|
ح 261
عنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ : أَنَّهُ حَجَّ مَعَ ابْنِ
مَسْعُودٍ . فَرَآهُ رَمَى الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ فَجَعَلَ
الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ , وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ . ثُمَّ قَالَ : هَذَا
مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ صلى الله عليه وسلم .
فيه مسائل :
1= قال الإمام الذهبي : عبد الرحمن بن يزيد بن قيس ، الإمام الفقيه ، أبو بكر
النخعي ، أخو الأسود بن يزيد . اهـ .
2= حج مع ابن مسعود : فيه الحج مع أهل العلم والإفادة منهم .
3= فَرَآهُ رَمَى الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى : يعني : يوم النحر .
4= الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى : وهي التي تُسمّى : جَمْرة العَقَبة .
وتسميتها بالكبرى ؛ لأنها تَنفرد بالرَّمي يوم النحر .
وتسميتها بالعقبة نسبة إلى الجبل الذي كانت ملتصقة به ، وهو الذي وَقَعَت عنده
بيعة العقبة المشهورة .
5= بِسَبْعِ حَصَيَات : هذا الواجب في الرمي ، أن يكون الرمي بِسبع حصيات .
6= جاء في وصف حصى الجمار : مثل حصى الْخَذْف . كما في صحيح مسلم .
قال الترمذي بعد روايته الحديث : هذا حديث حسن صحيح ، وهو الذي اختاره أهل
العلم أن تكون الجمار التي يُرمى بها مثل حَصى الْخَذْف . اهـ .
وقال النووي : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اِسْتِحْبَاب كَوْنِ الْحَصَى فِي هَذَا
الْقَدْر ، وَهُوَ كَقَدْرِ حَبَّة الْبَاقِلاّء ، وَلَوْ رَمَى بِأَكْبَر أَوْ
أَصْغَر جَازَ مَعَ الْكَرَاهَة . اهـ .
قال القاضي عياض : الْخَذْف بسكون الذال ، وصيد الْخَذْف هو الرَّمي بِحصا أو
نَوى بين السبابتين ، أو بين الإبهام والسبابة . اهـ .
وقال الفيروز آبادي : الخَذْفُ ، كالضَّرْبِ ، رَمْيُكَ بِحَصاةٍ أو نَواةٍ أو
نَحْوِهِما ، تَأْخُذُ بَيْنَ سَبَّابَتَيْكَ تَخْذِفُ به ، أو بِمِخْذَفَةٍ من
خَشَبٍ . اهـ .
7= قوله : " فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ , وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ " بعد
قوله : " فَرَآهُ رَمَى الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ " لا يقتضي
الترتيب ، أي : لم يكن جعله الكعبة عن يساره ومِنى عن يمينه بعد أن رَمى ،
وإنما جعل البيت عن يساره ومِنى عن يمينه ووجهه جِهة الشرق وَقت الرمي .
8= قوله : " وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ " أليس هو في منى ؟ فكيف يجعل منى عن يمينه
؟
الجواب عن ذلك : أنه جَعَل مُعظَم مِنى عن يمينه ؛ لأن الجمرة الكبرى في آخر
منى ، وهي على حدّها من جهة مكة .
9= السنة عند الرمي أن يكون وَجه الرامي جهة الشرق ، ويمينه جهة منى ، ويساره
جهة مكة .
فإن لم يتيسّر ذلك بسبب الزحام ، فَلَه أن يرمي مِن أي جهة .
10= تخصيص سورة البقرة : لأنها اشتملت على أحكام المناسك .
" فَإِنَّمَا خَصَّ الْبَقَرَة لأَنَّ مُعْظَم أَحْكَام الْمَنَاسِك فِيهَا ،
فَكَأَنَّهُ قَالَ : هَذَا مَقَام مَنْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ الْمَنَاسِك
وَأُخِذَ عَنْهُ الشَّرْع ، وَبَيَّنَ الأَحْكَام فَاعْتَمِدُوهُ " . قاله
النووي .
ولا مفهوم لِقوله : " هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ
الْبَقَرَةِ صلى الله عليه وسلم " ؛ لأن ابن مسعود مِن أهل القرآن ، الذين
أخذوه وأخذوا به ، وكان ممن يُقرئ القرآن .
11= جواز قول : سورة البقرة ، ونحو ذلك .
قال النووي : وَفِيهِ : دَلِيل عَلَى جَوَاز قَوْل : سُورَة الْبَقَرَة
وَسُورَة النِّسَاء وَشِبْه ذَلِكَ ، وَكَرِهَ ذَلِكَ بَعْض الأَوَائِل ،
وَقَالَ : إِنَّمَا يُقَال : السُّورَة الَّتِي تُذْكَر فِيهَا الْبَقَرَة ،
وَالسُّورَة الَّتِي تُذْكَر فِيهَا النِّسَاء ، وَشِبْه ذَلِكَ ، وَالصَّوَاب
جَوَاز قَوْل : سُورَة الْبَقَرَة وَسُورَة النِّسَاء ، وَسُورَة الْمَائِدَة
وَغَيْرهَا ، وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ الصَّحَابَة
وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهمْ ، وَتَظَاهَرَتْ بِهِ الأَحَادِيث الصَّحِيحَة
مِنْ كَلام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَة - رَضِيَ
اللَّه عَنْهُمْ - كَحَدِيثِ : " مَنْ قَرَأَ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِر سُورَة
الْبَقَرَة فِي لَيْلَة كَفَتَاهُ " وَاَللَّه أَعْلَم . اهـ .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه وهو في مزدلفة : سَمِعْتُ الَّذِي أُنْزِلَتْ
عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ يَقُولُ فِي هَذَا الْمَقَامِ : لَبَّيْكَ
اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ . رواه البخاري ومسلم .
وبهذا رُدّ على الحَجّاج ، حيث كان يقول عَلَى الْمِنْبَرِ : السُّورَةُ
الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ ، وَالسُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا
آلُ عِمْرَانَ ، وَالسُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا النِّسَاءُ .
قال الأعمش : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لإِبْرَاهِيمَ ، فَقَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ – فَذَكَرَه – . رواه البخاري ومسلم .
12= ليس بعد رمي جمرة العقبة دعاء ، سواء في يوم النحر ، أو في أيام التشريق ،
أيام مِنى .
13= قوله رضي الله عنه : " هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ
الْبَقَرَةِ صلى الله عليه وسلم " .
في رواية للبخاري : " هَكَذَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ
الْبَقَرَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
وفي رواية لمسلم : قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ : إِنَّ نَاسًا يَرْمُونَ
الْجَمْرَةَ مِنْ فَوْقِ الْعَقَبَةِ . قَالَ : فَرَمَاهَا عَبْدُ اللَّهِ مِنْ
بَطْنِ الْوَادِي ، ثُمَّ قَالَ : مِنْ هَا هُنَا - وَالَّذِي لا إِلَهَ
غَيْرُهُ - رَمَاهَا الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ .
والقسم للتأكيد . وهو عند البخاري أيضا .
14= حُجّية قول الصحابي إذا لم يُخالف النص ، أو لم يُخالفه غيره ، وتقديم
أقوال الصحابة على من بعدهم .
والله أعلم .