|
ح 241
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : لَمَّا قَدِمَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ :
إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ ،
فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ
الثَّلاثَةَ , وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ , وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ
أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا : إلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ .
فيه مسائل :
1= قوله : " لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ "
في رواية لمسلم : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه مكة .
وفي رواية للبخاري : لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِعَامِهِ الَّذِي اسْتَأْمَنَ . أي : أن هذا كان في سنة 7 هـ ، وذلك
في عُمرة القضاء .
قال العيني : قوله : " لِعَامِه الذي استأمن " وهو عام الحديبية . اهـ .
والمقصود العام الذي يليه ؛ لأنه صُدّ عن البيت عام الحديبية .
قوله : " ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ
وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ "
في رواية لمسلم : قال المشركون : إنه يقدم عليكم غدا قوم قد وهنتهم الحمى ،
ولَقُوا منها شِدّة ، فجلسوا مما يلي الْحِجْر . وأمرهم النبي صلى الله علي
وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط ، ويمشوا ما بين الرُّكنين ، لِيَرَى المشركون
جَلَدَهم ، فقال المشركون : هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتم ؟ هؤلاء
أجْلَد من كذا وكذا !
2= وهَنَتْهم : أي : أضعفتهم .
قال الفراء وغيره : يُقال : وَهنته الحمى وغيرها وأوهنته ، لُغَتان . نقله
النووي .
3= قوله : " أَنْ يَرْمُلُوا " بضم الميم .
الرَّمَل : الإسراع في المشي .
قال العلماء : الرَّمَل : هو أسرع المشي مع تقارب الْخُطَا ، وهو الخبب . أفاده
النووي .
قال : فالرَّمَل والخبب بمعنى واحد ، وهو إسراع المشي مع تَقارب الْخُطا ، ولا
يثب وثبا ، والرَّمَل مُستحب في الطوفات الثلاث الأوَل من السبع ، ولا يُسَنّ
ذلك إلاَّ في طواف العمرة ، وفي طواف واحد في الحج . اهـ
قال ابن حجر : بفتح الراء والميم ، هو الإسراع . وقال ابن دُريد : هو شبيه
بالهرولة ، وأصله أن يُحَرِّك الماشي منكبيه في مَشيه . اهـ .
ومن لم يستطع الرَّمَل من أجل الزحام فلا يُشرع له تحريك منكبيه .
قال النووي : لو لم يمكنه الرَّمَل بقرب الكعبة للزحمة وأمكنه إذا تباعد عنها ،
فالأَوْلى أن يتباعد ويَرْمل ؛ لأن فضيلة الرَّمل هيئة للعبادة في نفسها ،
والقرب من الكعبة هيئة في موضع العبادة لا في نفسها ، فكان تقديم ما تَعلّق
بنفسها أولى . اهـ .
4= قوله : " الأَشْوَاطَ الثَّلاثَةَ " يعني : مِن طواف القُدُوم . وهي التي
يُشرع فيه الرَّمَل .
قال النووي في شرح حديث ابن عمر – الآتي – : تصريح بأن الرَّمل أوّل ما يشرع في
طواف العمرة ، أو في طواف القدوم في الحج .
5= قوله " وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ " لأنهم لا يَظهرون حينئذ
للمشركين ، وتقدّم أن في رواية لمسلم : فجلسوا مما يلي الْحِجْر . يعني :
المشركين .
وفي رواية للبخاري : وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلِ قُعَيْقِعَانَ .
وقُعيقعان جبل .
والْحِجْر يقع شمال الكعبة ، وهو جُزء منها ، وهو الحائط المستدير إلى جانب
الكعبة من جهة الميزاب ، إلاّ أن الجالس في جهته لا يَرى من هو بين الركنين :
الركن اليماني والحجر الأسود .
6= مشروعية إرهاب العدوّ وإخافته .
قال ابن حجر : ويُؤخَذ منه جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح ونحو ذلك للكفار
إرهابا لهم ، ولا يُعَدّ ذلك من الرياء المذموم . اهـ .
وإظهار قوّة الأبدان مع قوّة الإيمان . ومثله مشية الخيلاء في الحرب .
قال الشوكاني : واختيال الرجل بنفسه عند القتال من الخيلاء الذي يُحبه الله ،
لِمَا في ذلك من الترهيب لأعداء الله ، والتنشيط لأوليائه ، ومنه قوله صلى الله
عليه وسلم لأبي دجانة لَمّا رآه يختال عند القتال : إن هذه مشية يبغضها الله
ورسوله إلاَّ في هذا الموطن .
7= شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته عامة ، وبأصحابه خاصة .
و "الإبقاء" بكسر الهمزة وبالموحدة والقاف الرفق والشفقة . قاله ابن حجر .
8= هل يُشرع الرَّمَل ، وقد صارت مكة دار إسلام ؟
قال بن عباس رضي الله عنهما : إنما سعى النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين
الصفا والمروة لِـيُري المشركين قوته . رواه البخاري ومسلم .
قال عمر رضي الله عنه : مَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ ؟ إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا
بِهِ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ ، ثُمَّ قَالَ : شَيْءٌ
صَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلا نُحِبُّ أَنْ
نَتْرُكَهُ . رواه البخاري .
فالْحُكم باقٍ وإن ارتفعت عِلّته .
ومثله الهرولة بين العَلَمين في السعي بين الصفا والمروة . وأصله من سعي أم
إسماعيل عليه الصلاة والسلام .
9= قول : " يثرب "
جواز حكاية أقوال الكفار ، ولا يقتضي موافقتهم عليها .