|
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم
التسليم .
فهذه مجموعة من فتاوى أهل العلم في مسألة الاستتابة في الحج.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
( تَوَسُّعُ الناسِ في الاستنابة في الحج أمرٌ يؤسف له في الواقع ، وقد يكون
غير صحيح شرعاً ، وذلك لأن الاستنابة في النفل في جوازها روايتان عن الإمام
أحمد رحمه الله ، رواية : أن الإنسان لا يجوز أن ينيب عنه أحداً في النفل ليحج
عنه أو يعتمر عنه ، سواء كان مريضاً ، أو صحيحاً ، وما أجدر هذه الرواية بالصحة
والقوة ، لأن العبادات يطلب من المكلف أن يقوم بها بنفسه ، حتى يحصل له من
العبادة والتذلل لله ما يحصل ، وأنت ترى الفرق بين إنسان يحج بنفسه ، وإنسان
يعطي دراهم ليحج عنه . الثاني ليس له فضل من العبادة في إصلاح قلبه وتذللـه لله
عز وجل ، وكأنه عقد صفقة بيع ، وَكَّلَ فيها مَنْ يشترى له أو يبيع له ، وإذا
كان مريضاً وأراد أن يستنيب في النفل ، فيقال : هذا لم تأت به السنة ، وإنما
جاءت السنة في الاستنابة في الفرض فقط ، والفرق بين الفرض والنفل أن الفرض أمر
لازم على الإنسان ، فإذا لم يستطعه وَكَّلَ مَنْ يحج عنه ويعتمر ، لكن النفل
ليس بواجب ، فيقال : ما دمت مريضاً وأديت الفريضة فاحمد الله على ذلك ، وابذل
المال الذي تريد أن تعطيه من يحج عنك أو يعتمر في مصارف أخرى ، أَعِنْ إنساناً
فقيراً لم يحج الفرض بهذا المال ، فهو خير لك من أن تقول : خذ هذا حج عني ، ولو
كنت مريضاً ، أما الفرض فالناس والحمد لله لم يتهاونوا فيه ، لا تكاد تجد أحداً
يوكل عنه من يحج فريضة إلا وهو غير قادر ، وهذا جاءت به السنة ، كما في حديث
ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا
رسول الله ، إن فريضة الله على عباده بالحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على
الراحلة أفأحج عنه ؟ قال : نعم .
والخلاصة : أن الاستنابة في النفل فيها روايتان عن الإمام أحمد : إحداهما :
أنها لا تصح الاستنابة ، والرواية الثانية : أنها تصح الاستنابة من القادر وغير
القادر ، والأقرب للصواب بلا شك عندي أن الاستنابة في النفل لا تصح لا للعاجز
ولا للقادر . وأما الفريضة للعاجز الذي لا يرجو زوال عجزه فقد جاءت بها السنة "
انتهى . " فتاوى ابن عثيمين" (21/140( وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/68
)( يجب على المسلم المكلف المستطيع أداء الحج على الفور ولا يجوز في هذه الحالة
أن ينيب عنه من يحج ، ولا يكفي حج غيره عنه مادام مستطيعاً أداء الحج بنفس) .
وقد اختار علماء اللجنة الدائمة جواز الاعتمار والحج عن الحي العاجز عن فعلهما
ولو كان ذلك نافلة .
كما جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/81) :
" إذا اعتمرت عن نفسك جاز لك أن تعتمر عن أمك وأبيك إذا كانا عاجزين ، لكبر أو
مرض لا يرجى برؤه "
وهو ما اختاره أيضاً الشيخ ابن باز رحمه الله ، فإنه سئل : أريد أن أحج عن
والدتي ، فهل لا بد أن أستأذنها ، علماً بأنها سبق أن أدت حجة الفريضة ؟ فأجاب
:
" إذا كانت والدتك عاجزة عن الحج لكبر سنها أو مرض لا يرجى برؤه فلا بأس أن تحج
عنها ولو بغير إذنها ، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استأذنه رجل
قائلاً : يا رسول الله ، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ( حج عن أبيك واعتمر ) واستأذته امرأة قائلة : يا
رسول الله ، إن أبي شيخ كبير ولا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه ؟ فقال صلى
الله عليه وسلم : ( حجي عن أبيك ) . وهكذا الميت يحج عنه لأحاديث صحيحة وردت في
ذلك ، ولهذين الحديثين " انتهى. "فتاوى ابن باز" (16/414).
والحاصل :
أنه لا يجوز الحج ولا العمرة عن أحد من الأحياء القادر على فعلهما ، وأما
العاجز ، فإن كان ذلك في الفريضة فهو جائز ، وأما في النافلة فهو موضع خلاف بين
العلماء .
وسأل ابن عثيمين : ما حكم الاستنابة في الحج أو العمرة ؟.
فقال : توكيل الإنسان من يحج عنه لا يخلو من حالين :
الحال الأولى : أن يكون ذلك في فريضة .
والحال الثانية : أن يكون ذلك في نافلة ، فإن كان ذلك في فريضة فإنه لا يجوز أن
يوكل غيره ليحج عنه ويعتمر ، إلا إذا كان في حال لا يتمكن بنفسه من الوصول إلى
البيت لمرض مستمر لا يرجى زواله ، أو لكبر ونحو ذلك ، فإن كان يرجى زوال هذا
المرض فإنه ينتظر حتى يعافيه الله ويؤدى الحج بنفسه ، وإن لم يكن لديه مانع من
الحج بل كان قادراً على أن يحج بنفسه فإنه لا يحل له أن يوكل غيره في آداء
النسك عنه ، لأنه هو المطالب به شخصياً . قال الله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) آل عمران/97 .
فالعبادات يقصد بها أن يقوم الإنسان بنفسه فيها ، ليتم له التعبد والتذلل لله
سبحانه وتعالى ، ومن المعلوم أن من وكل غيره فإنه لا يحصل على هذا المعنى
العظيم الذي من أجله شرعت العبادات .
وأما إذا كان الموكل قد أدى الفريضة وأراد أن يوكل عنه من يحج أو يعتمر فإن في
ذلك خلافاً بين أهل العلم : فمنهم من أجازه ، ومنهم من منعه ، والأقرب عندي :
المنع ، وأنه لا يجوز لأحد أن يوكل أحداً يحج عنه ، أو يعتمر إذا كان ذلك نافلة
، لأن الأصل في العبادات أن يقوم بها الإنسان بنفسه ، وكما أنه لا يوكل أحداً
يصوم عنه ، مع أنه لو مات وعليه صيام فرض صام عن وليه ، فكذلك في الحج ، والحج
عبادة يقوم فيها الإنسان ببدنه ، وليست عبادة مالية يقصد بها نفع الغير ، وإذا
كان عبادة بدنية يقوم الإنسان فيها ببدنه فإنها لا تصح من غيره عنه ، إلا فيما
وردت به السنة ، ولم ترد السنة في حج الإنسان عن غيره حج نفل ، وهذه إحدى
الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله - أعني أن الإنسان لا يصح أن يوكل غيره في
نفل حج أو عمرة سواءً كان قادراً أو غير قادر . ونحن إذا قلنا بهذا القول صار
في ذلك حث للأغنياء القادرين على الحج بأنفسهم ، لأن بعض الناس تمضي عليه
السنوات الكثيرة ما ذهب إلى مكة ، اعتماداً على أنه يوكل من يحج عنه كل عام ،
فيفوته المعنى الذي من أجله شرع الحج ، بناء على أنه يوكل من يحج عنه " انتهى .
"فتاوى ابن عثيمين" (21/136).
ومسك الختام الله أسال للجميع العلم النافع والعمل الصالح