|
( الخطبة الأولى )
الحمد لله الذي يُنعم على عباده بالخيرات والمسرات ، ويوالي على عباده مواسم
الخير والطاعات ، ليزيدهم من الحسنات ، ويرفع لهم الدرجات ، ويمحو عنهم
الخطيئات . والصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمدٍ بن عبد الله الذي شرح الله
له صدره ، ووضع عنه وزره ، ورفع له ذكره ، وأعلى له قدره صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله الأخيار
، وصحابته الأطهار ، ما تعاقب الليل والنهار . أما بعد ؛
فالله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر كبيرًا ، والحمد لله كثيرًا ،
وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً .
أيها الناس : أهنئكم ونفسي بمناسبة العيد السعيد ، وكلُ عامٍ ونحن جميعًا وأمة
الإسلام والمسلمين في خير ورشاد ، وهدايةٍ و سداد . ونسأل الله تعالى أن يجعل
أيامنا كلها أعيادًا ، وأن يرزقنا فيها فعل الطاعات ، وترك المنكرات ،
والاستزادة من الحسنات .
عباد الله ، اتقوا الله تعالى ، وأعلموا أن مواسم الخير تمُر بنا مرورًا سريعًا
حتى أننا لا نكاد نشعر بمرورها وانقضائها ، وتذكّروا - بارك الله فيكم - أن
السعيد من وفقه الله تعالى إلى اغتنام هذه المواسم بالطاعات والقُربات ،
والإكثار من العمل الصالح والقول الصالح والنية الصالحة .
عباد الله : لقد مرّت على المسلمين في الأيام الماضية مناسبةٌ عظيمةٌ ربح فيها
من ربح وخسر فيها من خسر . وإذا كانت قد طويت صحائف الأعمال فيها وطويت معها
صفحاتٌ من أعمارنا ؛ فإن علينا جميعًا أن نقف مع أنفسنا وقفة محاسبةٍ ومُراجعة
، لنرى ما قدمته أيدينا فيها ، فإن كان لنا فيها رصيدٌ من العمل الصالح ،
والقول الطيب ، والطاعات والحسنات حمدنا الله تعالى وشكرناه وسألناه التكرم
بقبولها والتوفيق إلى مزيد من الخير ، وإن كان غير ذلك من الخطايا والمعاصي
والآثام والذنوب والتقصير ، وجب علينا أن نستغفر الله تعالى ، وأن نتوب إليه ،
وأن نحرص على تدارك الموقف بالإكثار من الحسنات التي قال فيها الحق سبحانه : {
إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }
( هود: من الآية 114) .
وجاء في مسند الإمام أحمد عن أبي ذرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له :
" اتق الله حيثُما كنت ، واتبع السيئة الحسنة تمحُها ، وخالق الناس بخُلُقٍ حسن
" .
وليعلم المسلم أن حياة الإنسان فرصةٌ ثـمينةٌ ، فكان عليه أن يغتنمها في مرضاة
الله سبحانه وطاعته والتقرب إليه ، لأن العمل الصالح والقول الصالح والنية
الصالحة ليس لها موسمٌ محدَّد ، ولا مناسبةٌ معينة ، وأوامر الشرع وتعاليم
الدين جاءت عامةً في كل زمانٍ ومكان ، وفي كل وقتٍ وحين . وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذي روي عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لرجل و
هو يعظه :
" اغتنم خمسا قبل خمس ، شبابك قبل هرمك ، و صحتك قبل سقمك ، و غناك قبل فقرك ،
و فراغك قبل شغلك ، و حياتك قبل موتك " .
فيا أيها الناس ، اتقوا الله تعالى وأصلحوا أعمالكم يُصلح الله أحوالكم ،
ويُبارك في أرزاقكم ، ويُحسن خاتمتكم ، ويُصلح عاقبتكم ، ويُعظِّم مثوبتكم ،
قال سبحانه : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا
نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } ( الكهف :30 ) .
معاشر المسلمين ، جاء في ( شعب الإيمان ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال : " يا أيها
الناس ، إن لكم علمًا فانتهوا إلى علمكم ، و إن لكم نهايةً فانتهوا إلى نهايتكم
؛ فإن المؤمن بين مخافتين :
بين أجل قد مضى لا يدري كيف صنع الله فيه ، و بين أجلٍ قد بقي لا يدري ما الله
قاضٍ فيه ، فليتزود المرءُ لنفسه من نفسه ، و من دنياه لآخرته ، و من الشباب
قبل الهرم ، ومن الصحة قبل السقم ، فإنكم خُلقتم للآخرة ، و الدنيا خُلقت لكم .
والذي نفسي بيده ما بعد الموت من مُستعتبٍ ، و ما بعد الدنيا دارٌ إلا الجنة أو
النار " .
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها *** إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخيـر طـاب مسكنه *** وإن بنـاها بشـرٍ خـاب بانيهــا
وجاء عن أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه أنه قال في إحدى خُطبه : " إنكم تغدون وتروحون إلى
أجلٍ قد غُيبَ عنكم ، فإن استطعتم أن لا يمضي هذا الأجل إلا وأنتم في عملٍ
صالحٍ فافعلوا " .
يا راكضًا في ميادين الهوى مرِحًا ***
ورافــلاً فــي ثيـــاب الغـيِّ نشـوانـا
مضى الزمان و ولى العمر في لعبٍ ***
يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا
كما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : " أيها الناس : حاسبوا أنفسكم قبل أن
تُحاسبوا ، وزِنوها قبل أن توزنوا ، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله ، ثم قرأ
قوله تعالى : { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } (
الحاقة : 18 ) .
فيا عباد الله ، إن من الواجب علينا جميعًا أن نقوِّم حياتنا بعد هذه المناسبة
، وأن نرى هل تركت العبادات والطاعات فيها آثارًا واضحةً في حياتنا ؟
وأن نسأل أنفسنا ماذا خرجنا به من تلك الأيام العظيمة التي أنعم الله ( جل
جلاله ) علينا فيها بالصحة ، والعافية ، والسلامة ، وكثيرٍ من النعم التي لا
تُعد ولا تُحصى .
وأن نعلم أن مواسم الخير والطاعات تفرض علينا أن يكون هناك تغيرٌ شاملٌ وتبدلٌ
كاملٌ في مجريات حياتنا بأن نستيقظ من الغفلة ، وأن نبادر إلى الاستقامة ، وأن
نحرص على الطاعة وكثرة الاستغفار ، فقد قال بعض أهل العلم : إن الله تعالى قد
شرع لعباده كثرة الاستغفار بعد انتهاء العبادات والطاعات ، وبعد انقضاء مواسم
الخيرات ليجبُر به النقص وليسُد الخلل .
فهنيئًًا لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا ، وهنيئًا لمن علم أن الأعمال
بالخواتيم ، وهنيئًا لمن استدرك عمرًا ضاع أوله ، فحرص واجتهد في تعويض ما فات
وتحصيل الأجر والثواب فيما بقي .
واعلموا رحمكم الله أننا سنودع عما قريبٍ عامًا مضى من أعمارنا ، ونستقبل عامًا
جديدًا نسأل الله تعالى أن يجعله عام خيرٍ وبركةٍ ونصرٍ وتوفيق وصلاحٍ في الدين
والدنيا لأُمة الإسلام في كل مكان . كما نسأله - جل في علاه - أن يجعل يومنا
خيرًا من أمسنا ، وغدنا خيرًا من يومنا .
أعوذ بالله العلي العظيم من الشيطان الرجيم : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ
وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا
يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } ( فاطر : 5 ) .
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين . أقول
قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه ،
إنه هو الغفور الرحيم .
( الخطبة الثانية )
الحمد لله العزيز الغفار ، والصلاة والسلام على نبينا محمد المختار ، وعلى آله
الأخيار ، وصحابته الأطهار ، وبعد :
فتختلف المفاهيم وتتباين الآراء بين الناس في كثير من شؤون ومجريات الحياة ،
ولعل ذلك راجع إلى اختلاف الناس في طباعهم وثقافاتهم ومستوى فكرهم ووعيهم ، ولو
أخذنا موضوع النظافة لعلمنا أنه من الأمور المختلف فيها ، فالمقصود بالنظافة لا
يعتمد على نظافة الملبس فقط ، ولا على نظافة المسكن ومكان المعيشة ، ولا على
نظافة وجمال الشكل الظاهري وحده ، ولكنه يختلف في التقدير من شخصٍ لآخر ، ومن
مجتمعٍ إلى مجتمع آخر .
فمتى يمكن أن يوصف الإنسان بأنه نظيف؟!
إن ذلك أمرٌ مُختلفٌ فيه عند الكثير من الناس ؛ إلا أن المقياس الحقيقي لنظافة
الإنسان المسلم الشخصية يمكن أن نتعرف عليه من هدي وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، التي بينت
في أكثر من موضعٍ من كتب السنة ما ينبغي أن يكون عليه حال الإنسان المسلم
الطاهر النظيف حسياً ومعنوياً؛ فإذا كان الإنسان ( ذكراً أو أُنثى ) يتوضأ لكل
صلاة على مدار اليوم والليلة .
وإذا كان ينظف أسنانه وفمه بالسواك أو نحوه من المُنظفات .
وإذا كان يقص أظفاره كلما طالت حتى لا تجتمع تحتها الأوساخ والقاذورات .
وإذا كان محافظاً على قص شاربه متى طال حتى لا يعلق به شيء من بقايا الطعام .
وإذا كان يغسل شعر رأسه ويعتني به ويُقَصِّرُه أو يحلقه إذا طال .
وإذا كان يُحافظ على الاغتسال مرةً في الأسبوع على الأقل .
وإذا كان يحرص على الطيب والروائح الطيبة ، وبخاصةٍ في يوم الجمعة وعند أداء
الصلوات .
وإذا كان يُراعي نظافة وجمال ملبسه ومظهره العام حتى يبدو كالشامة بين الناس .
وإذا كان يهتم ويعتني بنظافة مسكنه ومركبه ومقر عمله بين وقت وآخر ؛ فهو نظيفٌ
إن شاء الله تعالى ؛ لأن كل هذه الصور السلوكية تعني إدراكه لمعنى النظافة
الحسية ، واهتمامه بها ، ومحافظته عليها .
أما إذا كان الحال غير ذلك كأن نرى أناساً قد طالت أظفارهم بشكلٍ مزعجٍ ومُفزع
حتى أصبحت كالمخالب . وآخرين تنبعثُ منهم الروائح الكريهة المنتنة سواءً من
أبدانهم المتسخة ، أومن ملابسهم القذرة .
وإذا كان هناك من الناس من لا يُرون إلا ثائري الرؤوس منفوشي الشعر . وآخرين لا
تستطيع النظر إلى أسنانهم التي تراكمت عليها الأوساخ وبقايا الأطعمة بشكلٍ مؤذٍ
ومُؤسف ؛ فليس ذلك من النظافة ، ولا يمكن أن يتفق أو يليق بشخصية الإنسان
المسلم ، ولا يمكن أن يتناسب مع منزلته الكريمة التي خلقه الله عليها ليكون في
أحسن تقويم وأجمل صورة .
فيا إخوة الإسلام ، عليكم ( بارك الله فيكم ) بالحرص الدائم على نظافة الأبدان
، وجمال الهيئة ، وحسن المظهر ، وليكن لكم في هدي النبي صلى الله عليه وسلم وتربيته النبوية خير
قدوةٍ تقتدون بها ؛ فالنظافة كما نعرف جميعاً من علامات الإيمان ، والمحافظة
عليها فضيلةٌ في كل زمان ومكان .
وفقنا الله وإياكم لكل هديٍ رشيدٍ ، ونهجٍ سديدٍ ، ورزقنا جميعًا نظافة الظاهر
وطهارة الباطن حتى نكون ممن قال الله تعالى فيهم : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } ( سورة البقرة : من الآية 222) .
هذا وصلّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على الهادي البشير ، والسراج المنير ، كما
أمركم بذلك اللطيف الخبير ، فقال جلَّ من قائل : { إِنَّ اللَّهَ
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْه وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } ( سورة الأحزاب : الآية 56 ) .
اللهم يا من لا يُسأل غيره ولا يُرتجى سواه ، وفقنا إلى خير الدعاء ، وجميل
القول ، وصالح العمل ، وأهدنا وسدّدنا ، وأعطنا ولا تحرمنا .
اللهم أعز الإسلام والمُسلمين ، ودمِّر أعداء الملة والدين ، واكفنا اللهم
بأمرك كيد الكائدين ، ومكر الماكرين ، وحسد الحاسدين . وحقد الحاقدين ، وشماتة
الشامتين ، وظلم الظالمين .
اللهم يا رحمن يا رحيم أغفر لنا وارحمنا . وأغفر اللهم لآبائنا وأمهاتنا ،
وأبنائنا وبناتنا ، وإخواننا وأخواتنا ، وأزواجنا وزوجاتنا ، وأحيائنا وأمواتنا
.
اللهم يا من تهب الكثير وتقبل باليسير ، تقبّل منا ، وتجاوز عنا ، واجعلنا من
عبادك الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون .
اللهم يا عظيم العفو ، يا واسع المغفرة ، يا قريب الرحمة ، يا ذا الجلال
والإكرام ، هب لنا العافية والسلامة في الدنيا ، والعفو والمغفرة في الآخرة .
اللهم أحفظ علينا نعمة الأمن والإيمان ، ولا تُبدل أمننا خوفاً ورُعبا وفزعًا،
ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ، أبداً ما أبقيتنا .
اللهم افتح لدعائنا باب القبول والإجابة ، وارحمنا وارحم أمواتنا ، واغفر لنا
ولوالدينا ، ولوالدي والدينا ، ولمن له حقٌ علينا ، وصل اللهم وسلم على سيدنا
ونبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
عباد الله : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي
الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .
فاذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، واستغفروه يغفر لكم ، وأقم
الصلاة ....