|
|
شرح أحاديث عمدة
الأحكام
شرح الحديث الـ 208 في رؤيا ليلة القدر |
|
عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم |
شرح الحديث الـ 208
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما : أَنَّ رِجَالاً مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي
الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
: أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ . فَمَنْ
كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ .
فيه مسائل :
1 = الاستئناس بالرؤى وعدم التعويل عليها ؛ لأنها مِن الْمُبَشِّرَات ، ولا
يُجزَم معها بشيء ، ولا يُبنى عليها أحكام شرعية .
2 = إمكانية معرفة ليلة القدر عن طريق الرؤيا ، وعن طريق العلامات التي تُعرَف
بها ليلة القدر . وقد سبقت في مسائل تبويب المصنف " باب ليلة القدر " .
قالت عائشة رضي الله عنها : قلت للنبي صلى الله عليه و سلم : أرأيت إن عَلِمْتُ
ليلة القدر ، ما أقول ؟ قال قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني . رواه
الإمام أحمد والنسائي في الكبرى وابن ماجه ، وهذا لفظ النسائي . وصححه الألباني
والأرنؤوط .
3 = في هذا الحديث : " فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ " وفي رواية ، قال ابن عمر
رضي الله عنهما : وكانوا لا يزالون يَقُصّون على النبي صلى الله عليه وسلم
الرؤيا أنها في الليلة السابعة من العشر الأواخر ، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم : أرى رؤياكم قد تواطأت في العشر الأواخر ، فمن كان مُتَحَرِّيها
فليتحَرّها من العشر الأواخر .
وفي حديث عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
تَحَرّوا ليلة القدر في الوتر مِن العشر الأواخر من رمضان . رواه البخاري ومسلم
. وهذا لفظ البخاري . – وسيأتي شرحه – .
4 = في حديث أبي سعيد رضي الله عنه ، قال : اعتكفنا مع النبي صلى الله عليه
وسلم العشر الأوسط مِن رمضان ، فخرج صبيحة عشرين فخطبنا وقال : إني أريت ليلة
القدر ثم أُنسيتها - أو نسيتها - ، فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر ، وإني
رأيت أني أسجد في ماء وطين . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية للبخاري : والْتَمِسُوها في كل وِتر ، فَمَطَرت السماء تلك الليلة ،
وكان المسجد على عريش ، فَوَكَف المسجد ، فَبَصُرت عيناي رسول الله صلى الله
عليه وسلم على جبهته أثر الماء والطين مِن صُبح إحدى وعشرين . – وسيأتي شرح
حديث أبي سعيد رضي الله عنه – .
فهذه الأحاديث تدُلّ على أن ليلة القدر تنتقل بين ليالي العشر ، وبين ليالي
الوتر خاصة .
قال ابن عبد البر : فهذا يدل على أن ليلة القدر تنتقل . اهـ .
وما في حديث ابن عمر وغيره من تتابُع الرؤى على أنها ليلة سبع وعشرين ، محمول
على تلك السنة التي رأوا فيها الرؤيا .
5 = تحريها والْتِماسها : طلبها ، وفيه دليل على إخفاء ليلة القدر ؛ لأن الشيء
البيِّن لا يحتاج إلى الْتِماس وتَحَرٍّ .
وفي رواية : " تَحَيَّنُوا ليلة القَدر " أي : اطلبوا حِينها ، وهو زمانها .
قاله النووي .
قال ابن عبد البر : قوله : " من كان مُتَحَرِّيها " يَدُلّ على أن قيام ليلة
القدر نافلة غير واجب ، ولكنها فضل . ويَدُلّ هذا الحديث وما كان مثله على أن
الأغلب فيها ليلة سبع وعشرين ، ويمكن أن تكون ليلة ثلاث وعشرين . اهـ .
6 = سبب إخفاء ليلة القدر ؟
في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج
يُخْبِر بِلَيْلَة القَدْر ، فتلاحى رَجُلان مِن المسلمين ، فقال : إني خرجت
لأخبركم بِلَيلة القَدر ، وإنه تَلاحَى فلان وفلان ، فَرُفِعَتْ ، وعسى أن يكون
خيرا لكم ، التمسوها في السبع والتسع والخمس . رواه البخاري .
قال ابن كثير : قوله: "فتلاحى فلان وفلان فرفعت" : فيه استئناس لِمَا يُقال :
إن المماراة تقطع الفائدة والعِلْم النافع .
وقال أيضا : وقوله : "وعسى أن يكون خيرًا لكم" يعني : عدم تعيينها لكم ، فإنها
إذا كانت مُبْهَمَة اجتهد طُلابها في ابتغائها في جميع مَحَالّ رَجائها ، فكان
أكثر للعبادة ، بخلاف ما إذا عَلِمُوا عَينها فإنها كانت الهمم تَتَقَاصَر على
قيامها فقط . وإنما اقتضت الحكمة إبهامها لتعم العبادة جميع الشهر في ابتغائها
، ويكون الاجتهاد في العشر الأواخر أكثر .
وقال : وقوله: "فَرُفِعت" أي : رُفِع عِلم تَعينها لكم ، لا أنها رُفِعت
بالكلية مِن الوجود . اهـ .
وما في هذا الحديث محمول على أن الإخبار عن ليلة القدر فيما يتعلّق بِتلك السنة
.
ومثله ما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : أُرِيت ليلة القدر ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها ، فالتمسوها في العشر
الغوابر . رواه مسلم .
7 = ذَكَر ابن كثير أحد عشر قولاً في تعيين ليلة القدر . وقول للرافضة ! ويُضاف
إليها قول ضعيف ، فتُصبح الأقوال اثنا عشر قولاً مع اطِّراح قول الرافضة ! إذ
لا عبرة بأقوالهم .
وذَكَر الحافظ العراقي : ثلاثة وثلاثين قولاً في تعيين ليلة القدر .
8 = حَلَف أُبيّ بن كعب رضي الله عنه لا يَستثنى أنها ليلة سبع وعشرين . قال
زِرّ بن حُبيش : فقلت : بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر ؟ قال : بالعلامة أو
بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها
. رواه مسلم .
فهذا محمول على أمرين :
الأول : أن هذا كان رأي أُبيّ رضي الله عنه .
والثاني : اختصاص ذلك بِسَنَةٍ رأى أُبيّ فيها تلك العلامة في صبيحة سبع وعشرين
.
وبالله تعالى التوفيق .
|
|
|
|
|