|
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ثم يستدلون
في شرح ( نظم الورقَات للعَمْريطِي ) ألقى الشيخ ابن عثيمين ـ
رحمه الله رحمة واسعة ـ بإحدى الدُّرر قال : أصحاب الباطل يعتقدون ثم يستدلون .
رحتُ أتتبع شبهات النصارى حول الإسلام ونبي الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ
وجَرّني البحث لأهل الجاهلية الأولى . . النضر بن الحارث والوليد بن المغيرة
وأمية بن خلف .. ، وكذا من أنكروا السنة النبوية ... مَنْ تسموا بـ ( القرآنيون
) .
وجدت القوم في صعيد واحد ـ وإن اختلفت أماكنهم بين قريب وبعيد ـ نفسية واحدة .
( يعتقدون ثم يستدلون ) كما قال الشيخ ـ رحمه الله ـ .
( القرآنيون ) أجمعوا أمرهم على أن لا يأخذوا بالسنة النبوية المطهرة ، هذه
آخيتهم ، شدوا حبالهم إليها ، وراحوا يلوون أعناق النصوص ويؤولون مالا يصح
تأويله من كتاب الله كي يستدلوا على باطلهم الذي اعتقدوه مبدئيا . ويرسم لي
الخيال صورتهم وهم أقزام سود الوجوه بجوار آيات الله الشمّ الراسيات يحاولون
حملها ولا يستطيعون . ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم
يتفكرون)[ النحل من الآية 41] . ( ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين
كفرا أنهم كانوا كاذبين ) [ النحل : 39] ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم
عنه فانتهوا ) [ الحشر من الآية 7 ] ( .. وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا
البلاغ المبين ) [ النور من الآية 54 ] ، ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني
يحببكم الله ) [ آل عمران:من الآية 31 ]
وعبادُ الصليب اشتروا الكفر بالإيمان ، وشاقّوا الله ورسوله ، فراحوا بأيديهم
يسترون الشمس وبعقولهم البليدة ولسانهم الأعجمي يشوهون كل الكمال وجملة الجمال
ـ صلى الله عليه وسلم ، يقولون ما كان نبيا ، بل كان عاقلا صَفَتْ نفسه من كثرة
خلوته فأتى بهذا من أمِّ رأسه ، وكذبوا فقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم
ـ يتكلم بقرآن معجز في لفظه وكلام عادي مثل غيره ، ولو كان كله من عنده لكان
كلامه واحدا قرآنا أو سنة ، وقد أنبأ في الوحيين ( القرآن والسنة ) عن قصص
الأولين وأخبار الآخرين وأنى للخيال بمثل هذا ؟!
وقالوا : بل اتصلت به الجن فأوحت إليه ، وكذبوا فأنىَّ للشياطين بمثل هذا ( وما
تنزلت به الشياطين . وما ينبغي لهم وما يستطيعون ) [ الشعراء : 210 ، 211 ] .
وقالوا : بل تعلم من بعض أتباعه ( صهيب الرومي ) و ( عبد الله بن سلام )
اليهودي ، و( سلمان ) الفارسي . فخلط شيئا من النصرانية بشيء من اليهودية بشيء
من الوثنية فأخرج لهم الإسلام .
وما كان صهيب عربيا بل كان أعجميا بالكادِ يُبين ، وما رأى رسولُ الله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ ( عبدَ الله بن سلام ) ولا ( سلمان الفارسي ) إلا بعد الهجرة
، وكلهم كانوا أتباعا له ـ صلى الله عليه وسلم ـ متعلمين منه وليس معلمين له .
وقد كفّر الإسلام بالنصرانية واليهودية كما كفر بالوثنية . فكيف يكون قد استوقد
من نارها ؟!
إنهم أهل الباطل يعتقدون ثم يستدلون . رضوا بالكفر بداية ثم راحوا يستدلون كي
يَبْقَوْنَ على آخية الكفر والضلال في الوحل والطين والظلام والبهيم .
وسبحان الله ذات الأباطيل التي يتكلم بها الحقدة من كفار اليوم هي هي بأمِّ
عينها الأباطيل التي تكلم بها أهل الجاهلية الأولى ، ( بل قالوا أضغاث أحلام بل
افتراه بل هو شاعر ) [ الأنبياء : من الآية 5 ].(ولقد نعلم أنهم يقولون إنما
يعلمه بشر . لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) .[ النحل : 103
]
( أتواصوا به . بل هم قوم طاغون )[ الذاريات : 53 ] . ( كذلك قال الذين من
قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم )[البقرة من الآة 118 ] .
ويفضح ربك هؤلاء وأولئك بقوله ( فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله
يجحدون ) [ الأنعام : 33 ] . ( ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) [ آل عمران
: من الآية 78] ( وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما
عقلوه وهم يعلمون ) [ البقرة : 75 ]
ومن أصدق من الله قيلا ؟ . ومن أصدق من الله حديثا ؟
والمنافقون والمنافقات كرهوا ما أنزل الله ، أحبوا الكافرين وتملك حب الكافرين
من قلوبهم فتشبهوا بهم ، وأرادوا أن تكون ديار المسلمين كديار الكافرين ،
والعفيفات الطاهرات كالكافرات المتبرجات المائلات المميلات ، فجردوا أقلامهم
وراحوا يسبون ويسخرون ويشككون بدعوى( الإصلاح ) وهي حجة المنافقين الأُول (
وإذا قيل لهم لا تفسدوا في قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا
يشعرون ) [ البقرة : 11 ،12 ] ، ولكنها قرود تتقافز على جبالٍ شُمّ ، تأخذ منها
الحجر والحجرين ولكنها ستبقى . . . قرود . . وجبال .
هذا هو حال أهل الباطل جميعا من المشككين والمنافقين والكافرين يعتقدون ثم
يستدلون .
أما صاحب الحق فإنه يجعل الحق مقصده يذهب للنصوص ينظر ماذا تقول وكيف فهمها
السلف الصالح رضوان الله عليهم ثم هو معها قبولا ومحبة وإذعانا .
سمع سعدُ بن معاذ ـ رضي الله عنه ـ أن مصعب بن عمير ـ رضي الله عنه ـ على بئرٍ
يدعوا قومه لدين غير دينه ... ( يفسد ) قومه ، فأخذ حربته ، وجدّ السير يريد
وأد ( الفتنة ) في مهدها ،وقام على رأس مصعب يهدده ، فناداه مصعب : اجلس إلي
فإن أعجبك قولي وإلا قمت عنك ، فخنس كل شيطان وجلس هذا الوقور الطيب ولم تمض
ساعة حتى عاد بحربته يبشر قومه بالإسلام . وجنَّ الليل على بني عبد الأشهل وهم
يسبحون ويحمدون ويهللون فرحين بما آتاهم الله من فضله .
لم يُردْ سعدُ مبدئيا الدفاع عن باطله ، ولم يكن حاقدا على المسلمين ، بل كان
يريد الإنصاف ويدافع عن ما يراه حقا لذا اتبع النور حين رآه .
وهو حال كثير من علماء الغرب الذين يدرسون الإسلام فيسلمون .
نفوس مريضة تعتقد ثم تستدل . . . ونفوس سليمة تسمع أو تقرأ ثم تتبع . وشتان .
وبعد :
في الداخل الإسلامي ـ وأقول في الداخل الإسلامي .. أصفه بالداخل وأعتبره إسلامي
ـ شيء من هذا ، أدى إلى تفريق الصفوف وكثرة الخلاف ، وذهاب جهد كبير في القيل
والقال .
يخطب أحدهم خطبة أو خطبتين ، أو يكتب رسالة أو مقالا فيرى أنه قد بلغ شأنا وأنه
قد ركب طريق العلماء فصار منهم فتجده يعقب على هذا ويتتبع عثرات هذا ، وتنزل
النازلة فيقول ويبحث عن من يسمع .
نعم أمرنا بالتناصح ، ولكننا نهينا عن التفرق . وتدبر هذه الآية الكريمة .
( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات )[ آل عمران : من
الأية 105 ] .
فهم بداية تفرقوا . ثم اختلفوا .
كانت النيّة مُبَيَّتَةٌ على الفرقة كل يريد أن يكون صاحب الرأي ، ثم جاء
الاختلاف مبررا لهذه الفرقة المبيتة . وتدبر كثيرا مما يحدث اليوم تجد أن الآية
تخاطبنا وكأنها نزلت اليوم علينا ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا ) .
فمن لي بمن يبحث عن الحق ليقبله ويحبه ثم يذعن إليه ؟
من لي بمن ينصح وهو على الطريق ـ وإن اشتد في النصح ـ إلا أنه لا يخط خطا جديدا
بل يسدد ويقارب ويعين ويعذر وهو معهم على السبيل ؟