مناظرةٌ رائعةٌ بين عالمٍ مسلمٍ وملحد

مناظرةٌ رائعةٌ بين عالمٍ مسلمٍ وملحد

عبدالله محمد الطوالة

 
بسم الله الرحمن الرحيم

 

المناظرةُ: هي نقاشٌ عقلانيٌّ نزيهٌ يدور بين مُتحدثين أو أكثر، يُعقدُ حولَ قضيةٍ خِلافيةٍ مُعينةٍ، ليقومَ كلُّ طرفٍ من أطراف الخلافِ بتقديم حُججهِ وبراهينه، ويُظهرَ وجه الصواب بدليله..
وللمناظرة فوائدُ كثيرة: أبرزها أنها وسيلةٌ فعالةٌ للتعلُّمِ والفهمِ، وبأسلوبٍ مُقنعٍ وجذابٍ، فهي تضعُ الأفكارَ المتباينةَ في مواجهةٍ صريحة، وتدعُ البرهانَ يقولُ كلمتهُ الأخيرة، بعيدًا عن الأهواء والمظاهرِ والشعارات..
كما تُعدُّ المناظرةُ وسيلةً مؤثرةً لإظهار قوةِ الحقِّ ومتانتِهِ، وكشفِ عَوارِ الباطلِ وتهافُته، وفضحِ أساليب من يُؤسّسُ مواقفهُ على الشكِّ والخداعٍ، والتدليس والمغالطة، ويتزيَّنُ بزخرف القولِ غرورًا.. {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال:42]..
وقد حوى القرآنُ الكريمُ على عدةِ نماذجَ من مُناظرةِ أهلِ الباطلِ، أشهرها مناظرة إبراهيم عليه السلام مع النمرود، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258]..
وقد اشتهرَ عُلماءُ المسلمين عبرَ العصورِ بقوة المناظرةِ، وحُجّيتهم البيّنةِ، وهُدوئِهم المنطقي، ومِن أبرزِ ما يُروى في هذا البابِ مناظرةُ الإمامِ أبو حنيفةَ رحمه الله لجماعةٍ من الملحدين الدهريين، حيث قال لهم: قد ذكروا لي أنَّ سفينةً في البحرِ عظيمةَ الصنعِ، واسعةَ الأطراف، كثيرةَ المرافقِ والمصالحِ، إلا أنَّهُ ليس بها من يُنظِّمها أو يُدبّرها، ولا من يسوقُها أو يحرسُها، بل هي التي تفعلُ ذلك كُله، فهي التي تُسيّرُ نفسَها بنفسِها، فتذهَبُ وتجيء، وتخترقُ الأمواجَ وتعبرُ المحيطاتِ، وترسو في الموانئِ، وتُوصِلُ الأحمالَ، تفعل ذلك كُلّهُ بنفسها، فقال الملاحدة: هذا شيءٌ مُستحيلٌ ولا يقولهُ عاقلٌ.. فقال الإمام: ويحكم فهذه الموجُوداتِ العظيمةُ بخلقِها البديع، ونظامِها الدقِيق، واتساعِها المذهل، وما فيها من عوالمَ مختلفةٍ، وما اشتملت عليه من إِحكامٍ وإِتقانٍ عجيبٍ، هل يُعقلُ أنها تُسيّرُ نفسَها بنفسِها، وأنه ليس لها صانعٌ عليمٌ، ولا مُدبرٌ حكيمٌ.. فبُهِت القوم ورجعوا إلى الحقِّ..
والمناظرات كثيرةٌ ومتنوعة، إلا أنّ أجمل ما مر بي فيما يخصُ الالحاد، مناظرةٌ رائعةٌ قويةٌ جرت بين عالمٍ مسلمٍ من عُلماءِ الأعجازِ العلمي وأحدُ علماءِ الغرب المُلحدين، انتهت بإسلامه ولله الحمد..
حيثُ بدأت المناظرةُ بقول الشيخِ للملحد: أنت لا تُؤمنُ بالخالق جلَّ وعلا فمن الذي أوجدك..
قال الملحدُ: أوجدتني الطبيعة..
قال الشيخُ: هل تقصدُ بالطبيعة، الصُّدفةُ..
قال الملحدُ: نعم..
قال الشيخُ: أليست الطبيعةُ صمّاءَ بكماءَ عمياءَ.. ليس لها عِلمٌ ولا حِكمةٌ، وليس لها عقلٌ ولا تدبيرٌ..
قال الملحدُ: نعم..
قال الشيخُ: فلو أخبرتُكَ أنَّ صانعَ هذا المصباحِ الكهربائي (وأشارَ إلى مِصباحِ الغرفة)، عِندهُ زجاجٌ أتصدقني؟..
قال الملحدُ: نعم.. وإلا كيفَ سيصنعُه..
قال الشيخُ: ولو قلت لك أنّ لدى الصانعِ قُدرةٌ على تشكيلِ الزُّجاجِ كما يريدُ أتصدقني..
قال الملحدُ: نعم..
قال الشيخُ: ولو قلت لك أنَّ صانعَ هذا المصباحِ مُتقِنٌ حكيمٌ، فقد استطاعَ أن يُحكِمَ الغِطاء حولَ الزجاج، أتصدِقُني..
قال الملحد: نعم..
قال الشيخ: ولو قلتُ لك أنَّ صانعَ المصباحِ لديهِ علمٌ بالكهرباء، أتصدقني.. قال الملحد: لا بدَّ أن يكونَ لديهِ علمٌ بالكهرباء وإلا لما استطاع أن يجعلهُ يُضيئ..
قال الشيخ: إذن فأنت ودونَ أن ترى صانِعَ المصباحِ، تُقرُّ وتشهدُ بأنَّهُ يتصِفُ بصفاتٍ كثيرةٍ: منها أن لديهِ زُجاجٌ، وأنَّهُ قادرٌ على تشكيلِ الزُّجاجِ، وأنَّهُ مُتقِنٌ لصنعتهِ، وأنَّ لديهِ عِلمٌ مُتقدِمٌ بالكهرُباء..
قال الملحدُ: نعم أُقرًّ بكُلِّ ذلك..
قال الشيخُ: كيفَ وأنت لم ترى الصانع؟!..
فأشارَ الملحدُ إلى المصباحِ وقال: هذا صُنعهُ أمامي..
قال الشيخُ: إذن فأنت تُقرُّ بأنَّ الشَّيءَ المصنُوعَ سواءً كان مِصباحاً أو غيرهُ يدلُ على بعضِ صِفاتِ صانِعهِ، فلا تُكونُ خاصِيةٌ في الشيءِ المصنوعِ إلا وعندَ الصانعِ قُدرةٌ أوجدَ بها تلك الخاصِية..
قال الملحدُ: نعم..
قال الشيخُ: فلنتحول من صُنعِ المصباحِ إلي صُنعِكَ أنت.. فهل لا زلت تزعُمُ أنك خُلقتَ صُدفةً، أي بلا علمٍ ولا حِكمةٍ..
قال الملحدُ: نعم..
قال الشيخُ: فماذا تعرفُ عن العين، وأشارَ الشيخُ إلى عينهِ..
قال الملحدُ: جهازٌ يستقبلُ الضوءَ المنعكِسَ من الأجسامِ فيترجِمُه في الدِماغِ إلى صورٍ مُتتابِعة..
قال الشيخُ: أي أنهُ لا يعملُ في الظلامِ..
قال الملحدُ: بالطبع لا يعمل..
قال الشيخُ: فأين صُنعت العين..
قال الملحدُ: في رحِم الأُمِّ..
قال الشيخُ: وهل في الرَّحِم ضوءٌ..
قال الملحدُ: لا..
قال الشيخُ: فالذي صنعَ جِهازاً خاصاً بالضوءِ في مكانٍ مُظلمٍ لا ضوءَ فيه، وفي وقتٍ لم يكن الجنينُ بحاجةٍ لهذا الجهازِ عِدةَ أشهُرٍ، هل يعلمُ بأنهُ سيستخدمهُ عندما يخرجُ للضوءِ، أم لا يعلم..
فاضطربَ الملحدُ وتخبّط، وقال: لا يعلم.. لأنهُ لو قال يعلمُ فستنتهي خُرافةُ الطبيعةِ والصدفةِ التي لا تعلم..
قال الشيخ: فلنتكلم عن شيءٍ آخر، كم درجةُ حرارةِ الانسانِ الطبيعية.. قال الملحدُ: 37..
قال الشيخُ: أليست هذه الدَّرجةُ ثابتةٌ لكلِّ البشرِ صيفاً وشتاءً، وفي المناطق الحارةِ والباردةِ على حدٍ سواء..
قال الملحدُ: نعم..
قال الشيخُ: أليسَ في الجسمِ عوامِلَ تُحافِظُ على ثباتِ هذه الحرارةِ دائِماً، كإفرازِ العرقِ في الحرِّ، وازديادِ الحاجةِ إلى الطعام في البرد، ولذلك نُكثرُ من شُربِ الماءِ صِيفاً، ونأكلُ أكثرَ في الشتاءِ..
قال الملحدُ: نعم..
قال الشيخُ: فهل من أوجدَ هذا الميزانَ الدقيقَ ليجعلَ حرارةَ الجسمِ ثابتةٌ دائماً عند تلك الدرجةِ، حكيمٌ أم غيرُ حكيمٍ.. فاستمرَ الملحدُ في عناده وقال: ليس بحكيم.. لأنَّهُ لو قالَ حكيم، فسيتعارضُ مع عقيدته في الطبيعة والصدفة، فهي بلا عِلمٍ ولا حِكمة..
قال الشيخُ: شيءٌ آخر: أليس هذا الجهازُ الدقيقُ الخاصُ بضبطِ حرارةِ الجسمِ دائماً عند 37، قد صُنعَ في الرَّحِم..
قال الملحدُ: نعم صُنعَ في الرِّحِمِ..
قال العالم: أليست درجةُ حرارةِ الرَّحِمِ أيضاً ثابتةٌ دائماً عند 37..
قال الملحد: نعم، لأنها داخِلَ جِسمِ الأُمِّ..
قال الشيخُ: فالذي صَنعَ جِهازاً خاصاً بضبطِ وتثبيت حرارةِ الجسمِ عند درجةٍ معينةٍ صيفاً وشتاءً، وصنعهُ في مكانٍ لا تتغيرُ فيه درجةُ الحرارةِ، وفي وقتٍ لم يكن الجنينُ بحاجةٍ لهذا الميزانِ عِدةَ أشهُرٍ، هل يعلمُ بأنَّهُ سيحتاجُهُ عندما يخرجُ للأجواءِ الخارجيةِ المتغيرةِ أم لا يعلم..
فاستمرَ الملحدُ في غيهِ وقال: لا يعلم..
قال الشيخُ: أمرٌ رابع: كم نسبةُ الأُكسجينِ في الهواء..
قال الملحدُ: قُرابةَ الخُمسِ..
قال الشيخُ: فهل هذه النِّسبةُ ثابتةٌ أم مُتغيرةٌ..
قال الملحدُ: بل هي ثابتةٌ على الدوام..
قال الشيخُ: فما الذي يضبِطُها هكذا، رغمَ كثرةِ استهلاكِ البشرِ والحيواناتِ للأُكسجين..
فقال الملحدُ: النباتاتُ عموماً وتبخرُ مياهِ البِحارِ والمحيطاتِ وغيرها من العوامِلِ..
قال الشيخُ: فالذي صَنعَ هذا التَّوازُنَ العجيبَ، وجعلَ هذه النسبةَ ثابتةٌ لا تتغيرُ في كلِّ بقاعِ الأرضِ، هل الذي فعلَ هذا وقدَّرهُ هذه التقديرَ الدقيقَ المتقن، حكيمٌ أم غيرُ حكيم..
قال الملحدُ: لا، ليس بحكيم..
قال الشيخُ لنفسه: لا بدَّ من حيلةٍ تكسِرُ عنادهُ..
قال الشيخ فسألتُه: لماذا يلبَسُ رُوادُ الفضاءِ تلك البدلةَ الغريبة؟.
فقال الملحد: لحمايتهم من أضرار الفضاءِ الخارجي..
قال الشيخُ: فهل الذي صنعَ تلك الملابسِ عُلماءٌ متخصصون أم أُناسٌ عادِيون..
قال الملحدُ: بل عُلماءُ مُتخصِصون..
قال الشيخُ: لماذا؟..
قال الملحدُ: لأنهُ لابدَّ أن يتوفرَ فيها مُواصفاتٌ خاصةٌ، فتحميهم من الحرارةِ المرتفعة، والإشعاعاتِ الضَّارةِ، والضغطِ العالي، وأمورٌ لا يعلمُها إلا مُتخصِصٌ..
قال الشيخُ: فأنت عندما كُنتَ في بطن أمِّك، من أين كُنتَ تتنفسُ وتأكُل.. قال الملحدُ: من الحبلِ السُّري..
قال الشيخُ: فتخيل أنك عندما كنت في بطن أمِّكَ مثلَ رائدِ الفضاءِ الذي زودهُ العُلماءُ بتلك البدلةِ الخاصة، فهل الذي زودك وأنتَ في بطن أُمكَ بالجهاز التنفُسي والجهازِ الهضمي، في وقتٍ لم تكن تحتاجُ لهذا الأجهزة، يعلمُ أنَّك ستستخدِمُها عندما تنطلقُ إلى الفضاءِ الخارجِي أم لا يعلم..
فضحكَ الملحدُ وقال: يعلم.. وهكذا استسلمَ أخيراً وأقرَّ بأنَّ من خلقَ الانسانِ يتصفُ بالعلم..
ثم تكلَّمَ الشيخُ عن عجائب تركيبِ العظام، وتداخلاتها المحكمة، وكيفَ أنَّ كُلَّ عظمةٍ تتَّصلُ بأختها بكلِّ دِقةٍ وإحكام، وتكلَّمَ عن الأسنانِ وتناسُقِها وإحكامها، وتقسِيمها إلى قواطِع وأنيابٍ وأضراسٍ مُتناسِقةٍ مُتكامِلة، وتكلَّمَ عن الرموشِ، وكيفَ يتقوسُ شعرها مرةً للأعلى ومرةً للأسفل، وتكلَّمَ عن تناسُقِ الأعضاءِ وتناسُبِها، فلا عينَ أكبرَ من عين، ولا أُذنَ أصغرَ من أُذن، ولا يدَ أطولَ من يد، ولا رِجلَ أقصرَ من رجل، مما يدلّلُ على عظمةِ وقُدرةِ ودقةِ الخالقِ الحكيمِ سبحانه، فـ{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر:24]..
نسألُ اللهَ أن يشرح صدرونا جميعاً للحق، وأن يهدينا سواء السبيل..
وأخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين..