|
ح 239
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ , مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا
الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ , وَخَرَجَ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى .
فيه مسائل :
1= قوله : " دَخَلَ مَكَّةَ "
وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم لَمّا جاء إلى مكة
دخلها من أعلاها ، وخرج من أسفلها . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية للبخاري : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ ، وَخَرَجَ مِنْ كُدًا مِنْ أَعْلَى
مَكَّةَ .
قال ابن عبد البر : هكذا يروون فيهما ، الأولى بالفتحة ، والثانية بالضمة . اهـ
.
وكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ
أَمْسَكَ عَنْ التَّلْبِيَةِ ،ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طِوًى ، ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ
الصُّبْحَ وَيَغْتَسِلُ ، وَيُحَدِّثُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ . رواه البخاري ومسلم .
وحديث ابن عمر – هذا – أوْلَى أن يكون حديث الباب لِعلاقته بالحج أكثر من حديث
عائشة ، إذ هو في دخول النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح ، كما جاء مُصرَّحًا
به .
2= كداء
قال ابن بطال : وإذا فتحت الكاف من كَدَاء مُددت ، وإذا ضممتها قَصَرْت . وقد
قيل : كدى بالضم هو أعلى مكة . وقيل : بل كَداء بفتح الكاف أعلى مكة ، وهو أصح
.
قال الباجي : الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ هِيَ كَدَاءٌ بِفَتْحِ
الْكَافِ ، وَاَلَّتِي بِأَسْفَلِ مَكَّةَ كُدًى بِضَمِّ الْكَافِ .
وقال ابن الأثير : وكداء بالفتح والمد الثنية العليا بمكة مما يلي المقابر ،
وهو المعلا ، وكدى بالضم والقصر الثنية السفلى مما يلي باب العمرة . اهـ .
وذَكَر النووي أن كَداء هي الثنية التي بأعلى مكة ، وكدى وهي التي بأسفل مكة .
وقال : وَأَمَّا " كُدَيّ " بِضَمِّ الْكَاف وَتَشْدِيد الْيَاء فَهُوَ فِي
طَرِيق الْخَارِج إِلَى الْيَمَن ، وَلَيْسَ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ فِي
شَيْء ، هَذَا قَوْل الْجُمْهُور .
وقال ابن رجب : وذو طوى : يُروى بضم الطاء وكسرها وفتحها ، وهو وادٍ معروف بمكة
بين الثنيتين ، وتسمى أحداهما : ثنية المدنيين ، تشرف على مقبرة مكة ، وثنية
تهبط على جبل يسمى : الحصحاص ، بحاء مهملة وصادين مهملين . اهـ .
وقال الزرقاني : كَداء بفتح الكاف والدال المهملة ممدود منوّن . وقيل : لا
يُصرف على إدارة البقعة للعلمية والتأنيث
3= اخْتُلِف في فعله صلى الله عليه وسلم ، هل هو مقصود ؟ وهل هو سُـنّـة ؟
قَالَت عَائِشَة : نُزُولُ الأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ ، إِنَّمَا نَزَلَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ
لِخُرُوجِهِ إِذَا خَرَجَ . رواه مسلم .
وقَالَ أَبُو رَافِعٍ : لَمْ يَأْمُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَنْزِلَ الأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى ،
وَلَكِنِّي جِئْتُ فَضَرَبْتُ فِيهِ قُبَّتَهُ ، فَجَاءَ فَنَزَلَ . رواه مسلم
.
وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ عَلَى كِلْتَيْهِمَا مِنْ كَدَاءٍ وَكُدًا ،
وَأَكْثَرُ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءٍ ، وَكَانَتْ أَقْرَبَهُمَا إِلَى
مَنْزِلِهِ . رواه البخاري .
ويُفهَم من تبويب البخاري أنه يَرى سُنّيّته ، فقد عقد بابًا قال فيه : بَابٌ
مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ ؟ وقبله : بَابٌ مِنْ أَيْنَ يَدْخُلُ
مَكَّةَ ؟
قال المهلب : أما دخوله عليه السلام مرّة من أعلى مكة ومرّة من أسفلها ، فإنما
فَعله ليُعَلِّم الناس السَّعة في ذلك ، وأن ما يمكن لهم منه فمجزئ عنهم ،
والله أعلم .
قال ابن بطال : ألا ترى أن عروة كان يفعل ذلك ؟ . اهـ .
4= هل يتقصّد الحاج خاصة الْمَشَقَّـة طلبا لِزيادة الأجر ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : قَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ : " الثَّوَابُ عَلَى
قَدْرِ الْمَشَقَّةِ " لَيْسَ بِمُسْتَقِيمِ عَلَى الإِطْلاق ... وَلَوْ قِيلَ
: " الأَجْرُ عَلَى قَدْرِ مَنْفَعَةِ الْعَمَلِ وَفَائِدَتِهِ" ، لَكَانَ
صَحِيحًا .
وقال : قَدْ يَكُونُ الْعَمَلُ الْفَاضِلُ مُشِقًّا ، فَفَضْلُهُ لِمَعْنَى
غَيْرِ مَشَقَّتِهِ ، وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ مَعَ الْمَشَقَّةِ يَزِيدُ
ثَوَابَهُ وَأَجْرَهُ ، فَيَزْدَادُ الثَّوَابُ بِالْمَشَقَّةِ ، كَمَا أَنَّ
مَنْ كَانَ بُعْدُهُ عَنْ الْبَيْتِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَكْثَرَ :
يَكُونُ أَجْرُهُ أَعْظَمَ مِنْ الْقَرِيبِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ فِي الْعُمْرَةِ : " أَجْرُك عَلَى
قَدْرِ نَصَبِك " ؛ لأَنَّ الأَجْرَ عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ فِي بُعْدِ
الْمَسَافَةِ ، وَبِالْبُعْدِ يَكْثُرُ النَّصَبُ ، فَيَكْثُرُ الأَجْرُ ،
وَكَذَلِكَ الْجِهَادُ ... فَكَثِيرًا مَا يَكْثُرُ الثَّوَابُ عَلَى قَدْرِ
الْمَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ ، لا لأَنَّ التَّعَبَ وَالْمَشَقَّةَ مَقْصُودٌ مِنْ
الْعَمَلِ ؛ وَلَكِنْ لأَنَّ الْعَمَلَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْمَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ
. اهـ .
5= " الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ " :
قال القاضي عياض : الثنية هي الطريق في الجبل .
قال النووي : وَأَصْل الثَّنِيَّة : الطَّرِيق بَيْن جَبَلَيْنِ .
وقال النووي في شرح حديث ابن عمر : قَوْله : " الْعُلْيَا الَّتِي
بِالْبَطْحَاءِ " هِيَ بِالْمَدِّ ، وَيُقَال لَهَا الْبَطْحَاء وَالأَبْطَح ،
وَهِيَ بِجَنْبِ الْمُحَصَّب ، وَهَذِهِ الثَّنِيَّة يَنْحَدِر مِنْهَا إِلَى
مَقَابِر مَكَّة . اهـ .
6= " وَخَرَجَ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى " تقدّم قول ابن الأثير :
الثَّنيَّة السُّفلى ما يَلِي باب العُمْرة .
وفِعله صلى الله عليه وسلم ذلك قيل : إنه وقع اتِّفاقا . وقيل : لأنه أسمح في
الخروج ، كما سبق .
و " قِيلَ : إِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هَذِهِ الْمُخَالَفَة فِي طَرِيقه دَاخِلا وَخَارِجًا تَفَاؤُلا بِتَغَيُّرِ
الْحَال إِلَى أَكْمَل مِنْهُ ، كَمَا فَعَلَ فِي الْعِيد ، وَلِيَشْهَد لَهُ
الطَّرِيقَانِ ، وَلِيَتَبَرَّك بِهِ أَهْلهمَا . قاله النووي .
وقال العيني : وقيل : ليتبرك به كل من في طريقته ويدعو لهم . وقيل : ليغيظ
المنافقين بظهور الدين وعزّ الإسلام . وقيل : ليري السعة في ذلك . وقيل :
فَعَله تفاؤلا بتغير الأحوال إلى أكمل منه ، كما فعل في العيد ، وليشهد له
الطريقان . اهـ .