|
|
شرح أحاديث عمدة
الأحكام
الحديث الـ 252 في ركوب البدن المهداة |
|
عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم |
ح 252
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً , فَقَالَ : ارْكَبْهَا . قَالَ : إنَّهَا
بَدَنَةٌ . قَالَ : ارْكَبْهَا . فَرَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا , يُسَايِرُ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم .
وفي لفظ : قال في الثانية أو الثالثة : اركبها ويلك ، أو ويحك .
فيه مسائل :
1= في رواية للبخاري : قَالَ : ارْكَبْهَا وَيْلَكَ . فِي الثَّالِثَةِ أَوْ
فِي الثَّانِيَةِ .
وفي رواية له : قَالَ ارْكَبْهَا ثَلاثًا .
وفي رواية له : قَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ : ارْكَبْهَا
وَيْلَكَ ، أَوْ وَيْحَكَ .
وفي رواية له : قَالَ : فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا .
وفي رواية لمسلم : بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَدَنَةً مُقَلَّدَة .
واللفظ الذي ذكره المصنف في الصحيحين .
2= بوّب عليه البخاري : بَابُ رُكُوبِ الْبُدْنِ لِقَوْلِهِ : (وَالْبُدْنَ
جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) .
3= لِم سُمِّيت البُدْن بهذا الاسم ؟
قال الإمام البخاري : قَالَ مُجَاهِد : سُمِّيَتْ الْبُدْنَ لِبُدْنِهَا .
وقال النووي : قَالَ أَهْل اللُّغَة : سُمِّيَتْ الْبَدَنَة لِعَظَمِهَا ،
وَيُطْلَق عَلَى الذَّكَر وَالأُنْثَى ، وَيُطْلَق عَلَى الإِبِل وَالْبَقَر
وَالْغَنَم ، هَذَا قَوْل أَكْثَر أَهْل اللُّغَة ، وَلَكِنَّ مُعْظَم
اِسْتِعْمَالهَا فِي الأَحَادِيث وَكُتُبِ الْفِقْه ، فِي الإِبِل خَاصَّة .
4= حُكم ركوب البُدن الْمُهْدَاة :
قال أبو الزبير : سألت جابر بن عبد الله عن ركوب الهدي ؟ فقال : سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : اركبها
بالمعروف حتى تَجِد ظَهْرًا . رواه مسلم .
قال ابن عبد البر : اختلف العلماء في ركوب الهدي الواجب والتطوع ؛ فذهب أهل
الظاهر إلى أن ركوبه جائز من ضرورة ، وبعضهم أوجب ذلك .
وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنه لا بأس بِرُكوب الهدي على كل حال أيضا ، على
ظاهر هذا الحديث ، والذي ذهب إليه مالك وأبو حنيفة والشافعي وأكثر الفقهاء :
كراهية ركوبه من غير ضرورة . اهـ .
قال الباجي : يحتمل أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلُ قَدْ اُضْطُرَّ إِلَى
رُكُوبِهَا ، وَكَانَ مَعَ كَثْرَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَثْرَةِ هَدْيِهِمْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدْ رَأَى جَمَاعَةً يَسُوقُونَ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ
أَنَّهُ أَمَرَ أَحَدًا بِمِثْلِ ذَلِكَ ، وَلَوْ أَمَرَ جَمِيعَهُمْ بِمِثْلِ
ذَلِكَ لَكَانَ رُكُوبُ الْبُدْنِ مَشْرُوعًا كَثِيرًا مَشْهُورًا ، وَهَذَا
مِمَّا لا خِلافَ فِي بُطْلانِهِ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يَحْمِلَ
عَلَيْهَا الأَحْمَالَ وَتَصَرَّفَ فِي الْعَمَلِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهَا
وَالْكِرَاءِ وَغَيْرِهِ ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ بِاتِّفَاقٍ ؛ لأَنَّ الْبُدْنَ
مَا أُخْرِجَ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الامْتِنَاعَ مِنْ
الانْتِفَاعِ بِهَا ؛ لأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الرُّجُوعِ فِيهَا ، وَإِنَّمَا
تُرْكَبُ الْبُدْنُ لِلْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ الرُّكُوبِ الْخَفِيفِ . اهـ .
وقال ابن قدامة : وله ركوبه عند الحاجة على وَجه لا يَضرّ بِه . قال أحمد : لا
يَركبه إلاّ عند الضرورة . وهو قول الشافعي و ابن المنذر وأصحاب الرأي . اهـ .
5= قوله : " إنها بَدَنة " : مَخافة أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَبَاحَ لَهُ رُكُوبَهَا لِمَا اعْتَقَدَ أَنَّهَا
غَيْرُ بَدَنَةٍ . قاله الباجي .
فإن قيل : قد جاء في روايات : " وَالنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا " فَلِم قال : إنها
بَدَنة ، وعليها علامة الهدي وشِعاره ؟
فالجواب : أن الرجل قد يكون ظنّ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرَ النعل ، أو
أنه أراد التأكّد من أمْره عليه الصلاة والسلام بالركوب .
وقوله : " إنها بَدَنة " يدلّ على أنه قد استقرّ عندهم أن الهدي لا يُركَب .
6= قال النووي : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْلك
اِرْكَبْهَا " .
فَهَذِهِ الْكَلِمَة أَصْلُهَا لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَة ، فَقِيلَ : لأَنَّهُ
كَانَ مُحْتَاجًا قَدْ وَقَعَ فِي تَعَب وَجَهْد ، وَقِيلَ : هِيَ كَلِمَة
تَجْرِي عَلَى اللِّسَان ، وَتُسْتَعْمَل مِنْ غَيْر قَصْد إِلَى مَا وُضِعَتْ
لَهُ أَوَّلاً بَلْ تُدَعِّم بِهَا الْعَرَب كَلامهَا ، كَقَوْلِهِمْ : لا أُمّ
لَهُ ، لا أَب لَهُ ، تَرِبَتْ يَدَاهُ ، قَاتَلَهُ اللَّه مَا أَشْجَعه ،
وَعَقْرَى حَلْقَى ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . اهـ .
7= فيه : الشِّدّة في الإنكار ، وهذا كثير في السنة ، خاصة إذا لم يجدِ الرفق
شيئا .
والله أعلم .
|
|
|
|
|