| 
       | 
      
  
   
	عبارة قرأتها كثيرا في أكثر من منتدى ، وفي أكثر من توقيع ، ومرّت بي العِبَارة 
	كثيرا ! إلاّ أنها استوقفتني مَرّة مِن الْمَرّات ، فوقفتُ مُتأمِّلاً في قولهم 
	: لا تَقُل : يا رب عندي هَـمّ كبير ، ولكن قُل : يا هـمّ عندي ربّ كبير ! 
	فتذّكَرتُ شَكوى نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام ، حينما بَثّ حُزنه وشكواه 
	إلى الله ، فقال : ( إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ) . 
	قال ابن كثير في تفسير الآية : (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي) أي : 
	هَمِّي وما أنا فيه (إِلَى اللَّهِ) وَحْدَه . اهـ . 
	
	وقال ابن عادل الحنبلي : والبَثُّ : أشَدُّ الحزن ، كأنَّه لِقُوّته لا يُطاق 
	حَمْله . اهـ . 
	
	وقال القاسمي : أي : لا أشكو إلى أحدٍ منكم ومِن غيركم ، إنما أشكو إلى ربي 
	داعيًا له ، وملتجئا إليه ، فَخَلّوني وشِكايتي . ( وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ ) 
	أي : لمن شكا إليه من إزالة الشكوى ، ومَزِيد الرحمة : ( مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) 
	ما يُوجب حُسن الظن به ، وهو مع ظنّ عَبْدِه بِه . اهـ . 
	
	ووقفتُ مع شكوى الْمُجادِلَة .. (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي 
	تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ) 
	
	وفي بعض الآثار : " قالت : أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ووحشتي وفِراق زوجي " .
	
	فالْهَمّ العظيم لا يُشكَى إلاّ إلى الله ؛ لأنه لا يَكشفه إلاّ الله . 
	
	فَشَكوى الْهَـمّ إلى الله مشروعة ، بل هي مطلوبة شرعا ..
	واشتُهِر عن عليّ رضي الله عنه قوله : أشكو إلى الله عُجَري وبُجَري .
	قال الأصمعي : يعني همومي وأحزاني .
	
	قال أبو إسحاق الشيرازي :
	
		
  لبِستُ ثوب الرَّجا والناس قد رقدوا *** وَقمِتُّ 
	أشكوا إلى مولاي ما أجـدُ 
	وقُلتُ يا أمَلـي فـي كـلِّ نائبـة *** ومَن عليه لكشف الضُّـرِّ أعتمد 
	أشكو إليك أمـوراً أنـت تعلمهـا *** ما لي على حملها صبرٌ ولا جلـدُ 
	وقد مدَدْتُ يدِي بالـذُّلِّ مبتهـلاً *** أليك يا خير من مُـدَّتْ أليـه يـدُ
	
	فـلا ترُدَّنهـا يـا ربِّ خائـبـةً *** فبَحْرُ جودِكَ يروي كل مـنْ يَـرِد
		
  ولا يعني هذا أن لا يُشكَى إلى غير الله ؛ لأن في 
	الشكوى تخفيفا وتسلية .. 
	" وهذا ما لم يكن الـتَّشَكِّي على سَبيل الـتَّسَخُّط ، والصبر والتجلّد في 
	النوائب أحسن ، والتعفف عن المسألة أفضل ، وأحسن الكلام في الشكوى سؤال المولى 
	زوال البلوى " كما قال القرطبي . 
	
	وربما شَكَا الصحابة الكرام رضي الله عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 
	بعض ما يَجِدون .. 
	
	قَال خَبَّاب بْن الأرَتّ رضي الله عنه : شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ 
	صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ 
	الْكَعْبَةِ .. رواه البخاري . 
	
	وقال رضي الله عنه : شَكونا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الصلاة في 
	الرمضاء فَلَم يُشْكِنا . رواه مسلم .
	
	وفي المسْنَد : قال الزبير بن عدي : شَكونا إلى أنس بن مالك ما نلقى من الحجاج 
	! فقال : اصبروا فإنه لا يأتي عليكم عام - أو يوم - إلاّ الذي بعده شرّ منه ، 
	حتى تلقوا ربكم عز وجل . سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم . 
	
	قال أبو طلحة رضي الله عنه : شَكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع .. 
	رواه الترمذي .
	وقال الحارث بن يزيد البكري : خرجتُ أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى 
	الله عليه وسلم .. رواه الإمام أحمد . 
	
	وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم 
	يشكو جارَه ... رواه أبو داود . 
	
	وعند البخاري من حديث عَدِيّ بْن حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : كُنْتُ 
	عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلانِ 
	؛ أَحَدُهُمَا يَشْكُو الْعَيْلَة ، وَالآخَرُ يَشْكُو قَطْعَ السَّبِيلِ ...
	
	والعَيْلة : هي الفَقْر . 
	
	قال القرطبي في تفسيره : فأما الشكوى على غير مُشْكٍ فهو السَّفَه ، إلاَّ أن 
	يكون على وَجه البثّ والـتَّسَلِّي . اهـ . 
	
	وعلى كُلّ فإن قولهم : " لا تَقُل : يا رب عندي هَـمّ كبير ، ولكن قُل : يا 
	هـمّ عندي ربّ كبير " ، وإن كان ما قَصَدُوه وَاضِحًا ، إلاّ أنّ قولهم : " لا 
	تَقُل : يا رب عندي هَـمّ كبير " ، مُتضمّن لِعدم شكوى الْهَمّ إلى الله .. 
	وهذا خِلاف المشروع من شكوى الْهَمّ إلى الله الذي بِيدِه مفاتيح الفَرَج ..
	
	وأنشد بعضهم :
	
		
  إذا الحادثات بَلَغْنَ الْمَدَى *** وكادت تَذوب 
	لَهُنّ الْمَهْج 
	وحَلّ البلاء وقَلّ العَزاء *** فعند التناهي يكون الفَرَج
 
		
  رمضان 1429 هـ