يشاء الله قدرا أن يوجد في كل زمان من أهل الكفر من يتجرأ بسفاهة على مقام
النبوة، و له في ذلك حكم لا يعلمها إلا هو، لعل منها الإختبار و الإبتلاء
لأتباع هذا الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، و إلا فإن مقامه عليه الصلاة
والسلام أسمى و أجل من أن ينال منه أحد بسوء، كيف و قد قال الله له :( إِنَّا
كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)، و قال له :( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ
النَّاسِ).
إذا فلا يمكن بحال من الأحوال أن يضره استهزاء أحد أو أن ينقص من قدره، بل ذلك
رفعة له عند ربه و مولاه عز وجل.
كما أن جزاء من يشنؤه و يبغضه محسوم سلفا بأنه البتر، فضلا عمن يتجرأ على مقامه
الشريف، فقد قال الله له: ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ )
قال أهل التفسير : يعني بقوله جل ثناؤه: ( إِنَّ شَانِئَكَ ) إن مبغضك يا محمد
وعدوك ( هُوَ الأبْتَرُ ) يعني بالأبتر: الأقلّ والأذلّ المنقطع دابره.
و لقائل أن يقول :إذا كان الأمر كذلك،
فهل غضب المسلمين و استنكارهم لأي عدوان على جنابه خطأ و غوغائية؟
و الجواب : كلا، بل غضبهم و حميتهم
لرسولهم صلى الله عليه وسلم هو أقل ما يمكن أن يقدموه، بل عدم ذلك يعد تخلفا
عنه و تقصيرا في حقه صلى الله عليه وسلم، و قد قال الله:( مَا كَانَ لِأَهْلِ
الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن
رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ).
إذا، فكيف يكون الرد الصحيح على ما
يتكرر بين فترة و أخرى من هذه الأفعال الشائنة؟
و الجواب :
مع و جوب تذكر ما أسلفت من أن الله قد حفظ جانب نبيه صلى الله عليه وسلم و أنه
تكفل بالذب عنه و إهلاك أعدائه، فلا يتطرق للمسلم في ذلك أدنى شك، فإنه يجب أن
تتحول تلك الحمية الطيبة و الهبة المباركة إلى أفعال إيجابية.
نعم، فإن هذه الأفعال التي يقوم بها أعداؤه صلى الله عليه وسلم، و التي تؤلمنا،
نستطيع أن نجعلها تنقلب عليهم إذا أحسنا الرد عليها!
*
و من الردود الايجابية الكثيرة بجانب المقاطعة
الاقتصادية (و التي بدأت آثارها على المعتدين قبل أن تبدأ فعليا) ما يلي:
*
الإطلاع على سيرته و العكوف عليها، فإن دراسة سيرته صلى الله عليه وسلم من أنفع
الأعمال للمؤمن، و من أكثر ما يزيد الإيمان، فبذلك يحصل اكتشاف و تسليط الضوء
على مكامن و أسرار عظمته.
*
القراءة في أحاديثه و دراستها، فإن فيها من البركة و الهدى و النور ما يشرح قلب
المؤمن و يزيده ثباتا و طمأنينة و تمسك بالسنة.
*
استغلال هذه الأحداث في التعريف به و إذكاء
شعلة محبته في قلوب المسلمين بل و تعريف غير المسلمين به عليه افضل الصلاة
والسلام.
كل ما سلف و غيره يعتبر من الردود الإيجابية التي لها نكاية في أعدائه و مبغضيه
أكثر من شتمهم ليل نهار،و إن كانوا أهلا لذلك.
و كل ما سلف يمكن تطبيقه على مستوى الفرد أو الأسرة أو المجتمع بشتى الوسائل و
الطرق المتاحة ، و هو أقل ما يمكن أن ننصر به نبينا صلى الله عليه وسلم
أسأل الله أن يجعلنا من أنصاره، فإن نصرته شرف لا يستحقه كل أحد، و إلا لما
رأينا من مرضى القلوب من يلتمس الأعذار لأولئك الكفرة، و يبرر لهم، و في
المقابل يلمز و ينتقد ما يراه من ردود شعبية، فمثل هؤلاء لعله يصدق فيهم قوله
تعالى :( و لكن كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ).
اللهم صل وسلم على نبينا محمد، و ارزقنا نصرته و احشرنا تحت لواءه و عجل بهلاك
شانئيه و اجعل منهم عبرة و آية للعالمين.