شرح أحاديث عمدة
الأحكام
شرح الحديث الـ 52 في المواقيت
عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم
شرح الحديث الـ 52
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي
الظهر بالهاجرة ، والعصر والشمس نقية ، والمغرب إذا وَجَبت ، والعشاء أحيانا
وأحيانا ، إذا رآهم اجتمعوا عجّل ، وإذا رآهم أبطؤوا أخّـر ، والصبح كان النبي
صلى الله عليه وسلم يُصليها بغلس .
في الحديث مسائل :
1 = تعريف الهاجرة :
قال الفيروز آبادي : والهجير والهجيرة والهجر والهاجرة : نصف النهار عند زوال
الشمس مع الظهر ، أو من عند زوالها إلى العصر ؛ لأن الناس يستكنّون في بيوتهم ،
كأنهم قد تهاجروا ، وشدة الحر ، وهجّرنا تهجيرا ، وأهجرنا وتهجرنا ، سِرنا في
الهاجرة ، والتهجير في قوله : " المهجِّر إلى الجمعة كالمهدي بدنة " وقوله : "
ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه " بمعنى التبكير إلى الصلوات ، وهو
المضي في أوائل أوقاتها ، وليس من الهاجرة . اهـ .
وقال ابن الأثير : والهجير والهاجرة اشتداد الحر نصف النهار ، والتهجير والتهجر
والإهجار السير في الهاجرة.
والمقصود به نصف النهار بعد زوال الشمس .
وسيأتي مزيد بيان لوقت الظهر في الحديث الذي يليه .
2 = يُطلق على صلاة الظهر :
الظهر ، نسبة للوقت .
الهجير ، نسبة إلى الهاجرة ، وهو الوقت .
والأولى ، كما سيأتي في الحديث الذي يليه .
ويُطلق عليها مع العصر : صلاتي العَشِيّ .
وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى
صلاتي العَشي .
قال القاضي عياض : قوله : " إحدى صلاتيّ العشيّ " يريد الظهر والعصر ، وكانوا
يُصلون الظهر بعَشيّ ، والعَشيّ ما بعد زوال الشمس إلى غروبها . قال الباجي :
إذا فاء الفئ ذراعا فهو أول العشيّ . اهـ .
ومنه قوله سبحانه وتعالى : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ
بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ )
3 =
في هذا الحديث لم يُذكر نهاية الوقت ، وإنما نُص فيه على أن وقت الظهر هو نصف
النهار .
ولم يُنصّ على وقت العصر ، وإنما قال : والعصر والشمس نقية .
وسيأتي – إن شاء الله – تحديد الأوقات .
4 = قوله : " والعصر والشمس نقية " أي صافية لم تتغيّر بالصُّـفرة .
وسيأتي الكلام على وقتها في الحديث الذي يلي هذا الحديث .
5 =
قوله : " والمغرب إذا وَجَبت " يعني إذا سَقَطَتْ .
ويأتي الوجوب بمعنى السقوط ، كما في قوله تبارك وتعالى : ( وَالْبُدْنَ
جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا
اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا
مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (الحج:36) .
والضمير في قوله : " والمغرب إذا وَجَبت " يعود على الشمس .
وهو يعني أن العبرة بسقوط قرص الشمس في الصوم والصلاة .
6 = السنة تعجيل المغرب
روى الإمام أحمد وأبو داود عن مرثد بن عبد الله قال : لما قدم علينا أبو أيوب
غازيا ، وعقبة بن عامر يومئذ على مصر ، فأخّـر المغرب ، فقام إليه أبو أيوب
فقال له : ما هذه الصلاة يا عقبة ؟ فقال : شُغلنا . قال : أما سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول : لا تزال أمتي بخير - أو قال على الفطرة - ما لم
يؤخِّروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم ؟
وفي الصحيحين عن رافع بن خَدِيج رضي الله عنه قال : كنا نُصلي المغرب مع النبي
صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نَبْلِه .
7 =
مراعاة حال المأمومين في صلاة العشاء ، ففي الحديث : " والعشاء أحيانا وأحيانا
، إذا رآهم اجتمعوا عجّل وإذا رآهم أبطؤوا أخّـر "
وهذا يدلّ على مراعاة حال الناس في صلاة العشاء على وجه الخصوص ، وذلك لأمور ،
منها :
1 – كون صلاة العشاء موسّعة الوقت ، وتأخيرها أفضل ما لم يشق على الناس .
2 – كون صلاة العشاء تقع بعد جُهد يوم كامل ، ويكون الناس – غالباً – في شِدّة
وإجهاد .
ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه : فلولا صليت بـ : سبح
اسم ربك ، والشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى ، فإنه يُصلي وراءك الكبير والضعيف
وذو الحاجة . رواه البخاري ومسلم .
وسبب ذلك أن معاذاً رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي
فيؤم قومه ، فصلّى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم أتى قومه فأمّهم
، فافتتح بسورة البقرة ، فانحرف رجل فسلّم ثم صلى وحده وانصرف ، فقالوا له :
أنافقت يا فلان ؟ قال : لا والله ، ولآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلأخبرنه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنا أصحاب
نواضح نعمل بالنهار ، وإن معاذاً صلى معك العشاء ، ثم أتى فافتتح بسورة البقرة
. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما قال .
وقد لا يكون من المناسب في هذا الوقت تأخير العشاء إلا أن يكونوا جماعة في مكان
واحد ، أو أهل قرية صغيرة ونحو ذلك ، أما في المدن فيصعب ذلك لما فيه من المشقة
، ومراعاة أحوال الناس لرفع الحرج ودفع المشقة
8 =
قوله صلى الله عليه وسلم : " والصبح كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصليها بغلس
" تقدّم في حديث عائشة الكلام على الغلس .