|
ح 248
عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ , مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَمْ
تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ ؟ فَقَالَ : إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي ,
وَقَلَّدْتُ هَدْيِي , فَلا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَر .
فيه مسائل :
1= في رواية البخاري : مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ ؟
قَالَ : إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي ، فَلا أَحِلُّ حَتَّى
أَحِلَّ مِنْ الْحَجِّ .
وفي الصحيحين : مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ
مِنْ عُمْرَتِكَ ؟
في رواية لمسلم : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ
أَزْوَاجَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ . قَالَتْ حَفْصَةُ :
فَقُلْتُ : مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَحِلَّ ؟
2= فيه دليل على بقاء النبي صلى الله عليه وسلم في إحرامه ، وأنه لم يَحلّ من
عُمرته حتى نحر هديه يوم النحر ، وهو يوم العيد .
قال النووي : وَهَذَا دَلِيل لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيح الْمُخْتَار ... أَنَّ
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا فِي حَجَّة
الْوَدَاع . فَقَوْلهَا : " مِنْ عُمْرَتك " أَيْ : الْعُمْرَة الْمَضْمُومَة
إِلَى الْحَجّ . وَفِيهِ أَنَّ الْقَارِن لا يَتَحَلَّل بِالطَّوَافِ
وَالسَّعْي ، وَلا بُدّ لَهُ فِي تَحَلُّله مِنْ الْوُقُوف بِعَرَفَاتٍ
وَالرَّمْي وَالْحَلْق وَالطَّوَاف ، كَمَا فِي الْحَاجّ الْمُفْرِد . اهـ .
وقال ابن القيم : سائر الأحاديث الصحيحة المستفيضة من الوجوه المتعدِّدة كلها
تَدُلّ على أنه صلى اللَّه عليه وسلم لم يَحِلَّ من إحرامه إلاَّ يوم النحر .
3= لا علاقة للنحر أو الذبح بالتحلل إلاّ في حق من ساق الهدي ؛ لأن التحلل
الكامل يحصل بثلاثة أمور :
رمي جمرة العقبة ، والْحَلْق أو التقصير ، وطواف الإفاضة .
ويحصل التحلل الأصغر بِفعل اثنين من هذه الثلاثة .
4= مشروعية تلبيد الرأس حتى لا يُصيبه الشعث .
وأنّ مَن لـبّد رأسه جاز له أن يمسح عليه في الوضوء ، وفي حكمه ما تضعه النساء
على رؤوسها للحاجة إذا كان يشقّ نزعه ، ومثله ما يُوضع من أجل التداوي .
5= معنى التلبيد :
قال الباجي : التَّلْبِيدُ : أَنْ يُضَفِّرَ رَأْسَهُ بِصَمْغٍ وَغَاسُولٍ
يَلْصَقُ فَيَقْتُلُ قَمْلَهُ وَلا يَتَشَعَّثُ ، قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ
وَغَيْرُهُ .
وقال ابن قتيبة : الْمُلَـبِّد الذي لَـبَّد رأسه شعره حتى لبد ، بِلزوق يجعله
فيه .
وقال ابن بطال : التلبيد : أن يجعل الصمغ في الغسول ، ثم يلطخ به رأسه عند
الإحرام ، ليمنعه ذلك من الشعث .
وقال النووي : قَالَ الْعُلَمَاء : التَّلْبِيد ضَفْر الرَّأْس بِالصَّمْغِ
أَوْ الْخَطْمِيّ وَشَبَههمَا ، مِمَّا يَضُمّ الشَّعْر وَيَلْزَق بَعْضه
بِبَعْضٍ ، وَيَمْنَعهُ التَّمَعُّط وَالْقَمْل ، فَيُسْتَحَبّ ؛ لِكَوْنِهِ
أَرْفَق بِهِ .
وقال العيني : لـبّد شَعْره : جَعل فيه شيئا نحو الصمغ ليجتمع شَعْره لئلا
يتشعّث في الإحرام ، أو يقع فيه القمل . اهـ .
6= استحباب التلبيد .
قال ابن بطال : التلبيد عند الإحرام مستحب ، فمن شاء فعله ، ومن شاء تركه .
وقال النووي باستحباب التلبيد .
7= هل يجب الْحَلق على من لَـبّد شعر رأسه ؟
روى ابن أبي شيبة أن ابن عمر قال : مَن ضفر أو لَـبّد أو عَقص فليحلق .
قال ابن بطال : وجمهور العلماء على أن مَن لَـبَّد رأسه فقد وَجَب عليه
الْحِلاق ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وبذلك أمَر الناسَ عُمرُ بن
الخطاب وابنُ عمر ، وهو قول مالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبى ثور ،
وكذلك لو ضفر شعره أو عقصه كان حكمه حكم التلبيد ؛ لأن الذي فعل سُنة التلبيد
الذي أوجب النبي عليه السلام فيه الحلاق . اهـ .
8= تقليد الهدي : إلْبَاسه القِلادة مِن النعال ونحوها ليُعْلَم أنه هدي .
قال النووي : التقليد : هو تعليق شيء في عُنق الهدي ليُعلم أنه هدي .
وسيأتي في " باب الهدي " .
9= مَن أهدَى وساق الهدي فَعَل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه
عليه الصلاة والسلام قال لِعليّ رضي الله عنه : بِمَ أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ ؟
قَالَ : بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ : فَأَهْدِ ، وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية قال : لولا أنّ معي الهدي لأحْللتُ . وفي رواية : قَالَ فَأَمْسِكْ
فَإِنَّ مَعَنَا هَدْيًا .
وفي حديث جابر : فَقَالَ : لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا
اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً ، فَمَنْ كَانَ
مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً . رواه
البخاري ومسلم .
وأما من لم يَسُق الهدي فيجوز له التحلل .
قال أبو موسى رضي الله عنه : قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو منيخ
بالبطحاء ، فقال : بِمَ أهللت ؟ قال : قلت : أهللتُ بإهلال النبي صلى الله عليه
و سلم . قال : هل سُقْت مِن هدي ؟ قلت : لا . قال : فَطُف بالبيت وبالصفا
والمروة ثم حلّ ، فطفت بالبيت وبالصفا والمروة . رواه مسلم .
قال ابن عبد البر : وأما هَدي القِران فإنه مانع من الإحلال والفسخ عند جمهور
السلف والخلف ، إلاّ ابن عباس ، وتابعته فرقة : إذا لم يَسق الهدي جاز له فسخ
الحج في العمرة . اهـ .
وأما قول عائشة رضي الله عنها أنها : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
عام حجة الوداع ، فَمِنّا مَن أهَلّ بِعُمْرَة ، ومِنّا مَن أهَلّ بِحَجة
وعُمرة ، ومِنّا مَن أهَلّ بالحج ، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج ،
فأما مَن أهَلّ بالحج ، أو جَمَع الحج والعمرة ، فلم يَحِلُّوا حتى كان يوم
النحر . رواه البخاري ومسلم .
فليس فيه أن من لم يسُق الهدي لم يتحلل بِعُمرة ؛ لأن ذِكر سياق الهدي مطويّ في
هذا الحديث ، ومُصرّح به في أحاديث أُخَر .
وهو دالّ على أن من أفرد الحج لم يَحِلّ منه ، ومن جَمَع بين الحج والعمرة لم
يحلّ منهما ، وهذا الأخير غير مُراد ، إلاّ أن يُقال في حقّ أُناس لم يتحللوا
بِعُمرة ، وبَقوا على قِرانهم .
وسيأتي في حديث جابر في " باب فسخ الحج إلى العمرة " .
والله أعلم .