|
ح 114
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ :
قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم : إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلا
يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ .
في الحديث مسائل :
1=
قال المصنف رحمه الله : بابٌ جامع ، أي أنه يَجمع مسائل شتّى ، أو يَجمع شتات
مسائل ، أي مسائل متفرّقـة .
2=
هذا الحديث في تحية المسجد ، وأنها كلما دَخَل المسلم المسجد لقوله : " إذَا
دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ " ، فـ لفظ ( إذا ) يدل على التكرار .
وهو يُعرف بحديث تحية المسجد .
3=
قوله : " فَلا يَجْلِسْ " فَمَن دَخَل المسجد ولم يُرِد الجلوس فلا يُخاطَب
بهذا الأمر .
كالذي يدخل ليأخذ شيئا ، أو ليُوصِل رجلا مُسنّا أو أعمى ونحو ذلك .
وكذلك إذا دَخَل ووَقَف ، فإنه لا يُؤمَر بصلاة تحية المسجد ، كالذي يدخل ولم
يتبقّ على الإقامة إلا يسير .
4=
حُكم تحية المسجد :
تحية المسجد واجبة لعموم الأحاديث الواردة فيها ، ومن ذلك :
أمره صلى الله عليه وسلم لِسُليك أن يقوم ليُصلي ركعتين يوم الجمعة .
روى مسلم من طريق أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال جاء سليك الغطفاني يوم
الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس ، فقال له : يا سليك قم فاركع
ركعتين وتجوّز فيهما ، ثم قال : إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع
ركعتين وليتجوّز فيهما.
فلا يُتصوّر أن النبي صلى الله عليه وسلم يَقطَع خطبة الجمعة ويُكلّم رجلا
ويأمره بصلاة ركعتين ، مع ما يترتّب على ذلك من ترك الاستماع للخطبة من قِبَلِه
– لأجل أمر مسنون ، بل لا يكون ذلك إلا لأمر واجب .
كما أنه عليه الصلاة والسلام لم يَنقَل عنه – فيما ا‘لم – أنه جَلس أو أقرّ من
جَلس من غير أن يُصلي تحية المسجد .
وقد أمر بها عليه الصلاة والسلام ، والأمر يدل على الوجوب ، ولم يَصرفه صارِف ،
كما سيأتي .
5=
صلاة تحية المسجد في أوقات النهي .
سبق الحديث عن أوقات النهي ، وأن ذوات الأسباب تُفعَل في أوقات النهي الموسّع ،
ومن ذوات الأسباب تحية المسجد .
وفرق بين أن يَدخل المسلم المسجد ليجلس يَذكر الله ، أو يقرأ القرآن ، أو يحضر
درسا ، وبين أن يَدخل أصلاً ليُصلي ركعتين .
ويُقال مثل ذلك في ركعتي الوضوء .
6=
حجة من لم يُوجب تحية المسجد والجواب عنها .
ذهب جَمْع من العلماء إلى عدم وُجوب تحية المسجد ، واستدلّوا بأدلة منها :
ما رواه البخاري ومسلم عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس يُسمع دوي صوته ولا يُفقه
ما يقول ، حتى دنا فإذا هو يَسأل عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : خمس صلوات في اليوم والليلة ، فقال : هل عليّ غيرها ؟ قال : لا إلا أن
تطوّع . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وصيام رمضان . قال : هل عليّ غيره
؟ قال : لا إلا أن تطوّع . قال : وذَكَر له رسول الله صلى الله عليه وسلم
الزكاة . قال : هل عليّ غيرها ؟ قال : لا إلا أن تطوّع . قال : فأدبر الرجل وهو
يقول : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أفلَح إن صدق .
فاستدلّوا بقوله صلى الله عليه وسلم : " إلا أن تطوّع " على أن ما زاد على
الصلوات الخمس ليس بواجب
والجواب عنه أن جمهور العلماء قالوا بوجوب صلوات غير ما في هذا الحديث ، منها
ما قالوا بوجوبه أو فرضيته على الكفاية ، كصلاة الكسوف ، وصلاة العيدين ، وصلاة
الجنازة , غيرها .
والجواب عن حديث طلحة بن عبيد الله ، وفيه عدم وُجوب غير الصلوات الخمس أن
يُقال :
إن الصلوات الخمس واجبة على كل مسلم .
أن ما عداها قد تجِب إذا وُجِد سببها ، كتحية المسجد ، والكسوف والعيدين
والجنازة
ويجوز أن تسقط عن بعض الناس دون بعض .
فالذي يعيش في بادية – مثلا – لا يَجب عليه أن يُصلي تحية المسجد ولا العيدين ،
فيكون باقياً على الأصل ، وهو انه لا يَجب عليه غيرها .
قال ابن القيم - رحمه الله – وهو يُقرر وجوب صلاة العيد :
هذا هو الصحيح في الدليل ، فإن صلاة العيد من أعاظم شعائر الإسلام الظاهرة ولم
يكن يتخلف عنها احد من أصحاب رسول الله ، ولا تركها رسول الله مرة واحدة ، ولو
كانت سنة لتركها ولو مرة واحدة كما ترك قيام رمضان بيانا لعدم وجوبه ، وترك
الوضوء لكل صلاة بيانا لعدم وجوبه وغير ذلك ... قال شيخنا ابن تيمية : فهذا يدل
على أن العيد آكد من الجمعة .
وقوله : " خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة " لا ينفي صلاة
العيد ، فإن الصلوات الخمس وظيفة اليوم والليلة ، وأما العيد فوظيفة العام ،
ولذلك لم يمنع ذلك من وجوب ركعتي الطواف عند كثير من الفقهاء ؛ لأنها ليست من
وظائف اليوم والليلة المتكررة ، ولم يمنع وجوب صلاة الجنازة ، ولم يمنع من وجوب
سجود التلاوة عند من أوجبه وجعله صلاة ، ولم يمنع من وجوب صلاة الكسوف عند من
أوجبها من السلف ، وهو قول قوي جداً . اهـ .
وقال الصنعاني في سبل السلام شارحا هذا الحديث : وفي الحديث دليل أن تحية
المسجد تصلى حال الخطبة ، وقد ذهب إلى هذه طائفة من الآل والفقهاء والمحدثين ،
ويُخَفِّف ، ليفرَغ لِسماع الخطبة ، وذهب جماعة من السلف والخلف إلى عدم
شرعيتهما حال الخطبة ، والحديث هذا حجة عليهم وقد تأولوه بأحد عشر تأويلا كلها
مردودة سردها المصنف في فتح الباري بردودها ... وبإطباق أهل المدينة خلفا عن
سلف على منع النافلة حال الخطبة ، وهذا الدليل للمالكية ، وجوابه : أنه ليس
إجماعهم حجة [ يعني إجماع أهل المدينة ] ولو أجمعوا كما عرف في الأصول ، على
أنه لا يتم دعوى إجماعهم فقد أخرج الترمذي وابن خزيمة وصححه أن أبا سعيد أتى
ومروان يخطب فصلاهما فأراد حرس مروان أن يمنعوه ، فأبى حتى صلاهما ثم قال : ما
كنت لأدعهما بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بهما . اهـ .
قال الشوكاني : فإذا عرفت هذا لاحَ لك أن الظاهر ما ذهب إليه أهل الظاهر من
الوجوب .
7=
صلاة الركعتين خاص بالمساجِد دون الْمُصَلَّيَـات ، فمصلى العيد ليس له تحية ،
وكذلك المُصلَّيَات الموجودة في المباني ، لا تأخذ حُكم المسجد .
8=
هل تُصلى تحية المسجد عند دخول المسجد الحرام ؟
القادم إلى مكة للحج أو العمرة يَكفيه طوافه عن تحية المسجد الحرام ، ولا يُشرع
له صلاة ركعتين قبل الطواف ؛ لأن الطواف تحية للمسجد الحرام .
وأما تحية المسجد الحرام فهي صلاة ركعتين ، وذلك لغير القادم من خارج مكة ممن
يُريد الحج أو العمرة .
أي أنه كلما دخل للحرم يُصلّي ركعتين ويجلس ، ولا يُشترط أن يطوف كلما دخل
الحرم . لأن المسجد الحرام يُطلَق عليه مسجد بل هو أعظم المساجد ، وحديث الباب
عام فيشمل المسجد الحرام وغيره .
9 =
يُستثنى من الوجوب :
الإمام إذا صعد المنبر يوم الجمعة فإنه يجلس ، وهذا عليه عمل النبي صلى الله
عليه وسلم والأمة من بعده .
لو صلى الراتبة ، أجزأته عن صلاة تحية المسجد ، ولو جَمَع بينهما بنية واحد جاز
.
لو صلى الفريضة ، فإنه لا يؤمر بصلاة تحية المسجد ، لأن المقصود أن لا يَجلس
مباشرة ، ودخول الأصغر تحت الأكبر أمر معروف .
10 =
لو خَرَج من المسجد لوضوء ونحوه ثم عاد ، فإن كان خرج ليعود ، فلا يُعيد تحية
المسجد ، وإن كان خَرَج لحاجة وطال الفصل فإنه يُصلي تحية المسجد .
والله تعالى أعلم .