وقرآننا وشريعة ربنا .
أما توقف المقاطعة اليوم فلن يضار منها أحد ولن يستفيد بها أحد . فاليوم ظهرت
الثمار ولكنها بعد لم يحن وقت جنيها ، وقد تعجل قومنا إن هم فعلوا ونادوا بوقف
المقاطعة .
لِمَ لَمْ نقف للشركات الجزوع التي لم تتجلد وتصبر للمقاطعة ونطالبها هي بتنفيذ
مطالبنا نحن من المقاطعة في أرضها أو في أي بلد أوربي ليس شرطا الدينمارك ـ
كلهم سواء ـ والمقصود هو أن يعرف الناس النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ . ؟
بمعنى تقيم هي بما تنفقه على الإعلانات بإنشاء مركز إسلامي للتعريف بالنبي ـ
صلى الله عليه وسلم ـ وتوجه هي بيان لعامة الناس من الدينماركيين والأوربيين
تتكلم فيه عن شخص نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونحن نتكفل لها بقوقف المقاطعة
؟؟!!
أما اعتذار هنا وكلام آخر معاكس قد يتسرب هناك فهذا أمر لا أدري بما أصفه ولكنه
يخلف حسرة في القلب .
ثانيهما : وهو أمر مهم جدا وفي غاية الخطورة لمن يفهمه ويستغله ، وهو أن الخطاب
الصحوي ـ إن صح التعبير ـ أوجد جيلا من أنصاف طلبة العلم ـ وأرجو المعذرة في
استعمال هذا التعبير ـ وهم الآن منتشرون بين الناس وهم المفعل الحقيقي للأزمة
بين الجماهير ولا بد من مد يد العون لهؤلاء . وترشيدهم .
أو قل لا بد من الاهتمام بالخطاب العلمي الرزين الذي يتحدث عن فقه الواقع ، ولا
بد من تكثير هؤلاء فهم كالقنوات الفرعية بين الشعوب ، ينصتون جيدا لشيوخ الصحوة
ثم ينقلون الخطاب على ما هو عليه للجماهير من خلال المنتديات أو العمل ، وهؤلاء
أذكى من الالتفاف عليهم ، فلينتبه كل لما يقول .
ويرتبط بهذا أن تَجَمْع هذا الجمع الغفير من علماء الأمة لا بد من تفعيله في
إذابة الحواجز الفكرية والحركية ، أو قل إنشاء آليات عمل مشترك في كافة
الميادين بين علماء الأمة ، أي أنه يمكن الاستفادة من المؤتمر بما يعرف بـ (
على هامش المؤتمر ) هذه هي أرجى الثمار .