|
لم يكن ما تعرض له الرئيس الأمريكي من اهانة ( مستحقة) سابقة من نوعها بين
الزعماء , فقد تعرض عدد من الرؤساء إلى إحراجات أو اهانات من نوع ما , و يبقى
أن ما تعرض له الرئيس الأمريكي له طعمه و مذاقه الخاص حتى لدى الكثير من
الأمريكيين , وذلك, انطلاقاً من توقيت تلك الاهانة و كذلك رمزية الأداة
المستخدمة .
و الملاحظ هنا أن دعاوى حرية التعبير التي بشرت بها أمريكا , و التي يندرج
تحتها تصرف ذلك الصحفي, تبخرت بمجرد القبض على ذلك الصحفي الغاضب ! بل إن شقيقه
أخبر عن تعرضه للضرب المبرح ما نتج عنه كسور في ذراعه وأحد أضلاعه وأصابته
بجروح في عينه و ساقه ومناطق متفرقة من جسده , بل أن أحد المسئولين ( و الحديث
لشقيق الزيدي) قال لأسرته بالحرف الواحد : انسوا منتظر!
و يواجه الصحفي عقوبة قد تصل إلى 15 سنة , و هذه العقوبة نصت عليها بحسب
المصادر العراقية مادة من قانون العقوبات من عهد صدام , و الغريب أن حكومة
المنطقة الخضراء قد دأبت على تغيير كل قانون يمت للبعثيين بصلة إلا هذه المادة
!
و الحقيقة أنه كان بإمكان الرئيس الأمريكي أن يقلب الموقف لصالحه لو كان يتمتع
بأقل درجات الذكاء السياسي ! و ذلك بأن يصدر أوامره للمالكي بالعفو عن الصحفي ,
ليعطي بذلك صورة زاهية عن ديمقراطيته المزعومة , و لكن يبدو أن ( فجعة) الحذاء
الطائر و حرص بوش على امتصاص غضب أتباعه في المنطقة , الذين تفجروا حمية له
أكثر من الأمريكيين أنفسهم , قد أضاعا عليه تلك الفرصة الذهبية.
بقي أن أشير إلى أن تاريخنا الإسلامي الزاهي قد نقل إلينا بعض مظاهر التسامي و
العفو الحقيقية من قيادات راشدة عن تصرفات مشابهة قام بها بعض الأشخاص في حقهم
, و يأتي في مقدمة أولئك صفوة البشر صلى الله عليه و سلم , و الذي تعرض لبعض
تلك المواقف المستفزة , ومنها موقفه مع اليهودي الذي كان قد أدانه مبلغاً من
المال , فجاءه قبل موعد السداد و كلمه بأسلوب لا يليق معه و هو الحاكم الفعلي
للمدينة و القادر على معاقبته أو على الأقل الإذن لبعض أصحابه بذلك , لكنه كان
يواجه كل ذلك بالحلم و العفو ما حدا بأولئك الأشخاص إلى تقديم الاعتذار و الندم
, بل ( و هو الأهم) كسبه لمحبتهم و انقيادهم , و أبلغ من ذلك عفوه عن كثير ممن
حاولوا قتله و منهم تلك اليهودية التي دست له السم , و التي إنما قتلت فيما بعد
بسبب موت أحد الصحابة متأثرا بسمها.
و تذكر المصادر الإسلامية قصة ذلك الرجل الذي جاء إلى عمر رضي الله عنه و قال
له : هي يا ابن الخطاب فو اللّه ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب
عمر حتى همَّ أن يوقع به، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين إن اللّه تعالى قال
لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ
عَنِ الْجَاهِلِينَ} وإن هذا من الجاهلين، فما كان من عمر رضي الله عنه إلا أن
أعرض عنه .
و من الشواهد أيضاً ما جرى لأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز حين دخل المسجد
ليلاً فداس برجله على قدم احدهم و هو نائم , فقام الرجل مغضباً وقال : هل أنت
حمار ؟ فلم يزد عمر رحمه الله عن قوله : لا أنا عمر بن عبد العزيز.
فيا فخامة الرئيس بوش : ذاك كان خلقنا عندما كنا سادة العالم و قادته , فهل
تستطيع الآن و أنت رئيس لأقوى دولة في العالم و أكثرها تمسحاً بقيم العدل و
الحرية , و أنت الذي تزعم أن الله أرسلك لتحرر العراقيين , و انك لم تدخل
العراق إلا من اجل إرساء مفاهيم الحرية و الديمقراطية , هل تستطيع يا سيادة
الرئيس أن تفعل فعلنا ؟
أتحداك يا فخامة الرئيس أن تتصل على ( الحاكم بأمرك ) لتقول له أخرج منتظر ! و
صدق و الله القائل:
حكمنا فكان العدل منا سجية *** ولما حكمتم سال
بالدم أبطح
ولا عجب هذا التفاوت بيننا *** فكل إناء بالذي فيه ينضح