لماذا ينتشرُ الإلحاد ؟؟.

لماذا ينتشرُ الإلحاد ؟؟.

عبدالله محمد الطوالة

 
بسم الله الرحمن الرحيم

 

{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون} [النمل:93].. وأشهدُ ألا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له: {يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم} [النور:46].. والصلاةُ والسلامُ على مَن بعثهُ اللهُ تباركَ وتعالى هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فبلغَ الرسالةَ، وأدى الأمانةَ، ونصحَ الأمةَ، وجاهدَ في الله حقّ جهادهِ، صـلى الله وسلم وبــارك عليـه، وعلى آله وصحابتهِ الأبرار، والتابعينَ وتابعيهم بإحسانٍ ما تعاقبَ الليلُ والنهار، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا..
أمّا بعدُ: ففي عالمٍ يتسارعُ فيه التطورُ العلميُ والتقنيُ تسارعاً مذهلاً، وتتنافرُ فيه الأفكارُ والعقولُ على طرفي نقيض، ويختلطُ فيه الحقُّ بالباطل، وتتداخلُ فيه الدلائلُ والحقائقُ بطريقةٍ محيرة، فلا عجبَ أن يفرزَ ذلك مجموعةً من التوجهات الفكريةِ المخالفة، والأراءِ المعارضة، ومن أبرز ذلك ظاهرةُ الإلحاد.. والتي قد يتساءلُ البعض: لماذا ينتشرُ الإلحادُ بهذه الصورة، خصوصًا بين الشباب؟..

والجواب: أنّ هناك أسباباً كثيرةً لانتشاره، نذكرُ فيما يلي ابرزَها، عسى أن يُساهِمَ ذلك في فهم الدوافعِ، وتشخِيصِ الأسباب، والوصولِ للحلِّ والعِلاجِ الصحيح، فكما قيل: معرفةُ السببِ جزءٌ من العلاج..

السبب الأول:
ضعفُ التحصينِ العلمي والشّرعيِ، فإذا صاحَبَ ذلك فضولٌ قاتل، وجُرأةٌ على الخوض في أمورٍ أكبرَ من طاقة العقلِ الغيرِ محصَّن، فربما أوقعَ الإنسانُ نفسه في التيه والضلالِ.. ولا نقولُ إنَّ الخوضَ في هذه الأمورِ ممنوعٌ مُطلقًا، بل نقولُ إنهُ لا بدَّ قبل ذلك من حصانةٍ واستعدادٍ عِلميٍ قويٍّ، وعلى يدِ شخصٍ خبير، كمن يريدُ أن يغوصَ في أعماق البحار، فلا بدَّ أن يتجهزَ بأجهزةٍ خاصة، ولا بدَّ أن يتدرّبَ جيدًا، وأن يتدرّجَ في ذلك تحت إشرافِ مُدربٍ خبير، وإلا فما أسهلَ أن يغرقَ ويهلك..

السببُ الثاني:
ميلُ البعضِ نحو الانفلاتِ من القيود الدّينية، والاستعدادِ لأن يُضحيَ عمدًا بتدينه؛ ليتمكنَ من تلبية شهواتهِ المحرمةِ بلا أيّ قيودٍ أو تأنيبِ نفس؛ وذلك يعني أن يقتُلَ الإنسانُ ضميرهُ ونفسهُ الّلوامة؛ حتى لا يبقى في نفسه من يُنازعهُ في المعصية.. ويظنُّ أنه بذلك صار حُرّاً، وهو في الحقيقة قد وقعَ عبداً لشهواته، وأسيراً لأهوائه، كما قال أحدهم بصدق:
"أردتُ أن أعيشَ بلا ربّ، لا لأنني اقتنعتُ بعدم وجوده، بل لأنني أردتُ ألا يحاسبني أحد"..

السببُ الثالث:
الانفتاحُ على كُتب الفلاسفةِ والملحدين المليئةِ بالشبه المبهرجةِ، والعِباراتِ المنمّقةِ، مما يجعلُها تنطلي على ضعفاء الإيمان، ومحدودي الثّقافةِ الشّرعية، وأيضاً لا نقولُ أنَّ قراءةَ كتبِ الفلاسفةِ ممنوعةٌ مطلقاً، ولكن ذلك بدون حصانةٍ فكريةٍ قويةٍ سيسببُ (تأثيراتٍ سلبيةً) يصعبُ علاجهُا، والتخلصَ من آثارها..

السببُ الرابع:
سعيُ القنواتِ الفضائيةِ وغيرها من وسائل التّواصلِ والإعلامِ لنشرِ مثلِ هذه الافكار، وفتحِ المجالِ لأربابها، وتمكينهم من طرح شُبهاتهم، وتشكيكِ النّاسِ في عقائدهم وأصولِ دينهم، فصاروا كحاملي الأمراضِ المعديةِ يسيرونَ بين اناسٍ غيرَ مُحصنين..

السببُ الخامس:
التبعيةُ والتقليدُ الأعمى، والهزيمةُ النّفسيةُ والانبهارُ بالأقوى، فكثيرًا ما تنتشرُ بعضُ الأفكارِ الخاطئةِ خصوصاً بين الشبابِ، لا عن قناعةٍ بها، وإنما تقليدًا لأحد المشاهير، أو تأثرًا بموضةٍ ما..

السببُ السادِس:
اعتقادُ البعضِ أنَّ تنحيةَ الغربِ للدّين هو السّببُ الأكبرُ لتقدمِهم، فإذا أردنا أن نصلَ إلى ما وصلوا، فلا بدَّ أن نتخلى عن الدّين كما تخلَّوا، وهذا خلافُ العقلِ والمنطق، فالعاقلُ يُحسنُ إذا أحسنَ الناس، وإن أساؤوا تجنبَ إساءتهم..

السببُ السابع:
كثرةُ الحروبِ والفتنِ، وانتشارُ الظّلمِ وعدمُ قُدرةِ الضّعفاءِ على الوصول إلى حقوقهم، مما قد يهزُ قناعاتِ البعضِ منهم في العدل وفي عقيدة القضاءِ والقدر.. فيجدُ نفسهُ يتساءل: لم أنا بالذات؟.. ولماذا يسمحُ الله بهذا؟.. فإذا لم يجد من يُجيبُه بمنطقٍ سليمٍ، وأسلوبٍ مقنع.. وإلا تحولت هذه التساؤلات إلى بوابةٍ للشك والإلحاد..

السببُ الثامن:
مُعاناةُ البعضِ من الاضطرابات النّفسيةِ والعصبية؛ نتيجةَ تعرضِهم لظروفٍ أُسريةٍ واجتماعيةٍ قاسيةٍ ومعقدة، مما يُفقدهم القُدرَةَ على التّفكير الصّحيح، وجعلهم يظنون أنّ ما يُعانونه من آلامٍ دليلُ غيابِ الإلهِ الحكيم، فيقعون في الإلحاد لا عن قناعةٍ عقلية، وإنما هروبًا من الألم، أو تعبيرًا عن الغضب، كما قال بعضهم: "أنا لا أكرهُ الله، أنا فقط غاضبٌ منه"..

السببُ التاسع:
الصحبةُ السّيئة، فالصّاحبُ ساحِب، والمرءُ على دين خليله، وعن المرءِ لا تسأل وسل عن قرينه ... فكلُّ قرينٍ بالمقارن يقتدي..

السببُ العاشر:
عدمُ مواكبةِ الكثيرِ من المشايخ والعُلماءِ للمستجدات المتسارعة، والتّأخرُ في الردّ على الشّبهات، وتركِ الشّبابِ فريسةً لها، خصوصًا مع إحجامِ الكثيرِ من الشّباب عن مُناقشةِ هذه الأفكار؛ خوفًا من أن يتعرضَ للإحراج أو التّصنيفِ أو العقوبة..
تلك كانت هيَ أبرزُ الأسبابِ التي ساهمت في انتشار الإلحادِ، وزعزعت يقينَ كثيرٍ من الناس، وشوّهت صورةَ الدينِ في نفوسهم..
ولا شكّ أنَّ قضيةَ وجودِ الخالقِ سبحانه، ومصداقيةَ رسولهِ ﷺ، هي أعظمُ القضايا التي ينبني عليها مصيرُ الانسانِ ومستقبلهُ الأخروي: فإمّا سعادةٌ أبدية، أو شقاءٌ سرمدي.. ومن فضل اللهِ ورحمته أن الأدلةَ التي تثبتُ وجودَ الخالقِ جلّ وعلا كثيرةٌ ومتنوعة، كالدليل العقلي والدليل العلمي، ودليل الفطرة، والدليل الأخلاقي، والتاريخي، والجمالي، واللغوي، وغيرها.. وبفضل الله فقد أفردنا لكل نوعٍ منها مقالاً مستقلاً، وتم نشره في هذا الموقع المبارك بحمد الله..

نسألُ اللهَ أن يشرح صدرونا جميعاً للحق، وأن يهدينا سواء السبيل..
وأخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين..