|
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَنِ صلى الله عليه وسلم
صَاعاً مِنْ طَعَامٍ , أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ , أَوْ صَاعاً مِنْ أَقِطٍ ,
أَوْ صَاعاً مِنْ زَبِيبٍ . فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ , وَجَاءَتِ
السَّمْرَاءُ , قَالَ : أَرَى مُدَّاً مِنْ هَذِهِ يَعْدِلُ مُدَّيْنِ . قَالَ
أَبُو سَعِيدٍ : أَمَّا أَنَا : فَلا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ
أُخْرِجُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
في الحديث مسائل :
1= قوله : " كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَنِ صلى الله عليه وسلم صَاعاً مِنْ طَعَامٍ " أي :
يُعطُون زَكاة الفِطر صاعا مِن الطعام ، مما هو مِن قُوت البلد . وهذا له حُكم
الرَّفْع .
2= قوله : مِن طَعام . قال ابن عبد البر : ولم يَختلف مَن ذَكَر الطعام في هذا
الحديث أنه أراد به الحنطة .
3= لِمن تُصرَف زكاة الفِطر ؟
قال في شرح منتهى الإرادات : وَمَصْرِفُهَا ، أَيْ : زَكَاةِ الْفِطْرِ
كمَصْرِفِ زَكَاةِ مَالٍ ، لِعُمُومِ : ( إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ )
الآيَةَ .
والذي جاء به النصّ الاقتصار على ذِكْر المساكين ، ويدخل فيهم الفقراء ؛ لأن
لفظ الفقير والمسكين إذا افْتَرقا اتَّحَدا ، وإذا اتَّحَدا افترقا .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : فَرَض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر
طُهْرة للصائم مِن اللغو والرَّفَث ، وطُعْمَة للمَسَاكين . رواه أبو داود وابن
ماجه .
وليس في بقية الأصناف مِن أهل الزكاة حاجة في ذلك اليوم إلى الإطعام ، فيُقتصر
على الفقراء والمساكين .
ثم رأيت تقرير ابن القيم لهذا ، حيث قال : وكان مِن هَديه صلى الله عليه وسلم
تَخْصِيص المساكين بهذه الصَّدَقة ، ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية
قَبْضَة قَبْضَة ، ولا فَعَله أحَد مِن أصحابه ، ولا مَن بعدهم ... وهذا القول
أرْجَح مِن القول بِوجوب قِسمتها على الأصناف الثمانية . اهـ .
4= على مَن تَجِب ؟ وهل يمنعها الدَّين ؟
تجب على كُلّ مسلم حُرّ عاقل بالغ يَجد ما يزيد عن قوت يومه ، عنه وعن من تلزمه
نفقته .
قال الإمام الشافعي : ويُؤدّي وَلِيّ الصبي والمعتوه عنهما وعمن تلزمهما مؤنته
كما يؤدي الصحيح ، وكل من دخل عليه هلال شوال وعنده قوته وقوت مَن يقوته يومه
وليلته وما يُؤدّي به زكاة الفطر عنهم وعنه أداها عنه وعنهم ، فإن لم يكن عنده
إلاّ ما يؤدي به زكاة الفطر عنه أو عن بعضهم أداها ، فإن لم يكن عنده إلا قوته
وقوتهم فلا شيء عليه .
وقال : فإن كان أحد ممن يَقوت واجِدا لزكاة الفطر لم أرخص له أن يدع أداءها عن
نفسه .
وقال : لا زكاة فِطر إلاّ على مسلم ، وعلى الرجل أن يزكى عن كل أحد لَزِمَه
مُؤنته ، صغارا أو كبارا . اهـ .
وقال النووي : المعسر لا فِطرة عليه بلا خلاف . قال المصنف والأصحاب :
والاعتبار باليسار والإعسار بِحال الوجوب ؛ فمن فضل عن قوته وقوت من تلزمه
نفقته لليلة العيد ويومه صاع فهو مُوسِر ، وإن لم يفضل شيء فهو معسر ، ولا
يلزمه شيء في الحال ، ولا يستقر في ذمته. اهـ .
وقال البهوتي في شرح منتهى الإرادات : وَلا يَمْنَعُ وُجُوبَهَا ، أَيْ :
زَكَاةِ الْفِطْرِ دَيْنٌ ، لِتَأَكُّدِ هَا بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا عَلَى
الْفَقِيرِ وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَدَرَ عَلَيْهَا ، وَتَحَمُّلِهَا عَمَّنْ
وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ ، وَلأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْبَدَنِ . اهـ .
5= لَم يَنفرِد معاوية رضي الله عنه بهذا الفِعل ، كَما أن لِفِعْلِه أصْلاً في
السُّـنَّـة .
قال عليه الصلاة والسلام : أدُّوا صَاعًا مِن قَمح ، أو صاعا مِن بُرّ عن كل
اثنين ، صغير أو كبير ، ذَكَر أو أنثى ، حر أو مملوك ، غني أو فقير ؛ أما
غَنِيكم فَيُزَكِّيه الله ، وأما فَقِيركم فَيَرُد عليه أكثر مما يُعْطِي .
رواه الإمام أحمد وأبو داود ، وقال ابن قدامة : إِسْنَادُهُ حَسَنٌ ، وقال
الألباني : صحيح .
وجاء عن أسماء بنت أبى بكر أنها كانت تُخْرِج على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن أهلها الْحُرّ منهم والمملوك ؛ مُدَّيْن مِن حِنطة ، أو صاعا مِن تَمْر
، بِالْمُدّ أو بِالصَّاع الذي يتبايعون به . رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار
، والطبراني ، وقال الألباني : سنده صحيح على شرط الشيخين .
فاجتهاد معاوية ليس اجتهادا في خِلاف النصّ ، بل هو اجتهاد يتماشَى مع النصّ .
6= سبب مُعادلة معاوية رضي الله عنه الْمُدّ مِن قَمْح الشام بالْمُدَّيْن مِن
غيره ، هو طِيب القَمْح الشامِي مُقارنة بِغيره .
7= يُجزئ إخراج كُل ما يُقْتَات ويُدَّخر ، وزاد بعض أهل العلم قَيدًا ثالثا ،
وهو أن يَكون مِما يُكْتَال .
فلو كان مما يُدَّخر ولا يُقْتَات ، فلا يُجزئ .
وإن كان مما يُقتَات ولا يُدخَّر ، فلا يَجزئ أيضا .
ولذلك فإن الشعير في هذا الزمان ليس مما يُقتَات عادة .
قَال الإمام مَالِكٌ : يُخْرِجُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ .
8= قال ابن حجر : قوله : " وجاءت السمراء " أي : القمح الشامي . اهـ .
9= قوله : " قَالَ : أَرَى مُدَّاً مِنْ هَذِهِ يَعْدِلُ مُدَّيْنِ " القائل :
هو معاوية رضي الله عنه ؛ فهو الخليفة آنذاك .
10= الْمُدّ : ما يَكون مِلء الكَفَّيْن .
قال القاضي عياض : والصاع أربعة أمداد .
11= إذا جَرى الخلاف بين الصحابة فالترجيح بأمُور أخْرى وبِمُرجِّحَات
خَارِجِية .
والترجيحات بين أقوال الصحابة تكون بِوجوه كثيرة نُصّ عليها في كُتُب الأصول .
12= هذا الخلاف إنما هو في القمح والبر .
قال ابن عبد البر : واخْتَلَف أهل العلم في مِقدار مَا يُؤدِّي المرء عن نفسه
في صدقة الفطر مِن الحبوب ، بعد إجماعهم أنه لا يجزئ مِن التمر والشعير أقَل
مِن صاع بِصاع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أربعة أمْداد بِمُدِّه صلى الله
عليه وسلم .