|
ح 240
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : دَخَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ , وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلالٌ
وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ , فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ ، فَلَمَّا
فَتَحُوا : كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ ، فَلَقِيتُ بِلالاً , فَسَأَلَتْهُ :
هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ : نَعَمْ ,
بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ .
فيه مسائل :
1= المقصود بـ " البيت " هو الكعبة ، وسُمِّيَت بيت الله تشريفًا .
2= عثمان بن طلحة رضي الله عنه يُـعرف بـ " الْحَجَبِيّ " ؛ لأن مفتاح الكعبة
كان بِيده ، وأقرّه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عليه ، ويُعرفون بـ "
الشَّيبِي " نسبة إلى ابنه ، وهو : شيبة بن عثمان بن طلحة .
وفي " لُب اللباب " للسيوطي : الشيبي : بالفتح والسكون إلى شيبة بن عثمان بن
طلحة سادن الكعبة . اهـ .
ورجّح ابن كثير أن قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) نَزَل في شأن طلحة بن عثمان رضي الله عنه .
قال القرطبي في تفسيره : سورة النساء وهي مدنية إلاَّ آية واحدة نَزلت بمكة عام
الفتح في عثمان بن طلحة الحجبي ، وهي قوله : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ
تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) .
3= جواز دخول الكعبة ، وصلاة النافلة فيها دون الفريضة ، وذلك لأن النبي صلى
الله عليه وسلم صلّى النافلة داخل الكعبة ولم يُصلّ الفريضة .
ولأن استقبال الكعبة فَرْض في الفريضة ، فلم يَجُز استقبال بعضها واستدبار
بعضها الآخر !
وأما في النافلة فلا يُشترط استقبال القبلة كما هو الحال في الفريضة . ألا ترى
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلّي النافلة في السفر على راحلته حيث
توجّهت به ، وتقدّم هذا في شرح " كتاب الصلاة " ، باب استقبال القبلة .
4= عدم كراهية استدبار الكعبة ، وذلك لأن الداخل فيها لا بدّ أن يستدبر أحد
جهاتها .
5= قوله : " أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ " ، يعني : أوّل من دخل بعد فتح الباب .
6= لماذا رُفِع باب الكعبة ؟
ولذلك هَمّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل للكعبة بابَيْن ؛ باب يدخل منه
الناس وباب يخرجون منه ، وأن يُلصِق الباب بالأرض .
قال عليه الصلاة والسلام : يَا عَائِشَةُ ، لَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ
عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ ، لأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ فَأَدْخَلْتُ فِيهِ
مَا أُخْرِجَ مِنْهُ ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالأَرْضِ ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ
: بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا ، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ
إِبْرَاهِيم . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لهما : قَال : إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ قالتْ
عائشة رضي الله عنها : قُلْتُ فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا ؟ قَالَ :
فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا ! وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا
! وَلَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ
أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ ، أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ ، وَأَنْ
أُلْصِقَ بَابَهُ بِالأَرْضِ .
قال العيني : الْجَدْر : بفتح الجيم ، يعني : الْحِجْر بكسر الحاء ، ويُقال له
: الحطيم أيضا .
7= الْحِجْر من الكعبة ، فمن صلّى فيه كان كمن صلّى داخل الكعبة .
قالت عائشة رضي الله عنها : كنت أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه ، فأخذ رسول الله
صلى الله عليه و سلم بيدي فأدخلني الْحِجْر ، فقال : صلي في الحجر إن أردت دخول
البيت ، فإنما هو قطعة من البيت ، ولكن قومك استقصروه حين بنوا الكعبة
فأخْرَجُوه من البيت . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي . وصححه
الألباني والأرنؤوط .
وفيه : جواز دخول المرأة للكعبة .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : لو وَليت من البيت شيئا لأدخلت الحجر فيه كله .
رواه عبد الرزاق .
قال ابن بطال : السنة إذا أراد النساء دخول البيت أن يخرج الرجال عنه .
8= سُؤال من هو أعلم دون غضاضة ، فابن عمر رضي الله عنهما بادر بِسؤال بلال رضي
الله عنه ؛ لأنه أعلم بِصلاة النبي صلى الله عليه وسلم .
وتقديم بلال على غيره في السؤال ، إما لكونه أوّل من لقيه ، أو لكونه مؤذن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، والمؤذِّن أعرف بِحال الإمام !
9= قوله : " هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ " يعني :
هل صلّى في البيت ، وهو الكعبة .
10= قوله : " قَالَ : نَعَمْ , بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ " ، هذا
زيادة في الجواب لإفادة السائل ، وهي مشروعة ، جاءت بها السنة النبوية .
11= قوله : " بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ "
والمراد باليمانيين : ما يلي جهة الركن اليماني . ويدل عليه - أيضا - : حديث
مجاهد ، عن ابن عمر ، أنه سأل بلالا : أصلى النبي في الكعبة ؟ قال : نعم ، بين
الساريتين اللتين على يساره إذا دخل . قاله ابن رجب رحمه الله .