|
|
شرح أحاديث عمدة
الأحكام
الحديث الـ 245 في الاقتصار على استلام
الركنين |
|
عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم |
ح 245
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : لَمْ أَرَ النَّبيَّ
صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُ مِنْ الْبَيْتِ إلاَّ الرُّكْنَيْنِ
الْيَمَانِيَيْنِ .
فيه مسائل :
1= تقدّم معنى الاستلام ، وأنه المسح باليَدِ عليه .
2= الاستلام باليد للركنين : اليماني والحجر الأسود ، وينفرد الحجر الأسود
بالتقبيل مباشرة ، أو تقبيل اليد ، أو ما يستلم به ، وتقدّم هذا في حديث ابن
عباس رضي الله عنهما .
وأما الركن اليماني فيُقتصر فيه على المسح باليد دون مسح الوجه بها ، ودون
تقبيله ، أو تقبيل اليد بعد استلامه .
قال ابن عبد البر : إنما يُعرف تَقبيل الحجر الأسود ، ووضع الوجه عليه ، وما
أعرف أحدا من أهل الفتوى يقول بتقبيل غير الأسود . اهـ .
3= تسمية الركن اليماني بهذا الاسم : تقدّم أن سبب ذلك لكونه جهة اليمن ، وهو
يقع في الجهة الجنوبية الغربية من الكعبة .
بينما يُطلق على الركنين الشماليين : الركنان الشاميان ؛ لأنهما جهة الشام .
4= مشروعية استلام الركن اليماني ، دون تقبيل أو مسح للوجه .
قال ابن عمر رضي الله عنهما : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم من
أركان البيت إلاَّ الركن الأسود والذي يليه من نحو دور الجمحيين . رواه مسلم .
وروى مسلم أيضا من طريق نافع عن عبد الله ذَكَر أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان لا يستلم إلاَّ الحجر والركن اليماني .
وتقدّم قول ابن عبد البر : وما أعرف أحدا من أهل الفتوى يقول بتقبيل غير الأسود
.
5= سبب عدم استلام بقية الأركان :
لأن بقية الأركان ليست على قواعد إبراهيم ، وسبق بيان ذلك في حديث ابن عمر رضي
الله عنهما في الصلاة في الكعبة .
ففي الصحيحين من طريق عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا
لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا . قَالَ : وَمَا هِيَ يَا
ابْنَ جُرَيْجٍ ؟ قَالَ : رَأَيْتُكَ لا تَمَسُّ مِنْ الأرْكَانِ إِلاّ
الْيَمَانِيَّيْنِ ... قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : أَمَّا الأَرْكَانُ فَإِنِّي
لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّ إِلاّ
الْيَمَانِيَّيْنِ .
وروى الإمام أحمد من طريق أبي الطفيل قال : كنت مع معاوية وابن عباس وهما
يطوفان حول البيت ، فكان ابن عباس يستلم الركنين ، وكان معاوية يستلم الأركان
كلها ، فقال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يَستلم إلاّ هَذين
الركنين : اليماني والأسود ، فقال معاوية : ليس منها شيء مهجور .
وفي رواية للإمام أحمد : فقال ابن عباس : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ، فقال معاوية : صَدَقْتَ .
قال ابن عبد البر : قوله : " رأيتك لا تَمَسّ من الأركان إلاّ اليمانيين "
فالسنة التي عليها جمهور الفقهاء وأئمة الفتوى بالأمصار أن ذينك الركنين
يُستلمان دون غيرهما .
وروينا عن ابن عمر أنه قال : ترك رسول الله استلام الركنين الذين يليان
الْحِجْر أن البيت لم يَتمّ على قواعد إبراهيم . اهـ .
وقال أيضا : والصحيح عن ابن عباس أنه كان لا يَستلم إلاّ الركنين الأسود
واليماني ، وهما المعروفان باليمانيين ، وهي السنة ، وعلى ذلك جماعة الفقهاء ،
منهم : مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور
وداود والطبري ، وحجتهم حديث ابن عمر هذا ، وما كان مثله عن النبي صلى الله
عليه وسلم في ذلك . اهـ .
6= ترجيح ما وافق السنة إذا وقع الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم .
ولا يُظنّ بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تقديم الأقوال أو الآراء على قول
النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما يُظنّ بهم أنهم رأوا في الأمر سَعة ، أو
الظنّ بالراوي أنه أتى بما قال مِن قِبَل نفسه .
وفي رواية أحمد ما يقطع هذا الاحتمال ، وهو تصديق معاوية لابن عباس رضي الله
عنهم .
7= اختلاف الصحابة في فهم النصّ ، وخفاء بعض المسائل على بعض الصحابة .
ولابن القيم تفصيل جميل في هذه المسألة يُراجع في : " إعلام الموقعين عن رب
العالمين " ، ونقله مع زيادة عليه: القاسمي في " محاسن التأويل " في تفسير قوله
تعالى : (فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّىَ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ) .
ويُنظر لذلك أيضا : أضواء البيان ، للشيخ الشنقيطي في تفسير قوله تعالى :
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) في سورة
" محمد " .
|
|
|
|
|