|
من قبل زار الشيخ الدكتور عائض القرني أمريكا ، وعاد إلينا يسخر من لغتهم (
الإنجليزية) ، عاد إلينا مكروباً يقول مجتمعٌ لا أمن فيه ، تخاف على نفسك ومالك
إن مشيت وحيداً أو ركبت وحيداً مع أمريكي أو غير أمريكي ، وتخاف عى أمتعتك في
المطار إن بعدت عنها قليلاً ، عاد يقول : مجتمعٌ لا تسمع فيه الآذان ، عاد يسخر
من أطفالهم وقد أصابهم الغباء ، ومن رجالهم وقد فقدوا الذوق فيأكلون ( البطيخ )
بالسكر ويستطعمونه وبالملح ويستطعمونه .. .، ومن مجتمعهم وقد انعدمت فيه
الروابط الأسرية ، عاد يسخر منهم بالشعر والنسر .. بالجدِّ والهزل .
واليوم ذهب الشيخ الدكتور عائض القرني للعلاج في فرنسا ، ويحكي التاريخ أن
الفرنسيس أشد الصليبيين عداوة للمسلمين ، ومن لا يعرف ينصت للتاريخ ـ بل
والواقع ـ فعنده حكايات وحكايات عن ظلم القوم وجرأتهم على ديننا وقومنا .
عاد إلينا الدكتور عائض القرني يقول أن القوم مؤدبون .. مهذبون .. يؤثر كل
واحدٍ منهم الآخر على نفسه في الدخول للفندق أو الصعود بالمصعد ، وأن القوم
متعاونون يرشدون من أسترشدهم .
و( صاحبي ) يقول أن عقلية الشيخ تغيرت ... يقول أن هناك شيء اسمه ( الانتقائية
) فكل واحد يبصر ما يهتم به ، فلو أن صيدلانياً ـ مثلاً ـ تجوَّل في مدينة فأول
شيء يلفت نظره الصيدليات .. عددها وتجهيزاتها ، ولو أن جائعا تجول في مدينة
فعينه قد لا ترى غير المطاعم ، وكذا من يهوى جميل الثياب ، ومن تهوى الزينة
يلفت نظرها أماكنها . والشيخ بالأمس لفت نظره أن لا أذان مع أنه كان ضيفاً على
جالية مسلمة ، ولفت نظره أن لا أمان مع أنه لم يتعرض لحادث سطو أو سرقة ، وفي
فرنسا لفت نظره أدبهم وحسن خلقهم ، ولو تدبر ، ولو تجوَّل ، لتبدل قوله وتغير ،
فالشيخ ذهب للعلاج في مستشفيات تُقدم أعلى درجات الخدمة ، ومثل هذه الأماكن
وأقل منها يكونون في غاية الأدب ، والشيخ سكن فنادق من ذوات النجوم ، وتجول في
المكتبات ، يقول صاحبي : أما كان في الفندق خمرٌ ومَخمور ، أما كان في الفندق
رقص ومرقص ، أما صعد معه المصعد متبرجة تأبطها علج ، أكان التمريض والطبيب يلقي
سلاما أو يشمت عاطساً ، أما كان في الشوارع كاسيات عاريات مائلات مميلات ،
غادياتٌ رائحات وجالسات ، أكان أهل الفندق يجتمعون للصلاة ، ويدعو بعضهم لبعض
بالمغفرة والرحمات ؟؟!!
باريس تُذكر بالموريسكيين ، وربع أحيائها حرقه الفقراء قهرا من ظلم الأغنياء
الذين حللت عليهم تطلب منهم الشفاء يا شيخ ، وفي باريس تزوج الرجال بالرجال ،
وباريس تكره الحجاب وتحرمه ، وباريس .. وباريس .. وباريس .
هذا قول صاحبي .
وأقول رفقا بالشيخ ، فقد لفت نظره ما رآه فيهم ولم يراه فينا .فكتب إلينا من
هناك يرشدنا إلى ما هو خير ، يريد الكمال لأمته ، والشيخ ناصحٌ .
فيردُّ صاحبي : كم من مريد للخير لا يبلغه . جفى الطبعُ وقسى مما يجد ، أعيشٌ
في باريس كعيشٍ في غزة والعريش ، تساوي بين القاهرة ودمشق وبغداد وتونس ومراكش
ونواكشوط والخرطوم وطرابلس وباريس ؟!
ثم ـ والقول لصاحبي ! ـ لا تدفع عنه فالشيخ تبدوا عليه ملامح التغيير ، من قبل
غازل جائزة نوبل ، وكتب أنه كل عام وهم يعلنون أسماء الفائزين يرقب علَّ الله
أن يجعله من الفائزين بنوبل أو أخت نوبل أو أم نوبل . الشيخ يرنوا إليهم وهم
يقبلون مراودته لهم ويردون بشيء من الدلال والجمال ، فقد أحاطوا بعض كتبه بهالة
من الإعلام ـ والكتاب يستحق والشيخ يستحق ـ ولم يتكلموا عن ( حراسة الفضيلة )
وقد صدر من الطبعة الأولى وحدها نصف مليون نسخة ، فهما الآن يتغازلان فهل
سيلتقيان ؟! أحسب أنه اليوم دنا من الغرب خطوة .
ومن قبل كان رفاعة الطهطاوي في باريس وعاد يقول ( الناصح الأمين للبنات والبنين
) فهل كان ناصحاً أمينا ، أم كان جسراً متيناً ؟!
ألم تقل يوماً يا أبا جلال أن المشروع التغريبي لا بد له من قنطرة ( شرعية )
ذات أيدي بيضاء ، صادقة الإحساس تريد الخير للناس ، وتتمتع بماضٍ أصفى من الماس
، وأرى شيخك قد بدء الردمَ في اليم ليعبر إلينا أبناء العمّ ، كما عبروا من قبل
على قنطرة محمد عبده ومَن حوله التم ، وأمارةُ ذلك أن تنظر في المواقع التي
تناولت مقال الشيخ إنهم المستغربون ، فرحوا بمقال الشيخ ، وما قالوا بقولك يا
أبا جلال .
ورفاعة ما كان يريد الشرَّ للأمة ، بل كان صادقاً يريد الخير . وآراهم قد
تجملوا له ، وأحاطوه بمن استطاع أن يوصل له الفكرة جيداً كما فعلوا مع قاسم
أمين ، ولكن الأخير ( قاسم أمين ) كان جهولاً فانزلق من فوره ، وشيخك عالمٌ
انكفأ ولم ينزلق فإن قام وإلا تدحرج.
لو عاد إلينا الشيخ يقول ، أزاح الله عنكم من قسى بسببه طبعكم ؟
لو عاد إلينا يقول : أزاح الله عنكم بني علمان صنيعة الفرنسيس والألمان فقد
غرّبوكم وأبعدوكم عن سنة نبيكم سيد ولد عدنان عليه الصلاة وعليه السلام . بل
يلقي بالآئمة علينا ، وكأن الشعوب بعدت من نفسها عن شرع ربها .
اييييييييييه يا باريس ، ماذا فيك يا باريس ؟! ، قرنين من الزمان .. شاب شعرك
وأنت أنت في حقدك ؟ ألا رحم الله عبد الرحمن الغافقي ( اليماني ) .
نحن جفاة ؟ ونحن قساة ؟
نبرُّ الأباء ، ونقري الضيفان ، ونعود المريض ، ونهنئ الحبيب ، ونواسي المصاب ،
ونحن جفاة ونحن قساة ؟!
تنهد صاحبي وقال : غفر الله لك يا شيخ عائض .
فرددتُ : غفر الله لك يا شيخ عائض .