|
تابعت الجدل الدائر في الساحة الإسلامية هذه الأيام , و الذي اشتعل في أعقاب
فوز السيناتور الأمريكي باراك اوباما بمنصب الرئاسة الأمريكية , فمن مقالة
الدكتور الأحمري وما أثارته من تعقيبات كثيرة , إلى الرد الأخير للمدون فؤاد
الفرحان على مقال للشيخ ناصر العُمر , و الحقيقة أني أستطيع القول بأن ما حدث
هو سجال أشعله ما يمكن أن نسميه بفريق ( الإصلاحيون الجدد) , وذلك ابتهاجاً
بنظام الحكم الديمقراطي الذي أوصل رمز المستضعفين و المحرومين إلى أعلى مراكز
الحكم في أمريكا , و ربما تعريضاً بغيره من النظم .
و من خلال متابعات نتاج و سجالات هذا الفريق أو هذا الطيف , و الذي يمكن تصنيفه
في العموم ضمن أطياف التيار الإسلامي ,فإنه يلحظ عليه انشغاله بقضايا الإصلاح
السياسي خصوصاً .
و من المعروف أن مختلف الأطياف و التيارات باتت ترفع شعارات الدعوة إلى الإصلاح
, إلا أن الملاحظ أيضاً أن هذه التيارات و الأطياف تتباين في فهمها و تعريفها
له , و كذلك في تحديد ألأولويات , و لذا فيمكن القول إن هذا الفريق يتفق مع
غيره في أصل الدعوة إلى الإصلاح , إلا أن ما يميز أفراده في التعاطي مع هذا
الهدف ما يلي :
1.
الحماس و الاندفاع الشديد و الانسياق وراء العاطفة عند طرح الأفكار التي
يعتقدون بصحتها.
2.
عدم الانطلاق من منطلقات شرعية محضة , و إنما من منطلقات حضارية مستوردة , و
أحياناً من منطلقات شخصية محتقنة!
3.
الافتقار إلى التوازن و العدل و التمحيص , فبينما يركز هذا الفريق على الجوانب
المضيئة في المشاريع التي يسعى لترويجها , نجده في المقابل يعمد إلى اختزال
المشاريع الأخرى في بعض التطبيقات الخاطئة .
4.
غياب النظرة الإستراتيجية.
5.
القابلية الشديدة للخصومة مع المخالفين , سواء كان ذلك المخالف سياسي أم ديني ,
و التبرم و الضيق بالآراء المخالفة , في الوقت الذي يدعون فيه إلى احترام الرأي
الآخر و عدم الوصاية.
6.
حصر الإصلاح في الجانب السياسي و تهميش ما سوى ذلك , بل يمكننا القول أن ما سوى
ذلك يعد عند هذا الفريق أمراً ثانويا , و ربما يكون عائقاً أو حتى خدعة!
7.
كما أن هذا الفريق يحصر الإصلاح في شقه السياسي , فهو كذلك يحصر آليات معالجته
في طريقته الخاصة , و التي تميل إلى الاندفاع و عدم الواقعية و عدم الوضوح في
بعض الأحيان , ولعل هذا الاندفاع و الحماس الذي أشرت إليه يفسر تعرض بعض أفراده
لبعض المتاعب .
8.
الإغراق في جلد الذات.
و يرى بعض مخالفي هذا الفريق من الإسلاميين أن هذا الفريق قد أصبح على مرمى حجر
من معسكر بعض دعاة الإصلاح من المنتمين للتيار الديني , و الذين ما لبثوا أن
تحولوا إلى الطرف المقابل , بل و أصبحوا ضد الفكرة الدينية بالأساس , و لعل
لهذه النظرة ما يبررها فإن المتابع لخط سير هذا الفريق يرى انه قد بدأ يبتعد
تدريجياً عن استخدام الأدبيات التي عرف عن الإسلاميين استخدامها بل و الحدة في
نقد هذه الأدبيات , و في المقابل فقد بدأ في استخدام لغة لا تختلف كثيرا عن لغة
مشاكسي الصحافة الذين دأبوا على مشاغلة الإسلاميين عبر كتاباتهم و نقاشاتهم
الفضائية.
من جهة أخرى هناك من يرى أن هذا التحول في خطاب هذا الفريق يفرض و يحتم على
الإسلاميين المبادرة إلى احتوائه و تفهم الخلفيات التي قادته إلى ذلك , و ذلك
سعياً لكسب إفراده و الالتقاء معهم و العمل على إيجاد أرضية مشتركة هدفها
الاستفادة المتبادلة من الآراء المختلفة , حيث أنه من المفترض أن يقف الجميع في
خندق واحد ضد هجمات التيارات التي يتفقون على خطرها , و دعم خطوات الإصلاح
المتعددة دون اللجوء إلى حرق المراحل , كما أنه من المفترض أيضا الاقتداء
برسولنا صلى الله عليه و سلم في طلب الحق و التجرد له و البعد عن حظوظ النفس و
التي بدا واضحاً أن لها دوراً كبيراً في الرفع من درجة حرارة هذا السجال .