| 
       | 
      
  
  
	بهـــدوء : 
	 وراء الأحداث أصحاب الأقلام من العلماء والمفكرين ، أو بالأحرى :  
	أصحاب المشاريع الفكرية التربوية الجادة هم الذين يصنعون الأحداث ، وما الساسة 
	والعسكر وباقي طبقات المجتمع إلا ثمرة لفكر هؤلاء . شاءوا أم أبوا  .
	إنني أرى الأقلام كالرماح  ، وأرى العقول مصانع ، وكلَّ ما يحدث من خير أو شر 
	هو نتاج مفاهيمٍ غرسها المربون في قلوب من يتحركون على الأرض  .  
	 
	فالسيف لا يسوس الناس وإن كان صارما مسلولا ، والتاريخ شاهد على كلامي ، فما 
	استطاع عباد الصليب البقاء في دولة الإسلام حين أتوا بالسيف ، وما استطاع 
	العثمانيون  فتح أوروبا والبقاء فيها حين تعاملوا معهم كغزاة وليس كدعاة ، بل 
	وانتقض المغرب العربي[1] على الصحابة والتابعين  عدة مرات  وما استقر إلا 
	بالمشاريع التعليمية الدعوية التربوية التي أقامها موسى بن نصير بين القوم بعد 
	أن أزال عنهم الملأ الذين استكبروا بالقتال . 
	 
	واقرؤوا كل مراحل الانحراف في تاريخ البشرية ، تجدونها تبدأ بالانحراف الفكري ( 
	العقدي ) الذي يستهدف المفاهيم والتصورات  ثم يليه الانحراف السلوكي الذي 
	يستهدف عبادات الناس وتعاملاتهم [2] . 
	 
	وقد بدأ نقض عرى الدين ـ في العصر الحديث ـ  على يد المنتسبين للدين وأصحاب 
	المشاريع  الفكرية التربوية المشبوهة.  
	فمن يتتبع خطوات تغريب الأمة في القرن التاسع عشر الميلادي والقرن العشرين ، 
	يجد أن أولى الخطوات كانت تربية كوادر فكريه على نوع معين من الثقافة التي يرضى 
	عنها القوم ، وذلك في البعثات العلمية إلى أوروبا  ، والمدارس الخاصة التي 
	أنشئت في العديد من البلاد الإسلامية[3]  ، والمعاهد الخاصة التي أنشئت لتخريج 
	القضاة [4]، ثم حين تكون هذا النوع من المثقفين والمنتسبين للعلم جاء دور 
	السلطان فخلع عليهم أرفع  الألقاب ومكنهم من المناصب العليا كالإفتاء ووضع 
	المناهج العلمية ، وهم مَن عالجوا الأمة بعد ذلك حتى سلكت السبل  ، واقتفت أثر 
	المغضوب عليهم والضالين تبحث عن الرقي والتحضر .!! 
	 
	ثم جاءت الصحوة الإسلامية  لإصلاح ما فعله ( الاستعمار الغربي ) ومعاونوه من ( 
	التنويريين ) الذين غربوا الأمة ومشوا بها وراء الغرب الكافر ، ولم تفلح الصحوة 
	في تسلم زمام الأمور  ، وغلبها القوميون وسرقوا ثمرة جهد المخلصين من أبناء 
	الأمة ، واليوم تعاد الكرة ... ( الأنظمة العلمانية كلها أصبحت آيلة للسقوط ، 
	أو في حكم السقوط ، إلا أن البديل الإسلامي وللأسف الشديد غير جاهز ، بل غير 
	موجود !!   . . . فالواقع يقول : إن صحوتنا لم تبلغ بعد سن الرشد ، بل سن 
	البلوغ الذي يؤهلها لاستلام دفة المسؤولية في تلك المرحلة البالغة الخطورة ؟! 
	)[5] 
	 
	وعلمائنا اليوم معنيون بإعادة البناء ، وتصحيح الأوضاع  ، والخطوة الأولى ـ في 
	رأي ـ  هي ترتيب الصف الداخلي وتنقيته من الدخلاء والغرباء الذين يتكلمون للناس 
	بلسان الدين ... ( العقلانيين ) و ( المفكرين ) و ( الإصلاحيين ) ... الخ .  نعم 
	لا بد من إسقاط الرايات الكاذبة ، وكشف المخادعين للأمة ، وكذا لا بد من فك عرى 
	التحزب المتواجد بين أبناء الصحوة ، وتبني مشاريع تربوية جادة من أجل ( إخراج 
	أجيال من طلبة العلم الشرعي غير الموجَّه حزبياً ، أو المأسور رسمياً ، أو 
	المحصور إقليمياً ؛ ليكونوا  بعد ذلك  علماء أكفاء ، علماء ملة ، لا علماء دولة 
	، يخاطبون الناس بلسان الإسلام العام ، ويخاطبون أهل الإسلام بلسان أهل السنة 
	ويخاطبون أهل السنة بلسان الانقياد والحياد ... الانقياد في الإتباع ، والحياد 
	في مسائل الاجتهاد .  )[6]
	 
	إن الأمة اليوم   ( تواجه كل تلك التحديات والمؤامرات الممتدة منذ عقود طويلة 
	بلا خطط للتصدي ، ولا برامج للمواجهة ، ولا إستراتيجية بعيدة ولا متوسطة ولا 
	قريبة المدى ؛ تستطيع بها أن تدافع عن حصونها من الداخل فضلاً عن حمايتها من 
	الخارج )[7] .
	 فنحن اليوم بحاجة إلى تكتلات دعوية ـ ولا أقول تكتلات حركية حزبية ـ  تعمل على 
	توجيه الحدث الحالي ، وتنشئة من يصنعون  أحداث الغد . 
	 
	فما نريده هو ( لَمّ شمل علماء الأمة ، وليس العدد من الأهمية بمكان ,  ففي كل 
	مواطن الفتن عبر التاريخ ، نجد أن من يثبتون قلة يعدون على أصابع اليد الواحدة 
	. ويصور لي الخيال الأيام كأنها أرض والرجال فيها نبت طيب ونبت خبيث ، وفي أيام 
	الإمام  أحمد مثلا . . . أجد  أن أرض العراق بها شجرة أو اثنتين ، وكذا الشام 
	ومصر  والجزيرة العربية ، والباقي عشب أخضر طيب الرائحة نضر ، بيد أنه ضعيف 
	الساق ، لا تَحْمِلُ عليه متاعا ولا تجد له ظلا  تفيء إليه .  
	ثم إن فكرة تجميع أكبر قدر ممكن مع التنازل عن بعض الضروريات تحتاج إلى مراجعة  
	على ضوء قوله تعالى  " لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا  " ) . 
	إن الظرف الحالي يحتاج أولي العزم والحزم والعقل من علمائنا الكرام . فهل من 
	مجيب ؟ 
	 
		
  كتب / محمد جلال القصاص
	مساء الثلاثاء / 19/11/1426
	الموافق  20/12/2005
	 
		
  -------------------------------------------------
	[1] في عصر الإسلام الأول كان المغرب العربي يطلق على تونس ـ وهي المغرب الأدنى 
	في عرفهم يومها ـ والجزائر ـ وكانوا يسمونها المغرب الأوسط ـ والمغرب وموريتانا 
	وأجزاء من شمال السنغال وما جاورها ـ وكان يسمى المغرب الأقصى ـ . أما ليبيا 
	فكانت تسمى بأفريقيا ، وباقي أفريقيا ـ عدا مصر ـ كان يسمى السودان . 
	[2] وغالبا ما يسبق الانحرافُ الفكري الانحرافَ  السلوكي بمسافة من الزمن ، 
	ويتأخر الانحرافُ العملي عن الانحرافِ السلوكي بعوامل بيئية عرفية غالبا ، فليس 
	كل من تستبيح التبرج والسفور تستطيع أن تفعله ، ولا كل من يبغض الثوب يستطيع أن 
	يرتدي البنطال.. تمسكه أعراف الناس وتقاليدهم .  
	[3] انظر ـ إن شئت ـ ( التعليم الأجنبي مخاطر لا تنتهي ) لـ مهيمن عبد الجبار .مجلة 
	البيان العدد /   174صـ18 ، والعدد 175 صـ  8   .  
	[4] كالمعهد العلمي الذي أنشأه اللورد كرومر مع ( الشيخ ) محمد عبده لتخريج 
	قضاة شرع ( متنورين ) . راجع ـ إن شئت ـ  العلمانية للشيخ الدكتور سفر بن عبد 
	الرحمن الحوالي  576 ، 577
	[5] من رسالة ( تغيير الخطط لمواجهة خطط التغيير )  للشيخ الدكتور / عبد العزيز 
	كامل مصطفى كامل ـ حفظه الله ـ . منشورة بموقع صيد الفوائد.
	[6] المصدر السابق 
	[7] المصدر السابق .