|
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
غير المسلمين ، من المشركين أو الملحدين نخاطبهم بالإسلام ( التوحيد ) ، أما
المسلمون الذي شهدوا أن لا إله إلا الله . وأن محمدا رسول الله ، نخاطبهم
بأحكام الإسلام التفصيلية .
وهذا الخطاب غير ذاك من حيث المحتوى ومن حيث المخاطبون .
حين نخاطب غيرَ المسلمين من اليهود والنصارى وغيرهم بالتوحيد الذي جاء به محمد
ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فإننا نتكلم في استحقاقات لا إله إلا الله ، أو ما
يقال له أصل لا إله إلا الله ، أو المقدمة المنطقية لـ ( لا إله إلا الله ) ،
وهي توحيد المعرفة والإثبات ( الربوبية والأسماء والصفات ) ، ومنه نطالبهم
بتوحيد القصد والطلب ( توحيد الإلوهية ) .
وهذه هي طريقة القرآن الكريم في مخاطبة غير المسلمين بالتوحيد .
قال تعالى "(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة : 21 )
فهنا أمر بـ ( إِفْرَاد الرُّبُوبِيَّة لَهُ , وَالْعِبَادَة دُون الْأَوْثَان
وَالْأَصْنَام وَالْآلِهَة ؛ لِأَنَّ جَلَّ ذِكْره هُوَ خَالِقهمْ وَخَالِق
مَنْ قَبْلهمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادهمْ , وَخَالِق أَصْنَامهمْ
وَأَوْثَانهمْ وَآلِهَتهمْ , فَقَالَ لَهُمْ جَلَّ ذِكْره : فَاَلَّذِي
خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ آبَاءَكُمْ وَأَجْدَادكُمْ وَسَائِر الْخَلْق غَيْركُمْ
وَهُوَ يَقْدِر عَلَى ضَرّكُمْ وَنَفْعكُمْ أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِمَّنْ لَا
يَقْدِر لَكُمْ عَلَى نَفْع وَلَا ضَرّ ) كما يقول الطبري في تفسير الآية .
أو نقول أن الله سبحانه وتعالى هنا ( شَرَعَ فِي بَيَان وَحْدَانِيَّة
أُلُوهِيَّته بِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُنْعِم عَلَى عَبِيده
بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ الْعَدَم إِلَى الْوُجُود وَإِسْبَاغه عَلَيْهِمْ
النِّعَم الظَّاهِرَة وَالْبَاطِنَة ) . كما يقول بن كثير في تفسير الآية .
ومثله قول الله تعالى : (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ
بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) (الأنعام : 1 )
والمعنى كما يقول الطبري في تفسير الآية (يَجْعَلُونَ لَهُ شَرِيكًا فِي
عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ , فَيَعْبُدُونَ مَعَهُ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد
وَالْأَصْنَام وَالْأَوْثَان , وَلَيْسَ مِنْهَا شَيْء شَرِكَهُ فِي خَلْق
شَيْء مِنْ ذَلِكَ وَلَا فِي إِنْعَامه عَلَيْهِمْ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ
عَلَيْهِمْ , بَلْ هُوَ الْمُنْفَرِد بِذَلِكَ كُلّه , وَهُمْ يُشْرِكُونَ فِي
عِبَادَتهمْ إِيَّاهُ غَيْره . فَسُبْحَان اللَّه مَا أَبْلَغهَا مِنْ حُجَّة
وَأَوْجَزهَا مِنْ عِظَة , لِمَنْ فَكَّرَ فِيهَا بِعَقْلٍ وَتَدَبَّرَهَا
بِفَهْمٍ ! )
ومثله قول الله تعالى : (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا
رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً
لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً) (الكهف : 14 ) ومثله قول الله تعالى : (قُلْ
أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ
وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (فصلت : 9 ) ومثله
قول الله تعالى : ((أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن
دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ . أَمَّنْ هَذَا
الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ
وَنُفُورٍ) (الملك : 21 ) ومثله قول الله تعالى : (أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ
يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ . وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً
وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ) (الأعراف : 192 ، 191 ) .
وغير هذا كثير في القرآن الكريم فهي قضية القرآن الأولى تتكرر بأسلوب لا يتكرر
كما يقول صاحب الظلال ـ يرحمه الله ـ .
والمقصود أن الخطاب بالإسلام يصح أن يكون بمقدمات عقليه . وانطلاقا من الثوابت
المتعارف عليها عند العقلاء . أو عند المخاطب[1] .
أما الخطاب بأحكام الإسلام التفصيلية ، وهو الخطاب الموجه للمسلمين . . . ما
يسميه علماء الأصول ( الحكم التكليفي ) فالعقل يدخل في منطقتين :
الأولى : معرفة درجة الحكم ( واجب ـ مندوب ـ
مباح ـ مكروه ـ محرم ) إن كان من أهل الاستنباط .
الثانية : في تحديد المناط . بمعنى الحالات التي
ينطبق عليها الحكم .
فمثلا : ( القتل العمد يوجب القصاص ). هذا حكم شرعي ، العقل يبحث في صحة هذا
الحكم ، هل هو فعلا أمر الله في مثل هذا أم لا ؟ بمعنى هل هذا الحكم ( القِصاص
) ثابت شرعا أم لا ؟
ويكون طريق ذلك الدليل ، فالعقل هنا يطلب الدليل الذي يستبين به أن هذا حكم
الله ، وليس من أقوال الذين من دونه .
ويدخل العقل أيضا في مناط الحكم .
هل الحادث محل النقاش قتل أم غير قتل ؟ وإن كان هل هو قتل عمد أم شبه عمد أم
خطأ ؟ وبالتالي ينطبق عليه الحكم أو لا ينطبق ؟
مثال آخر :
حين نقول ( حرم الله الزنا وأوجب الحد على من زنا ) . هذا حكم شرعي ليس للعقل
دخل فيه اللهم أن يستنبط صحته ـ إن كان من أهل الفقه والاستنباط ـ . ويدخل
العقل في تحديد المناط هل الحادث محل النظر زنا أم دون ذلك ؟ وبالتالي هل يُحد
أم لا ؟ وما نوع الحد ؟ جلد وتغريب أم رجم ؟
أما ما يحدث الآن من ( العلمانيين ) و ( المفكرين ) و ( الليبراليين ) و (
العصرانيين ) ... الخ هذه الأسماء ممن يناقشون ( التعدد ) ـ أعني تعدد الزوجات
، و( الميراث ) و ( تحكيم الشريعة ) و ( الجهاد ) . . الخ . فهو شي آخر .
هم يناقشون أحكام الشريعة الإسلامية نفسها .
ومناقشة الحكم هي من جنس مناقشة إبليس لأمر الله تعالى له بالسجود .
ولا يجدي التأويل في هذا .
نعم لا يجدي التأويل في هذا .
فإبليس كان متأولا ( . . . أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ
وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ . . .) (الأعراف : 12 ) ( . . . أَأَسْجُدُ لِمَنْ
خَلَقْتَ طِيناً) (الإسراء : 61 ).
عرضَ الحكم على عقله فما استقام عنده . لم ير أن الحكم منصف . لذا رده وأبى
الامتثال له ، وكان متأولا . كانت له وجهة نظر ـ بلغة القوم ـ .
ما صرَّح إبليس بأنه يريد الكفر . بل رد الأمر بتأويل .
إخواني الكرام !
إن مناقشة الحكم ليست إلا تشكيك في حِكمة الله العليم الحكيم .
ومن يناقش الحكم نخاطبه بالتوحيد .
نبدأ معه من الوراء نبين له أن الله حكيم عليم ... لذا كل أمره خير وإن بدا له
غير ذلك ، وأن الله أرسل إلينا رسولا بلساننا ليبين لنا ما أراد الله منا ، وقد
كان ، نبين له أن العقل عاجز ، وأنه إذا تعارض العقل والشرع فالله أعلم وأحكم
.
" قل أأنتم أعلم أم الله "
الله أعلم وأحكم .
-------------------------------------------
[1] قد يكون المخاطب من أهل الكتاب مثلا ومستمسك بما في كتابه ، عندها قد تضطر
إلى مخاطبته بدلائل النبوة من كتابه ، وبصفات الألوهية لتنقض قوله في الله عز
وجل ومن ادعى لهم الألوهية من دون الله ، وتنقض قوله في نبينا ـ صلى الله عليه
وسلم ـ وبالتالي في شرع ربنا تبارك وتعالى الذي جاءنا على لسان محمد ــ صلى
الله عليه وسلم ــ . فليست كل الطرق عقلية بحته .