صيد الفوائد saaid.org
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







حديث صحيح ينسف عقيدة الجهمية

خالد بن سعود البليهد


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد:

فقد ثبت في صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي قال: (كانَتْ لي جارِيَةٌ تَرْعى غَنَمًا لي قِبَلَ أُحُدٍ والْجَوّانِيَّةِ، فاطَّلَعْتُ ذاتَ يَومٍ فَإِذا الذِّيبُ قدْ ذَهَبَ بشاةٍ مِن غَنَمِها، وأَنا رَجُلٌ مِن بَنِي آدَمَ، آسَفُ كما يَأْسَفُونَ، لَكِنِّي صَكَكْتُها صَكَّةً، فأتَيْتُ رَسولَ اللهِ ﷺ فَعَظَّمَ ذلكَ عَلَيَّ، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أفلا أُعْتِقُها؟ قالَ: ائْتِنِي بها فأتَيْتُهُ بها، فَقالَ لَها: أيْنَ اللَّهُ؟ قالَتْ: في السَّماءِ، قالَ: مَن أنا؟ قالَتْ: أنْتَ رَسولُ اللهِ، قالَ: أعْتِقْها، فإنَّها مُؤْمِنَةٌ). وقد دل حديث الجارية على اتصاف الله تعالى بصفة العلو مع مباينته لخلقه لأن النبي صلى الله عليه وسلم المعروف بفصاحته وأمانته ونصحه سأل الجارية سؤالا عربيا واضحا عن مكان الله المعبود الموصوف بصفات الكمال فأجابته بأنه في السماء وسألها عن نفسه فأجابته بأنه الرسول فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم وصدقها واستدل على إيمانها بإثبات علو الله وإثبات رسالته وهذا يدل على أن وصف الله بالعلو من أهم مسائل الإيمان بالله تعالى وقد تواتر هذا المعنى في القرآن والسنة قال تعالى: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ). وقال تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألَا تَأْمَنُونِي وأَنَا أمِينُ مَن في السَّمَاءِ). متفق عليه. وقد أجمع أئمة أهل السنة على أن الله سبحانه عال بذاته فوق سماواته مستو على عرشه مباين لخلقه قال الأوزاعي: (كنا والتابعون متوافرون نقول:ان الله عز وجل فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته). وقال إسحاق بن راهويه: (ﻗﺎﻝ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى). إجماع ﺃﻫﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻓﻮﻕ اﻟﻌﺮﺵ اﺳﺘﻮﻯ ﻭﻳﻌﻠﻢ ﻛﻞﺷﻲء ﻓﻲ ﺃﺳﻔﻞ اﻷﺭﺽ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ). وقال ابن بطة العكبري: (أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين وجميع أهل العلم من المؤمنين أن الله تبارك وتعالى على عرشه فوق سمواته بائن من خلقه وعلمه محيط بجميع خلقه). وقال ابن تيمية: (ولم يقل أحد منهم قط إن الله ليس في السماء ولا إنه ليس على العرش ولا إنه بذاته في كل مكان ولا إن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء ولا إنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا إنه لا متصل ولا منفصل ولا إنه لا تجوز الإشارة الحسية إليه بالأصابع ونحوها بل قد ثبت في الصحيح عن جابر بن عبد الله أن ‏النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب خطبته العظيمة يوم عرفات في أعظم مجمع حضره الرسول صلى الله عليه وسلم جعل يقول‏:‏ ألا هل بلغت‏؟‏ فيقولون‏:‏ نعم‏.‏ فيرفع إصبعه إلى السماء ثم ينكبها إليهم ويقول‏:‏ اللهم اشهد غير مرة).

وهذا الحديث الصحيح الصريح الذي احتج به أئمة السنة على علو الله ينسف عقيدة الجهمية الذين ينكرون علو الله ويقولون بأن الله في كل مكان أو يقولون بأن الله لا فوق ولا تحت ولا على يمين ولا على شمال ولا أمام ولا وراء ولا داخل العالم ولا خارجه ويعتقدون زورا بأن مثبت العلو لله كافر لأنه مشبه ومجسم كما زعموا بل وينكرون على من يسأل أين الله؟ والحق أنهم لا يستطيعون أن يدفعوا هذا الحديث بجواب صحيح وجميع أجوبتهم شبهات ساقطة وأعذار واهية مبنية على قواعد كلامية فاسدة:

(1) ومن ذلك قولهم: أن هذه الجارية جاهلة وقد عفا عنها النبي صلى الله عليه وسلم لأنها لا تعقل موجودا من غير جهة فلا نحتج بكلامها.

فنقول لهم: كيف يقر النبي صلى الله عليه وسلم الجاهلة على كفرها ويجعل كلامها من الإيمان؟ ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ما أقرها على باطل وسكت عنها كما تزعمون لأن هذا من الخيانة وترك الأمانة وإنما صدقها على قولها ولو كان كلامها كفرا لأنكر عليها وبلغها التوحيد ولم يداهنها وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتم شيئا من الحق قالت عائشة رضي الله عنها: (من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا مما أنزل الله عليه فقد كذب والله يقول: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) الآيَةَ). متفق عليه. وقال أبو عثمان الصابوني: (فحكم رسول الله بإسلامها وإيمانها لما أقرت بأن ربها في السماء وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية. وإنما احتج الشافعي رحمة الله عليه على المخالفين في قولهم بجواز إعتاق الرقبة الكافرة في الكفارة بهذا الخبر لاعتقاده أن الله سبحانه فوق خلقه، وفوق سبع سماواته على عرشه، كما معتقد المسلمين من أهل السنة والجماعة سلفهم وخلفهم إذ كان رحمه الله لا يروي خبرا صحيحا ثم لا يقول به).

ونقول لهم: إن تفريقكم بين الخاصة والعامة في العقائد فالعامي يعذر في اعتقاد الجهة لله ويعفى عنه ويقر شرعا على جهله لأنه لا يعقل موجودا من غير جهة ولا يهتدي للحق في العادة لعسر فهمه ودقة مدارك الأدلة أما العالم فلا يعذر ولا يقر على نسبة الجهة لله نقول لهم: هذا أصل باطل من جنس عقيدة الباطنية الزنادقة فجميع المسلمين مكلفون بعقيدة واحدة لا فرق بين العامة والخاصة وتصديق خبر النبي صلى الله عليه وسلم فرض على كل أحد من الخاصة والعامة في كل زمان وكل مكان والدين كله واحد ليس له ظاهر وباطن.

(2) ومن ذلك قولهم: أن حديث الجارية خبر آحاد لا نحتج به في العقائد كما نص على ذلك أئمتنا.

فنقول لهم أيضا: ترك الاحتجاج بخبر الآحاد في العقائد أصل بدعي أحدثه المعتزلة الجهمية الأوائل أبو علي الجبائي وأبو الحسين الخياط بعد القرون المفضلة ثم صار مذهبا رسميا للجهمية المتأخرين وهو مخالف للكتاب والسنة وعمل الصحابة وأئمة السنة والشواهد على بطلانه كثيرة جدا واتفق أهل السنة على أن خبر الآحاد حجة في الدين قال ابن عبد البر: (وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات ويعادي ويوالي عليها ويجعلها شرعا ودينا في معتقده على ذلك جميع أهل السنة). وقال ابن تيمية: (وأما القسم الثاني من الأخبار فهو ما لا يرويه إلا الواحد العدل ونحوه ولم يتواتر لفظه ولا معناه ولكن تلقته الأمة بالقبول عملا به أو تصديقا له كخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ)...وأمثال ذلك فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الأولين والآخرين. أما السلف فلم يكن بينهم في ذلك نزاع. وأما الخلف فهذا مذهب الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة الأربعة).

ونقول لهم: إن هذا الخبر صحيح احتفت به الأدلة التي تفيد اليقين وقد أجمعت الأمة على قبوله ومعناه متواتر لأنه موافق لدلائل القرآن والسنة وآثار الصحابة ولا يعرف أن أحدا من السلف أنكره وإنما إنكاركم لهذا الخبر الصحيح حادث بعد زمان السلف الصالح فلا عبرة به لشذوذه قال عثمان بن سعيد الدارمي: (في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا دليل على أن الرجل إذا لم يعلم أن الله عز وجل في السماء دون الأرض فليس بمؤمن). وقال ابن خزيمة: (فتلك الأخبار كلها دالة على أن الخالق الباري فوق سبع سمواته لا على ما زعمت المعطلة أن معبودهم هو معهم في منازلهم).

ونقول لهم: المرجع في قبول الخبر وتصديقه واعتقاد ما فيه هم أهل الحديث المتخصصون في نقد الأخبار ومعرفتها وضبطها فهم أهل التواتر الخاص في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أما المتكلمون فيجهلون الأخبار والسنن وليس لديهم معرفة في طرقها وعللها وفقهها والتمييز بين الصحيح والضعيف فيها قال ابن تيمية: (فإن ما تلقاه أهل الحديث وعلماؤه بالقبول والتصديق فهو محصل للعلم مفيد لليقين ولا عبرة بمن عداهم من المتكلمين والأصوليين. فإن الاعتبار في الإجماع على كل أمر من الأمور الدينية بأهل العلم به دون غيرهم كما لم يعتبر في الإجماع على الأحكام الشرعية إلا العلماء بها دون المتكلمين والنحاة والأطباء. وكذلك لا يعتبر في الإجماع على صدق الحديث وعدم صدقه إلا أهل العلم بالحديث وطرقه وعلله وهم علماء الحديث العالمون بأحوال نبيهم الضابطون لأقواله وأفعاله المعتنون بها أشد من عناية المقلدين لأقوال متبوعهم. فكما أن العلم ينقسم إلى عام وخاص فيتواتر عند الخاصة ما لا يكون معلوما لغيرهم فضلا عن أن يتواتر عندهم فأهل الحديث لشدة عنايتهم بسنة نبيهم وضبطهم لأقواله وأفعاله وأحواله يعلمون من ذلك علما لا يشكون فيه مما لا شعور لغيرهم به ألبتة).

ونقول لهم: إن قبول أخبار الآحاد الصحيحة المحفوظة التي نقلها العدول في باب معرفة الله وصفاته منهج سار عليه الصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان واتفق عليه أئمة السلف ولذلك أطبقوا على روايتها والاحتجاج بها في أصول عقائدهم من غير نكير من أحد منهم وبنفس المنهج روى الصحابة أخبار الشريعة فمن قدح بأخبار العقيدة لزمه القدح بأخبار الشريعة وإلا تناقض وسقطت حجته قال ابن القيم: (وأما المقام الثامن: وهو انعقاد الإجماع المعلوم المتيقن على قبول هذه الأحاديث وإثبات صفات الرب تعالى بها فهذا لا يشك فيه من له أقل خبرة بالمنقول. فإن الصحابة هم الذين رووا هذه الأحاديث وتلقاها بعضهم عن بعض بالقبول ولم ينكرها أحد منهم على من رواها ثم تلقاها عنهم جميع التابعين من أولهم إلى آخرهم ومن سمعها منهم تلقاها بالقبول والتصديق لهم ومن لم يسمعها منهم تلقاها عن التابعين كذلك وكذلك تابع التابعين مع التابعين. هذا أمر يعلمه ضرورة أهل الحديث كما يعلمون عدالة الصحابة وصدقهم وأمانتهم ونقلهم ذلك عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كنقلهم الوضوء والغسل من الجنابة وأعداد الصلوات وأوقاتها ونقل الأذان والتشهد والجمعة والعيدين فإن الذين نقلوا هذا هم الذين نقلوا أحاديث الصفات فإن جاز عليهم الخطأ والكذب في نقلها جاز عليهم ذلك في نقل غيرها مما ذكرنا وحينئذ فلا وثوق لنا بشيء نقل لنا عن نبينا صلى الله عليه وسلم البتة وهذا انسلاخ من الدين والعلم والعقل).

(3) ومن ذلك قولهم: أن المراد بالعلو هنا هو علو الشرف والقدر والقهر وليس علو الذات.

فنقول لهم: لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم الجارية عن علو القدر والقهر وإنما سألها سؤالا صريحا لا يحتمل التأويل عن مكان ذات الله بقوله: أين الله؟ فأجابته جوابا صريحا بجهة العلو في السماء. ولو كان المسؤول عنه العلو المعنوي لما سألها بأين التي تدل على المكان. ثم علو الله في القدر والقهر ليس خاصا بجهة العلو فوق السماء بل هو عام في كل الجهات والأحوال كما اشتهر عن أئمة السلف قال الإمام مالك: (الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو من علمه مكان). وقال يوسف بن موسى القطان: (قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: والله تعالى فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه وقدرته وعلمه بكل مكان؟ قال: نعم على عرشه لا يخلو شيء من علمه). وقال ابن عبد البر: (أما قوله في هذا الحديث للجارية: (أَيْنَ اللهُ؟) فعلى ذلك جماعة أهل السنة وهم أهل الحديث ورواته المتفقهون فيه وسائر نقلته كلهم يقول ما قال الله تعالى في كتابه: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى). وأن الله عز وجل في السماء وعلمه في كل مكان وهو ظاهر القرآن في قوله عز وجل: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ)).

 (4) وأما قولهم: بأن الله في كل مكان فهذه عقيدة الجهمية الأوائل القائلين بالحلول قال ابن القيم: (أن يكون ساريا فيه حالا فيه فهو في كل مكان بذاته وهو قول جميع الجهمية الأقدمين). وهذا كفر وإلحاد لأنه تكذيب لله وتكذيب لرسوله وتكذيب لإجماع السلف ويستلزم أن الله حال في الكلاب والخنازير والشياطين والحشوش والأماكن القذرة قال عبد الوهاب الورّاق صاحب الإمام أحمد: (من زعم أن الله هاهنا فهو جهمي خبيث إن الله فوق العرش وعلمه محيط بالدنيا والآخرة). وقال ابن بطة العكبري: (ولا يأبى ذلك ولا ينكره إلا من انتحل مذاهب الحلولية وهم قوم زاغت قلوبهم واستهوتهم الشياطين فمرقوا من الدين وقالوا: إن الله ذاته لا يخلو منه مكان فقالوا: إنه في الأرض كما هو في السماء وهو بذاته حال في جميع الأشياء. وقد أكذبهم القرآن والسنة وأقاويل الصحابة والتابعين من علماء المسلمين). وقال شيخنا ابن باز: (ومن قال: إن الله في كل مكان أو ليس في العلو فهو كافر مكذب لله ولرسوله ومكذب لإجماع أهل السنة والجماعة كـالجهمية وأشباههم والمعتزلة فهؤلاء من أكفر الناس لإنكارهم أسماء الله وصفاته جل وعلا).

(5) وأما قولهم: بأن الله لا فوق ولا تحت ولا على يمين ولا على شمال ولا أمام ولا وراء ولا داخل العالم ولا خارجه فهذه عقيدة الجهمية المتأخرين وحقيقتها وصف الله بالعدم لأنهم شبهوا الله بالممتنعات الموصوفة برفع النقيضين فيكون الرب عندهم موجودا في الذهن لا في الخارج وهذا مستحيل لأن الموجود إما أن يكون خارج العالم أو يكون داخل العالم وقد أثبت الوحي الأول ونفى الثاني قال ابن القيم: (إذ لو كان موجودا لكان إما داخل العالم وإما خارجا عنه وهذا معلوم بالضرورة فإنه إذا كان قائما بنفسه فإما أن يكون مباينا للعالم أو محايثا له إما داخلا فيه وإما خارجا عنه). قلت: فهذه عقيدة فلسفية لا تفهم ولا تعقل إلا عند من سَفِه عقلُه والفطرة السليمة تنفر عنها وهي أظهر كفرا وأقبح من قول الحلولية الأوائل لأن التعطيل بالكلية أشد من الحلول قال ابن تيمية: (وهم ينسبون مثبتة الصفات إلى مشابهة النصارى وهم أشبه بالنصارى لأنه يلزمهم أن يقولوا: إنه في كل مكان وهذا أعظم من قول النصارى أو أن يقولوا: ما هو شر من هذا وهو أنه لا داخل العالم ولا خارجه). مع ما فيها من تكذيب لله وتكذيب لرسوله وتكذيب لإجماع السلف الصالح ومرادهم بالتعطيل إنكار أن الله في السماء فوق العرش قال حماد بن زيد: (إنما يدورون على أن يقولوا ليس في السماء إله يعني الجهمية). وقال شيخنا ابن باز في الجواب عن جهمي يقول إن الله لا يتصف بالزمان ولا بالمكان ويُكفِّر من يثبت استواء الله على العرش: (فالذي يقول: إن الله ليس في السماء أو ليس فوق العرش كافر ضال جهمي خبيث. فالله يوصف بأنه في السماء وأنه فوق العرش فوق جميع الخلق كما أخبر عن نفسه جل وعلا. فعليك أن تخبر من سألك عن هذا فتقول له: إن الله فوق العرش فوق جميع الخلق قد استوى على العرش استواء يليق بجلاله لا يشابه خلقه في شيء من صفاته جل وعلا). ومما يدل على فساد عقيدتهم (التعطيل) أنه يمتنع شرعا وعقلا أن يكلف الله العباد بعقيدة غامضة خفية لا يفهمها عامة المسلمين كما قال شيخهم: (أن من جملة العقائد التي لا تستطيع العامة فهمها هو أنه تعالى لا داخل العالم ولا خارجه ولا منفصل عن العالم ولا متصل به). وقد ذكر ابن تيمية أن خاصة الجهمية كانوا يخفون هذه العقيدة عن العامة بقوله: (ولهذا كان العامة من الجهمية إنما يعتقدون أنه في كل مكان وخاصتهم لا تظهر لعامتهم إلا هذا لأن العقول تنفر عن التعطيل أعظم من نفرتها عن الحلول وتنكر قول من يقول إنه لا داخل العالم ولا خارجه أعظم مما تنكر أنه في كل مكان). قلت: وإنما أنزل الله على المسلمين في كتابه وفي سنة نبيه عقيدة واضحة موافقة للفطرة يفهمها كل مسلم قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا). وفي الصحيحين: (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَواهُ يُهَوِّدانِهِ، أَوْ يُنَصِّرانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ).

(6) وأما إنكارهم السؤال بأين الله؟ فهذا اعتراض وإنكار منهم على النبي صلى الله عليه وسلم  الذي نطق به وامتحن الجارية في إيمانها قال عثمان بن سعيد الدارمي: (فقد أخبر الله العباد أين الله وأين مكانه وأَيَّنَهُ رسول الله في غير حديث...فمن أنبأك أيها المعارض غير المِرِّيسي أن الله لا يوصف بأين فأخبرنا به؟ وإلا فأنت المفتري على الله الجاهل به وبمكانه). وأخرج البخاري في خلق أفعال العباد عن سليمان التيمي قال: (لو سئلت أين الله؟ لقلت: في السماء. فإن قال: فأين عرشه قبل السماء؟ لقلت: على الماء. فإن قال: فأين عرشه قبل الماء؟ لقلت: لا أعلم). وقال عبد الغني المقدسي الحنبلي: (ومن أجهل جهلا وأسخف عقلا وأضل سبيلا ممن يقول: إنه لا يجوز أن يقال: أين الله؟ بعد تصريح صاحب الشريعة بقوله: (أَيْنَ اللهُ؟)). قلت: فكل منكر للسؤال والجواب في حديث الجارية فهو مستدرك على النبي صلى الله عليه وسلم العارف بربه التقي الورع فليعد جوابا للسؤال يوم القيامة قال تعالى: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ).

(7) وأما تكفيرهم من يثبت استواء الله بذاته فوق عرشه وزعمهم أن ذلك تشبيها وتجسيما لله. فهذا من أبطل الباطل لأن فيه تكذيبا وسوء أدب مع الله الذي أخبر عن نفسه بعلو ذاته فوق سماواته وتضليلا وسوء أدب مع رسول الله الذي أخبر عن ربه باستوائه على عرشه وتجهيلا للصحابة الذين أقروا بعلو الله وأئمة السلف الصالح الذين صدقوا بنصوص الصفات ولا يعيبهم ويقدح في فهومهم إلا ناقص العقل فاسد الفطرة قال أبو إسماعيل الأنصاري: (وسموا الإثبات تشبيها فعابوا القرآن وضللوا الرسول صلى الله عليه وسلم). وقال ابن عبد البر: (ومخالفونا ينسبونا في ذلك إلى التشبيه والله المستعان ومن قال بما نطق به القرآن فلا عيب عليه عند ذوي الألباب!). وقال ابن تيمية: (وإما أن يتوهموا أن هذا كفر يخالف الدين‏.‏ وهم في قولهم قد خالفوا الكتاب والرسول واتبعوا غير سبيل المؤمنين، وقالوا ما لم يقله أحد من الصحابة والتابعين ولا غيرهم من أئمة المسلمين)‏.‏

والحاصل أن الجهمية الضلال يعبدون ربا مجهولا لا يعرفون مكانه يعبدون عدما كما قال نعيم بن حماد: (المعطل يعبد عدما). وقال عثمان بن سعيد الدارمي: (ومن لم يعرف أن إلهه فوق عرشه فوق سماواته فإنما يعبد غير الله). ومما يدل على حيرتهم الشديدة وضياعهم أنه إذا نزل بهم ضر التفتت قلوبهم وتوجهت أبصارهم وأيديهم إلى السماء وهم ينكرون أن الله في السماء فيغالطون فطرتهم وضرورة قلوبهم بالباطل فيجهلون ربهم أما أهل السنة فيعرفون ربهم قال عبد الله ابن المبارك: (لا نقول كما قالت الجهمية إنه ‌في ‌الأرض ههنا بل على العرش استوى. وقيل له: كيف تعرف ربنا؟ قال: فوق سماواته على عرشه).

 

خالد بن سعود البليهد

5/8/1446


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية