الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في
أبها
ومدير مركز البحوث التربوية بالكلية
= أيها الحاج الكريم .
== يا ضيفاً من ضيوف الرحمن .
=== يا من لبَّيت النداء الخالد لخليل الرحمن عليه السلام .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فإن الحج من أكثر العبادات تحقيقاً لمعنى العبودية الحقة لله سبحانه وتعالى ،
كما أنه عبادة تزكي النفس البشرية من العداوة والبغضاء والشح والإيذاء يوم يهرع
المسلم ببدنه لإجابة النداء الخالد مخلفاً وراءه المال والأبناء ، والأهل
والأصدقـاء ، قاصداً بيت الله الحرام ليؤدي هذه الفريضة امتـثالاً لقوله تعالى
: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ
سَبِيلاً }
( آل عمران : من الآية 97 )
. واقتداءً بهدي وسنة سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم الذي صح عن أبي
هريرة رضي الله عنه أنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يقول : " من حجَّ فلم يرفث ، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أُمه "
( البخاري ، الحديث رقم 1521 ، ص 247 )
.
وهنا أوجه هذه الرسالة لكل حاجٍ مسلمٍ مؤملاً أن ينفع الله بها ، وأن تكون من
باب التذكير الذي قال فيه الحق سبحانه وتعالى : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى
تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } ( الذاريات : 55 ) ، وأقول مستعيناً بالله وحده :
=
يا من شددت الرحال إلى بلد الله الحرام
وتركت الأهل والأبناء ، والديار
والأوطان ، وتجشمت المتاعب والصعاب حتى تصل إلى حرم الله الآمن ، اخلص النية
لله تعالى في حجك ، واقصد به وجه الله ومرضاته ، وكن متبعاً لهدى النبي
صلى الله عليه وسلم في قولك وفعلك ونسكك ، ولا تتردد في سؤال أهل العلم
الموثوقين عن ما أشكل عليك ؛ حتى تكون على بينةٍ من أمرك ، ويكون حجك صحيحاً إن
شاء الله تعالى . قال سبحانه : { فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا
تَعْلَمُونَ }
( النحل : من الآية 43 )
.
=
يا من قصدت بيت الله تعالى وحرمه الآمن
لا تؤذ غيرك من حجاج بيت الله الحرام بالقول أو بالفعل
، واحذر من مزاحمتهم أو مضايقتهم وبخاصةٍ متى كنت قوي البنية مكتمل الصحة
والعافية ، فإن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد حذّر من إيذاء
الناس فقال :
" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده "
( البخاري ، الحديث رقم 4 ، ص 5 )
. وعليك - بارك الله فيك - بضبط النفس والجوارح ، ومحاولة كظم الغيظ ، و الحرص
على تجنب الجدال مع الآخرين عملاً بقوله تعالى : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً
}
( البقرة : من الآية 83 )
.
=
يا من أكرمك الله بإدراك هذه المناسبة
العظيمة ، والوصول إلى هذه البقاع المقدسة
؛ تذكّر أنك في موسمٍ عظيمٍ ، و أيامٍ
مباركةٍ يُضاعف الله تعالى فيها الأجر والثواب لمن عمروا أوقاتهم بالطاعات
وشغلوها بالعمل الصالح الذي شرعه الله تعالى لعباده . وتذكّر أنه قد روي عن ابن
عباسٍ ( رضي الله عنهما ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما
من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيامِ ( يعني أيامَ العشر
) . قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهادُ في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهادُ في
سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء "
( ابن حبان ، ج 3 ، الحديث رقم 324 ، ص 30 )
.
=
يا من أجبت النداء الخالد ، ولبيت دعوة
أبينا إبراهيم عليه السلام عليك بالسكينة والوقار في كل شأنك ،
وترَّفق بإخوانك الحجاج أثناء الطواف والسعي ، وعند رمي الجمرات ونحر الهدي
والأضاحي ، وأثناء التنقل بين المشاعر . وإياك أن تؤذي غيرك من الحجاج بقولٍ أو
فعلٍ وبخاصةٍ عند استلام الحجر الأسود ، وكن مع الناس لطيفاً يكن الله بك
رحيماً . قال تعالى : { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً }
( الأحزاب : 58 ) .
وأعلم – غفر الله لي ولك – أنه لا يلزم الحاج أو المعتمر استلام الحجر الأسود
وتقبيله ، ويكفيه الإشارة إليه بيده والتكبير متى كان الزحام شديداً .
=
يا من جعلت قدوتك في كيفية القيام
بالعبادات وأداء الشعائر والمناسك ما جاء به سيد الخلق محمد صلى الله
عليه وسلم ؛ إياك أن تقع في بعض
البدع التي يقع فيها كثير من الحجاج - عن جهلٍ منهم - فلا تخص كل شوطٍ من
الطواف أو السعي بأذكارٍ مخصوصةٍ أو أدعيةٍ معينة لأن هذا أمرٌ لا أصل له ،
وعليك الإكثار من الدعاء في طوافك وسعيك بما تيسر ، أو الانشغال بذكر الله
تعالى تسبيحاً وتهليلاً وتكبيراً واستغفاراً ونحو ذلك ، أو قراءة وترتيل
القرآن الكريم . وأعلم أنه ليس لعرفة دعاءٌ مخصوص ، ولا للمشعر الحرام بمزدلفة
بل على الحاج أن يدعو بما تيسر ، وما أُثِرَ عن نبينا محمدٍ صلى الله
عليه وسلم من الأدعية الثابتة الصحيحة الجامعة للخير .
=
يا من تبتغي بحجك وأداء مناسكك وجه الله
تعالى ومرضاته ؛ اعلم أن تقبيل الركن
اليماني من الكعبة الشريفة أثناء الطواف بها خطأٌ لا ينبغي لأنه يُستلم باليد
اليمنى فقط ، ولا يُقبّل مثلما يُقبّل الحجر الأسود ؛ فلا تفعل ذلك عند طوافك ،
ولا تُزاحم غيرك لاستلامه متى كان ذلك شاقاً عليك . وامض في طوافك دون إشارة أو
تكبير عنده.
=
يا من تحرص على تمام عملك وترجو قبوله
كاملاً غير منقوص ؛
لا تُبق كتفك اليمنى مكشوفةً عند
الإحرام ؛ فهذا خطأ يقع فيه كثير من الحُجاج الذين يجهلون أن كشف الكتف اليمنى
لا يُشرع للحاج أو المُعتمر إلا في طواف القدوم ، ويُسمى ( الاضطباع ) فإذا ما
انتهى الطواف فإن على الحاج أو المعتمر أن يُعيد رداءه على كتفيه وصدره وأن
يُكمل باقي نسكه .
=
يا من تعرف لبيت الله الحرام قدره
ومنـزلته
؛ إياك وبعض أفعال الجُهال كرفع الصوت
بالذكر ، أو الدعاء بشكلٍ جماعيٍ مزعج يُشوش على الآخرين ، أو لمس جدار الكعبة
وثيابها أثناء الطواف ، أو رمي الجمرات بالحجارة الكبيرة والقوارير والنعال
ونحو ذلك من الأفعال التي لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم
وصحبه الكرام .
=
يا من قصدت بحجك طاعة الله تعالى
ومرضاته جل في علاه لا تُخطئ في فهم معنى التعجل
الذي قال فيه تعالى : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ
وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ
وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }
( البقرة :من الآية 203 )
. لأن المراد باليومين الحادي عشر والثاني عشر ، وليس يوم العيد ويومٍ بعده كما
يُخطئ كثير من الحجاج في فهم ذلك جهلاً .
وأعلم - تقبّل الله مني ومنك - أن من تأخر إلى اليوم الثالث عشر فرمى الجمار
بعد زوال الشمس ثم نفر فإنه يكون قد أتى بالأفضل والأكمل ، وجنب نفسه مشقة
الزحام والعناء .
=
يا من تحرص على الحج المبرور والسعي
المشكور والتجارة التي لا تبور ؛
إحذر المبالغة في الاهتمام بأمور الدنيا
، وصرف الوقت الطويل في شؤونها كالبيع والشراء ، والتجول في الأسواق ،
والانشغال بشراء الهدايا ، ونحو ذلك مما يُضيع وقتك ، ويحرمك فضل هذه الأيام
الكريمة وثوابها العظيم ، والتي لا تدري هل ستعود إليها أم لا .
ثم تذَّكر - أخي الكريم - أنك في بلد الله الحرام الذي تُضاعف فيه الحسنات
بالأعمال الصالحة ، كما تُضاعف فيه السيئات باقتراف المعاصي والآثام ؛ فلا تدع
الفرصة تفوتك ، واغتنم فترة وجودك في هذه الرحاب الطاهرة والبقاع المقدسة في
الإكثار من صالح الأعمال والأقوال كأداء الفرائض ، والإكثار من النوافل ،
والانشغال بتلاوة القرآن الكريم ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
، والإكثار من الذكر والدعاء والاستغفار ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
والحرص على الصدقة ، والإحسان إلى الغير ، ومساعدة المحتاج ، وإرشاد الضال ،
ونحو ذلك من أعمال البر وأفعال الخير .
=
يا من أكرمك الله تعالى بإتمام مناسك
الحج ، وأداء شعائره كاملةً غير منقوصة
؛ لا تنس أن تحمد الله جل في عُلاه على أن وفقك لإتمام حجك ، وأن تشكره سبحانه
أن يسر لك ذلك ، وعليك أن تسأل الله تعالى أن يكون عملاً صالحاً مقبولاً .
=
وختاماً .. أسأل الله تعالى لنا ولكم
حجاً مبروراً ، وسعياً مشكوراً ، وذنباً مغفوراً ، وأن يهدينا جميعاً إلى خير
القول وصالح العمل ، وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
كثيراً .